التناص والتلاص: هل أصبحت السرقات الأدبية علامة مسجلة في الثقافة العربية؟

By العربية الآن

التناص والتلاص.. هل أصبحت السرقات الأدبية “علامة عربية مسجلة”؟

الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي، الكاتب والإعلامي العماني سليمان المعمري، والشاعرة السورية فاطمة خضر
الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي (يمين) والشاعرة السورية فاطمة خضر، والكاتب والإعلامي العماني سليمان المعمري (الجزيرة + وكالات)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content” aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>
في روايته “المشاء العظيم” التي صدرت عن دار الشروق بالقاهرة عام 2023، يستعرض الكاتب المصري أحمد الفخراني ما يسمى “الوجه المظلم للوسط الأدبي”، مركزًا على مشكلة “السرقات الأدبية”. تدور أحداث الرواية حول الشخصية الروائية الطموحة “محمد الأعور”، الذي حقق شهرة مزيّفة عبر ست روايات مسروقة من أستاذه “فرج الكفراوي”. تدور القصة حول صراعات الروائي مع شبح أستاذه الذي يلزمه بتسمية روايته السابعة باسمه من أجل إعادة اعتباره في عالم الأدب. ويطرح الفخراني تساؤلات ملحة حول النجاح والأصالة والخداع.

السرقات الأدبية ظاهرة متفشية

يمثل هذا العمل الروائي تجسيدًا لمشكلة متفشية في المجتمع الأدبي، إذ أصبح تزايد حالات السرقة الأدبية ظاهرة معروفة في مختلف الدول العربية والغربية. أدت التكنولوجيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي إلى انكشاف هذه السرقات، التي لا تقتصر على الأعمال الأدبية بل تمتد أيضًا إلى الأعمال الأكاديمية. كما أنها تحولت لدى الكثير من الباحثين إلى “علامة مسجلة”.

غلاف رواية “المشاء العظيم” لأحمد الفخراني (الجزيرة)

مؤخراً، تعرضت الروائية التركية إليف شفق، صاحبة رواية “قواعد العشق الأربعون”، لعمالة سرقة أدبية، حيث حكمت المحكمة لصالح الكاتبة مينا جوكتشا كيريك كانات، التي أقامت دعوى تتهم شفق بسرقة روايتها “قصر البرغوث”. وقد غرمت المحكمة شفق بمبلغ يفوق 5 آلاف يورو، إلا أنها نفت هذه الاتهامات وأعلنت أنها ستستأنف الحكم.

الكاتبة التركية مينا جوكتشا كيركانات (يمين) والكاتبة التركية إليف شفق المتهمة بسرقة روايتها “قصر البرغوث” (مواقع التواصل)

السرقة: انحطاط علمي وأخلاقي

لم تسلم الكتب والبحوث والدراسات الأكاديمية والمواد الصحفية بمختلف أنواعها من السرقات الأدبية. هل تعكس هذه السرقات عجزًا فكريًا يشرع مثل هذا السلوك؟ وهل يمكن أن يساعد فضح السارقين في الحد من هذه الظاهرة أم أنها ستفاقم الوضع؟

في السياق ذاته، كشف الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي أنه تعرض لسرقة أدبية لأجزاء من كتابه “الشعر الوجود والزمان”، الصادر عام 2002، وهو ما أشار إليه بعد تنبيه من أحد الأصدقاء. فقد قام شخص بنشر مقال تحت عنوان مشابه في إحدى المجلات، دون أن يبذل أي جهد في إعادة صياغة الأفكار.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها بومسهولي مثل هذه السرقات، حيث تعرض كتابه “نهاية الأخلاق” لسرقة مماثلة منذ عامين. وفي تلك المناسبة، قام أحد الكتاب بنشر سرقته على الإنترنت، مما أدى إلى حذف المقال من موقع معين بعد الاعتذار لبومسهولي. وفيما يتعلق بمفهوم “العلة التأسيسية”، يوضح بومسهولي أنه لا يمكن أن يكون توارد الخواطر عذرًا، حيث إن التطابق في المفاهيم يعد سرقة أدبية واضحة.

الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي (الجزيرة)

تدهور أخلاقي وتعليمي

يعتبر الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي أن انتشار الانتحال والسرقات الأدبية يعد تجسيدا لتدهور غير مسبوق على الصعيدين العلمي والأخلاقي. ويعزو هذا التراجع إلى فشل المؤسسات التعليمية في تحضير الطلاب على قراءة أعمال الآخرين بجد، وتحفيزهم على التفكير النقدي والبحث. كما يشير إلى عدم قدرة الجامعات على تأهيل طلاب يمتلكون كفاءات في مجالي الآداب والعلوم الإنسانية.

ويضيف بومسهولي أن عدداً من أساتذة الجامعات لا يسعون إلى تحفيز الطلاب على التفكير، بل يطلبون منهم تلخيص كتب مشهورة حول الفلاسفة الكبار، مع تحذيرهم من التأويل أو الاجتهاد.

سرقة الأفكار: قضية لا تهمش

تنطلق اللغة الأدبية من مفهوم “سرقة الأفكار” بما أنها لا تقل أهمية عن سرقة الأموال. الكاتب والإعلامي العماني سليمان المعمري خصص جزءاً كبيراً من جهوده لكشف هذه السرقات وتحذير المسؤولين عن الجامعات والمجلات منها، مشدداً على أهمية هذا العمل في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويرى المعمري أن من المستغرب أن يتجاهل الناس هذه المشكلات، حيث يشعر أحياناً أنه هو المخطئ بسبب تسليط الضوء على السارق، محذراً من خطورة السكوت عن السرقات التي تحدث حولهم.

الكاتب العماني سليمان المعمري خصص جزءا كبيرا من وقته لفضح السرقات الأدبية (الجزيرة)

سرقة الأفكار: ملف يتطلب المزيد من الجهود

يوضح المعمري أنه بدأ التنبيه إلى خطورة سرقة الأفكار، مشيراً إلى أن هذه السرقات تعادل أهمية سرقة الأموال. ويؤكد أنه مع تزايد هذه الانتهاكات، يتأكد من أهمية عمله في توثيقها، الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحرك الجهات المعنية.

ويشير إلى أن هناك استجابة من بعض الجهات بشكل إيجابي، حيث تم اتخاذ إجراءات تصحيحية بحق أشخاص قاموا بالانتحال. كما يعبر عن أمله في أن يتحول فضح السرقات إلى عمل جماعي، مما يقلل من هذه السرقات.

تفشي السرقات الأكاديمية

يؤكد المعمري أن حجم السرقات الأدبية كبير جداً، ليس فقط في الأبحاث الأكاديمية، بل أيضاً في المقالات الأدبية والترجمات. وقد أصبحت ظاهرة سرقة الأبحاث الأكاديمية متفشية في الجامعات العربية، حيث يشارك بها طلاب الدراسات العليا وأساتذة حتى عمداء الكليات.

ويشمل ذلك وجود صفقات لبيع الأبحاث، حيث يقوم البعض بسرقة أبحاث الآخرين دون أي رادع. كما يشير إلى حالات مثيرة مثل انتحال باحث يمني بحث أخيه.

وبفضل جهوده المتواصلة، شهد المعمري استجابات إيجابية من جهات أكاديمية، مثلما حدث مع جامعة المرقب في ليبيا، والتي أخذت إجراءات ضد مجلات قامت بنشر أبحاث منتحلة.

حراك إيجابي في مواجهة الانتحال

يرى الكاتب العماني أن الاستجابات الإيجابية على ما نشره تعكس نجاح جهوده. فقد أوقفت صحيفة سعودية التعامل مع كاتب اتضح أنه قام بعمليات انتحال، كما اتخذت جامعات في سلطنة عمان خطوات لاعتماد أنظمة كشف الانتحال للمساعدة في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.

وفي ختام حديثه، يؤكد المعمري أن الطريق لا يزال طويلاً، ولكن التوجهات الحالية تشير إلى خطوات صحيحة نحو الحد من ظاهرة الانتحال المتفشية.

بعض الجامعات في سلطنة عمان استخدمت كاشف الانتحالات “Turnitin” على البحوث، بعد سلسلة من السرقات تم كشفها السنوات الماضية (شترستوك)

الوهم الثقافي والمعرفي

تعد السرقات الأدبية ظاهرة متكررة في عالم الأدب، حيث كشفت الشاعرة السورية فاطما خضر عن واحدة من أبرز حالات السرقات المتعلقة بدراسة بعنوان “الموجة الجديدة في الشعر السوري”، التي قامت بها كاتبة سورية معروفة. فتحت الشاعرة خضر النقاش على صفحتها على فيسبوك، مُعبرة عن استيائها من عدم اجتهاد الكاتبة وسرقتها لأعمال نقاد آخرين وشعراء. من الأمور المقلقة هو استنساخ القصائد بشكل شبه حرفي، بما في ذلك قصيدة “أغار” للشاعر اللبناني أنسي الحاج، وسرقة نصوص من الكاتب المصري جابر عصفور ومراجعة نقدية للناقد المصري عبد الله السمطي.

الأوهام النفسية

تشير خضر إلى أن السرقات الأدبية غالباً ما تكون نتيجة للوهم الذي يعيش فيه السارق، وهو ما تسميه بـ”الوهم الثقافي أو الوهم المعرفي”. وذكرت أنها قد دعّت السارقة للرد أو الاعتذار للناقد الذي يوثق جهدها، لكنها لم تتجاوب. كما تقول إن هذا السلوك قد يعود إلى نمط شخصي ذي نزعة نرجسية، حيث يتجاهل السارق الجريمة الأدبية كأنها لم تحدث.

التناص مقابل التلاص

توجد تفرقة بين مفهومين؛ الأول هو التناص، الذي يعني استحضار نصوص أخرى بهدف الإلهام أو التعبير عن أفكار جديدة، والثاني هو التلاص، الذي يشير إلى السطو على نصوص الغير بدون أي إبداع أو تطوير. يرى الكاتب المغربي عبد العزيز بومسهولي أن التناص يتطلب مهارة عالية للحفاظ على هوية النص الأصلي، بينما التلاص هو عمل غير أخلاقي يهدف إلى الاستيلاء على إبداع الآخرين.

وركز الناقد الفلسطيني عزالدين المناصرة على أن التلاص هو إصرار على السطو لأغراض شخصية مثل الترقي الاجتماعي، محذراً من أن أي نص مسبوق يحتفظ دوما بسر يمكن أن يكشف كل أشكال الانتحال.

إدراك الفكر الإبداعي

الكاتب العماني سليمان المعمري اعتبر أن مفهوم “توارد الأفكار” يرتبط بفكرة مشتركة بين جميع الكتّاب، مشيراً إلى قول الجاحظ بأن “المعاني مطروحة في الطريق” وأن الإبداع الحقيقي يعتمد على كيفية تقديم الأفكار بشكل مبتكر.

مدخل إلى مفهوم التناص

يعتبر مفهوم “التناص” من المفاهيم الأدبية الهامة التي طرحها الناقدة البلغارية جوليا كريستيفا في أواخر الستينيات. يشير هذا المفهوم إلى كيفية تفاعل النصوص الأدبية مع بعضها، حيث يعتبر كل نص نوعًا من الحوار مع نصوص أخرى. ويؤكد المعمري أن هذه التفاعلات تشمل كل أشكال التواصل الأدبي بين النصوص، مما يبرز أهمية السياق بالنسبة لفهم أي نص.

جذور السرقات الأدبية

تعود ظاهرة السرقات الأدبية إلى العصور القديمة، حيث كان الشعراء في العصر الجاهلي، مثل امرئ القيس وطرفة بن العبد، يتفاخرون بعدم اللجوء إلى هذه الممارسات. ومع ذلك، لم تتمكن العصور الأموية والعباسية من الحد من هذه السرقات، بل تفاقمت مع تقدم التكنولوجيا وانتشار الإنترنت، مما اضطر العديد من الكتاب ودور النشر لمواجهة هذه الظاهرة.

حالات حديثة من السرقات الأدبية

في الآونة الأخيرة، قامت الكاتبة الكردية وجيهة عبد الرحمن بالإعلان عن سرقة روايتها “كعب عال” من قبل كاتب مجهول، بعد أن اكتشفت روايتها تباع في متجر “أمازون”. وقد أصدرت نداءً للوقوف ضد هذا النوع من السرقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالمثل، فقد تعرض الكاتب والشاعر العراقي شاكر لعيبي لسرقة عمله في بحثه الموسوم بـ”بين ستيوارت دافيس وضياء العزاوي”، حيث اتخذ خطوات قانونية ضد السارق وطلب من الجهات الأكاديمية اتخاذ إجراءات حاسمة.

ضرورة مواجهة السرقات الأدبية

تتطلب الخطورة المترتبة على السرقات الأدبية البحث عن حلول فعالة. من أبرز هذه الحلول استخدام برامج متخصصة لرصد السرقات الأدبية المعروفة بإجراءات كشف الانتحال، وهي برامج تعتمد على مقارنة النصوص الجديدة بملايين النصوص الموجودة على الإنترنت. ويعتبر المعمري أن هذه الأدوات أصبحت ضرورية في المؤسسات الأكاديمية للكشف عن النصوص المسروقة وفرض العقوبات على المتورطين.

أهمية التعليم في مواجهة السرقات الأدبية

رغم أهمية التكنولوجيا في مواجهة السرقات الأدبية، إلا أن المعمري يؤكد على ضرورة تعليم الأخلاقيات العلمية منذ الصفوف الابتدائية. ومن المهم تكريس قيم الأمانة والصدق في المنازل، بجانب النظام التعليمي، لضمان تطوير جيل يمتلك الوعي الكافي بأهمية احترام الملكية الفكرية.

خلاصة

تظل السرقات الأدبية تحديًا يؤثر على مجتمعاتنا الأدبية والثقافية، ويتطلب الأمر تكاتف الجهود التربوية والتقنية لمهنة الكتابة، لضمان تحقيق جودة أدبية حقيقية ومنع هذه الظواهر السلبية.


أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version