التوازن بين الدين والقانون: مفاهيم وتحديات

By العربية الآن

بين الدين والقانون!

التوازن بين الدين والقانون مفاهيم وتحديات التوازن بين الدين والقانون التوازن بين الدين والقانون
أحكام الشريعة الإسلامية تمتد في تطبيقها إلى البواعث الدافعة للتصرف والتعامل فالأعمال بالنيات (شترستوك)

تعتبر العلاقة بين الدين والقانون من العلاقات المتناغمة، حيث تأتي هذه العلاقة استجابة للشعور العام والثقافة السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية، فضلًا عن احترام العقائد والتعاليم في النفوس البشرية.

ويؤكد ذلك ما نصت عليه المادة (1) من الدستور القطري، حيث تنص على أن “قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها.” هذا التأكيد يجسد التأثير العميق لمبادئ الشريعة الإسلامية على القوانين، وعلى الرغم من هذا الارتباط الوثيق، إلا أن هناك فرقًا جوهريًا بين الدين والقانون.

تشبه القواعد الدينية القواعد القانونية في كونهما تنظمان سلوك الأفراد بالمجتمع، كما أن كلاهما قواعد عامة مجردة لا تخص شخصًا بعينه، بل تخاطب الجميع بالتجرد والعمومية.

تشير القواعد الدينية إلى الأحكام التي وضعتها الشريعة، والتي تهدف إلى تحقيق صواب الإنسان ودفع غضبه، كما تحدد واجباته نحو خالقه ونفسه والآخرين. وتنقسم أحكام الشريعة إلى قسمين: قواعد العبادة والأخلاق، وأخرى متعلقة بالمعاملات.

أما القواعد القانونية، فتتعلق بتنظيم الروابط الاجتماعية وترتبط بجزاء تُوقعه الدولة. والهدف من هذه القواعد هو تنظيم سلوك الأفراد مجتمعياً، ومنع الفوضى الناتجة عن عدم وجود نظام.

وعليه، بالرغم من أن كلا النظامين ينظمان سلوك الأفراد، إلا أن الاختلافات بينهما تكمن في نطاق تطبيقهما وغاياتهما ومصادر أحكامهما.

تهدف القواعد الدينية إلى تنظيم سلوك الفرد في المجتمع وكذلك سلوكه مع ربه ونفسه، تضع تعاليم ومبادئ سامية تهدف إلى الارتقاء بالإنسانية.

من حيث النطاق

تتسم القواعد الدينية بشموليتها، حيث تشمل علاقة الفرد بنفسه وما يدور في نيته، وهو ما لا تركز عليه القواعد القانونية. فالشريعة تتناول النوايا وقد تعتبرها بمثابة أعمال، في حين أن القواعد القانونية تأخذ بعين الاعتبار السلوك الظاهر فقط.

وبهذا، يكون نطاق تطبيق القواعد الدينية أوسع من القواعد القانونية، التي تركز على الأفعال الملموسة فقط، باستثناء حالات معينة مثل الشروع في الجرائم.

من حيث الغاية أو الهدف

تسعى القواعد الدينية لتحقيق تنظيم فردي واجتماعي، يهدف إلى تعزيز الروح وتطهير النفس، بينما ترتكز القواعد القانونية على تنظيم المجتمع وحماية حقوق الأفراد وضمان العدالة.

### الدين والقانون: تباينات وأوجه تشابه

تسعى القواعد الدينية إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، بالإضافة إلى توجيه علاقتهم مع الله ومع أنفسهم. وتعمل هذه القواعد على تعريف المبادئ السامية التي تساعد في رفع مستوى الإنسانية، حيث تهدف إلى المثالية في تطهير الروح، وزكاة النفس، وصحة الجسد، وإعمار الأرض، وتحقيق العدل والسلام، مع التأكيد على المحبة والتعاطف والإحسان بين الناس. في جوهرها، تنشد القواعد الدينية المثالية.

### القواعد القانونية: النفعية في التنظيم

على الجانب الآخر، تسعى القواعد القانونية إلى تحقيق النفعية، وتركز على الحفاظ على النظام العام وتنظيم سلوك الأفراد عند تعاملهم مع الآخرين، بهدف تحقيق توازن نسبي بين المصالح الفردية ووضع حد أدنى من العدالة. وبالتالي، فإن القانون ينطلق من مفهوم النفعية بخلاف الدين الذي ينشد المثالية. إذًا، يمكن القول إن نطاق الدين أوسع بكثير من نطاق القانون، حيث يُعتبر الدين مثاليًا بينما القانون عملي.

### تأثير القواعد الدينية والجزاءات

من الملاحظ أن القواعد الدينية تترك أثرًا أكبر على الأفراد، ويرجع ذلك إلى ازدواجية العقاب المرتبطة بها. فالشخص يلتزم بها نتيجة وجود جزاء دنيوي يُفرض من قبل السلطة العامة، وفي حال فراره، فإنه سيواجه الجزاء الأخروي.

### الجزاء الديني: مؤجل ودنيوي

ما يميز الجزاءات في القواعد الدينية هو أنها أخروية مؤجلة، يُوقعها الله على المخالفين للأوامر والنواهي. ومع ذلك، قد ترتبط أحيانًا بعقوبات دنيوية، مثل قطع يد السارق أو جلد الزاني. فالقواعد الدينية تتضمن جزاءات دنيوية وأخروية، بينما تقتصر الجزاءات القانونية على العقوبات الدنيوية الحالية.

### العلاقة بين الدين والقانون

تتعدد أوجه العلاقة بين القواعد الدينية والقانونية، حيث قد يتبنى المشرع أحيانًا بعض القواعد الدينية، ليعيد صياغتها في شكل مواد قانونية. وهذا ما يفسر وجود قواعد قانونية مستمدة من الدين، كالأحكام المتعلقة بالحوالات والهبات والمبادئ المستندة إلى الشريعة الإسلامية مثل “لا تركة إلا بعد سداد الديون”.

### أهمية دمج الشريعة في القانون

ينبغي على فقهاء القانون المسلمين توضيح أهمية دمج أحكام الشريعة الإسلامية في القانون، من خلال إبراز القواعد المتطورة القابلة للتطبيق في مختلف الأنظمة القانونية حول العالم، سواء كانت شرقية أو غربية.

### الخاتمة

إن التعزيز بين الدين والقانون يتطلب وعيًا وإدراكًا من قبل القانونيين لشرح وتفسير كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية في الإطار القانوني بشكل يتوافق مع الزمن وأماكن تنفيذ القوانين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version