بيير بايل: مثقف بروتستانتي وسط فرنسا الكاثوليكية

By العربية الآن

بيير بايل… مثقف بروتستانتي في سياق كاثوليكي

تعد المقارنات بين المجتمعات العربية الإسلامية الحالية والمجتمعات الغربية المتقدمة التي تخطت الأصولية الدينية من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المثقفون العرب. يعتبر المؤرخون أن ذلك يمثل مغالطة تاريخية، حيث يجب أن تكون المقارنة قائمة على ما يمكن مقارنته، أي أن تكون أوضاعنا الحالية مقارنة بأوضاعهم قبل 300 إلى 400 عام، عندما كانت تلك المجتمعات تعاني من صراعات طائفية ومذهبية مشابهة لما نعيشه اليوم. وفي هذا السياق، تأتي سيرة حياة المفكر الفرنسي البروتستانتي بيير بايل (1647 – 1706) كدليل واضح على تلك المعاناة.

حياة بيير بايل وصراعه مع التعصب

عاش بيير بايل في وقت كانت فيه فرنسا ذات أغلبية كاثوليكية واحتوت على أقلية بروتستانتية تشكل حوالي 20%. ونتيجة لولادته في هذه الأقلية، فرّ من الاضطهاد الطائفي نحو هولندا، حيث استقر وتمكن من العيش بسلام. كان بايل أحد رواد التنوير وأثر بشكل كبير على الفلاسفة اللاحقين مثل فولتير، الذي كان يستشهد بأفكاره. رغم ذلك، نال بايل شهرة أقل، ولا يكاد يُعرف اسمه في العالم العربي اليوم.

دور بايل في تعزيز التسامح الديني

تعاون بايل مع الفيلسوف الإنجليزي جون لوك لتأسيس فكرة التسامح الديني في أوروبا، داعيًا إلى قبول جميع المعتقدات حتى غير المتدينين. ورغم أنه نشأ في عائلة بروتستانتية، إلا أنه اضطُر في فترة من حياته إلى اعتناق الكاثوليكية للهروب من الاضطهاد، لكنه ما لبث أن عاد إلى مذهبه الأصلي. تعكس تجربته إيمانًا قويًا بأن الإكراه في الدين عبثي، وأن الإنسان مؤهل لتبني معتقداته بناءً على الظروف المحيطة به.

إسهامات بايل الفكرية وتأثيرها

ألف بيير بايل العديد من الكتب التي أصبحت جزءاً من الفكر التنويري في القرن الثامن عشر، وكانت مرجعًا للعديد من الفلاسفة في نقد التعصب الديني. من أبرز أعماله كتاب “ما معنى فرنسا الكاثوليكية المتعصبة في عهد لويس الرابع عشر؟”، حيث ندد بشدة بالتعصب السائد في زمانه.

النهاية المأساوية لأخيه وعواقب التعصب

تسببت أعمال بايل في إزعاج الملك والسلطات الكنسية، فانتقمت هذه الأخيرة منه بقتل أخيه يعقوب بايل، ما أسفر عن معاناة جديدة للعائلة. لكن هذه الوقائع لا تمثل سوى جزء من تاريخ طويل من الصراعات الطائفية التي شهدتها فرنسا.

تأثير بايل في الفكر الأوروبي

إن إسهامات بيير بايل الفكرية والمبادئ التي أرسى دعائمها ساهمت في تشكيل عقول مفكرين أخرين، مثل فولتير الذي واصل التصدي للأصولية. بيير بايل يمثل رمزًا للنضال من أجل حرية الضمير، وقد ترك إرثًا مهمًا في تاريخ الفكر الأوروبي.

خاتمة

تشكل قصة بيير بايل مثالاً حيًا على أهمية التسامح الديني وفائدة الاعتماد على فكر متسامح بعيد عن التعصب. وكما تكشف الأحداث التاريخية، فإن الجهود التي بذلها أمثال بايل أسهمت في إحداث تغييرات إيجابية في المجتمعات على مر العصور.


أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version