“صيد النساء التونسيات بين ضغوط السيطرة الذكورية وتأثيرات التغير المناخي”

By العربية الآن


نساء في مجال الصيد

تقوم سارة السويسي بسحب قاربها الصغير على شاطئ جزيرة قرقنة في جنوب تونس، لتكون واحدة من القلائل اللاتي يمتهنّ صيد الأسماك، وهي مهنة كانت في الماضي مرتبطة بالرجال فقط. ورغم محاولاتها المستمرة لتحدي هذه الصورة النمطية، تصطدم حاليا بتحديات بيئية تهدد مصدر رزقها.

تقول السويسي، التي تعشق هذه المهنة منذ صغرها، وهي ترتدي قبعة بيضاء، «أحب البحر وصيد الأسماك، لذا كنت مصممة على ممارسة هذه المهنة رغم أن المجتمع لا يتقبل فكرة أن تتولاها امرأة».

تلعب النساء دورًا نشطا ومتنوعا في مختلف مجالات قطاع الصيد في تونس، والذي يشكل مع تربية الأحياء المائية حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإنهن لا يحصلن على التقدير الكافي، حسب دراسة حديثة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).

سارة السويسي تحضّر شباك الصيد (أ.ف.ب)

غياب الإحصاءات والفرص

لا تتوفر إحصاءات دقيقة عن عدد النساء بين الصيادين البالغ عددهم 44 ألفًا عام 2023 وفقًا للمرصد الوطني الفلاحي، إلا أن حوالي 60% من العاملين في الاقتصاد الموازي في البلاد هن من النساء. وتؤكد دراسة «الفاو» أن العديد من الصيادات يُنظر إليهن كـ«عاملات غير فعّالات» ولا يحصلن على نفس مستوى المساعدات أو فرص التدريب والقروض مثل الرجال، حيث يتم تصنيفهن كمقترضات «ذات مخاطر عالية». كما تعتبر النساء العاملات مع أقاربهن من الرجال «مساعدات عائلية دون أجر».

التكيف مع التغير المناخي

في منطقة روّاد شمال تونس العاصمة، نظمت «جمعية الصيد المستدام» في يونيو الماضي ورشة تدريب للنساء في مهن الصيد. وتوضح منسقة الورشة، ريما موسوي، أن الهدف من التدريب هو «توفير موارد إضافية، مع التكيف مع التغير المناخي وتراجع الموارد البحرية وممارسات الصيد السيئة». ومع ذلك، يعبر معظم المشاركات عن رغبتهم في كيفية دعم الرجال في عائلتهم، مثل صفاء بن خليفة التي ترغب في مساعدة زوجها ووالدها في «خياطة شباك الصيد».

التحديات المناخية

على عكس ذلك، تفخر سارة السويسي، الأم لطفلين، باستقلالها وبكونها تسهم في نفقات عائلتها. ومع ذلك، تواجه تحديات كبيرة ناجمة عن تغير المناخ، مثل ارتفاع درجة حرارة مياه البحر قرب شواطئ جزيرة قرقنة، التي تبعد 300 كيلومتر من تونس العاصمة. في أغسطس، سجل البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة قياسية، مما يجعل مياهه غير مناسبة لبعض أنواع الأسماك والأعشاب البحرية.

قارب صيد يرسو في مياه قرقنة (أ.ف.ب)

التهديدات البيئية

تتفاقم التهديدات على الثروة السمكية في الساحل التونسي، الذي يمتد 1300 كيلومتر، نتيجة لممارسات الصيد الجائرة والأساليب غير المستدامة، مثل المصائد البلاستيكية وشباك الجر التي تتلف قاع البحر. وتقول السويسي إن بعض الصيادين «لا يحترمون القوانين ويصطادون كل ما تستطيع أيديهم، حتى خارج فترات الصيد المسموح بها». ويمثل التلوث مشكلة أخرى كبيرة.

في جنوب قرقنة، أسس جامعو المحار جمعية في سنة 2017 لتطوير هذا النشاط، حيث ساهمت الجمعية في مساعدة نحو أربعين امرأة على «تحرير أنفسهن من الوسطاء» الذين كانوا يأخذون حصة كبيرة من عائداتهن في الأسواق الأوروبية، كما توضح رئيسة الجمعية، هدى منصور. ومع ذلك، حظرت الحكومة التونسية في عام 2020 جمع المحار بسبب تراجع الكميات بسبب التلوث وارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى إغلاق الجمعية.

تونسيون في أحد أسواق السمك بتونس العاصمة (أ.ف.ب)

رفض الاستسلام

توضح منصور، التي تعمل في مجال صناعة المرطبات، أن النساء المعنيات يواجهن صعوبة في الحصول على فرص عمل أخرى بسبب عدم توفر شهادات جامعية. وتعتبر آمنة بن كحلة، الباحثة الجامعية، أن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة يهددان المعيشة البحرية في خليج قابس، مشيرة إلى أهمية العمل نحو صيد أكثر استدامة لتفادي تفاقم البطالة.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، ترفض السويسي ترك مهنة الصيد، وتقول بحماسة: «مستحيل أن أبقى في المنزل وأقوم بالأعمال المنزلية، أريد أن أكمل الصيد».

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version