“أتكرم”.. الفنانة التي سرت الكرة بصوتها فأبكتها مرضها الفريد

By العربية الآن



“أتكرم”.. الفنانة التي سرت الكرة بصوتها فأبكتها مرضها الفريد

%D8%A3%D8%AA%D9%83%D8%B1%D9%8526%D8%B1%D9%86
نجحت المصورة الأمريكية “إيريكا تايلور برودسكى” (54 عامًا) من خلال فلمها الوثائقي الحديث “أتكرم” (I Am: Celine Dion)، أن تظهر مجموعة من العواطف الشديدة المليئة بالألم والأسى والفقدان والآلام، وانعكس تأثيرها بشكل واضح على الملايين من المشاهدين وعشاق هذه الفنانة الأسطورية، منذ طرح الفيلم قبل فترة قصيرة.

تقييمات ومراجعات وبكاء ودموع كثيرة أطلقها المعجبون من كل أنحاء العالم، حيث أن شهرتها لا حدود لها، إذ تمتعت بمحبة كبيرة من قبل الجماهير بمختلف جنسياتهم، وأسفرت مسيرتها عن إنتاج 27 ألبومًا غنائيًا، تم بيع أكثر من 250 مليون نسخة.

[تضمين]https://www.youtube.com/watch?v=WzBCSzLcp1E[/تضمين]

بالإضافة إلى ذلك، حصلت “أتكرم” على أبرز الجوائز العالمية، بما في ذلكعدد من الجوائز العراقية “غرامي” الموسيقية التي تُعتبر حُلمًا لكل مغنٍ، وحصلت أيضًا على جائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية في فيلم “تايتانيك”، بالإضافة إلى مجموعة من التكريمات والتتويجات التي نالتها من أفضل الجهات.

“انطفاء الشمعة” .. “كان صوتي هو قائد حياتي”

الصوت المميز هو رأس المال الأساسي لكل مطرب، ومن خلاله فقط يُفصل بين صوت الإنسان العادي والفنان. هذا الصوت الذي كان يميز “سيلين ديون” عن غيرها، فقد كانت تمتلك صوتًا طربيًّا فريدًا، نمته منذ طفولتها وزرعته وتغذّته بالاهتمام اللازم، لتستعد نفسها بشكل مثالي للمستقبل.

وهذا ما قامت به بترويضه وتهذيبه لصالحها، لتتسلق قمة النجاح، وتخترق قلوب الملايين حول العالم، لتصبح اسمًا مرتبطًا بالحب والجمال والسحر والموسيقى الرائعة والصوت المؤثر.

“سيلين ديون” ترتدي القلادة التي أهداها لها زوجها قبل رحيله، وهذه القلادة تُعود للمغنية الأوبرالية الشهيرة “ماريا كلاس”

إلا أن جميع تلك الأحلام أصبحت فجأة كوابيس مزعجة، حيث تورطت في متاهة المرض، ولم تعد قادرة على الإبداع والاستمرار على هذا الطريق. بعد فحوصات طبية دقيقة، حدّد الأطباء إصابتها بمرض نادر يُعرف علميًا باسم “متلازمة الشخص المتيبّس”.

تلك الحالة النادرة التي تصيب إنسانًا واحدًا من بين كل مليون، تسببت في تلف الجهاز العصبي والعضلي والأوتار، مما جعلها تفقد السيطرة على عضلاتها وأعصابها وجسمها، مما جعل من الصعب على “سيلين” السيطرة على أوتار صوتها، فأصبح صوتها في كثير من الأحيان غير متماسك.

لذلك، اضطرت إلى إلغاء كافة حفلاتها، واتخذت هذا
القرار المؤلم في عام 2021، من أجل الاهتمام بصحتها وأسرتها، والابتعاد عن الأضواء في مدينة نيفادا بالولايات المتحدة.

“سيلين ديون” تقف أمام لوحة الفيلم الذي أُنتج حول حياتها

في الفيلم الوثائقي، تقول إنها تعبت من تزوير الحقائق أمام جمهورها، حيث كانت تدعي أحيانًا إصابتها بالتهاب الجيوب الأنفية أو نزلات البرد، ولذا قررت تصوير فيديو في عام 2022، تكشف فيه حقيقة معاناتها من المرض النادر.

بعد ذلك، ألغت جميع فعالياتها وجولاتها الفنية المحلية والدولية، وتعلق في هذا السياق: “إنه ليس صعبًا تقديم عرض فني، ولكن المصيبة هي إلغاؤه”. ومع ذلك، كانت الآلام التي كانت تعانيها خلال نوبات مرضها لا تُحتمل، فوجدت صعوبة بالغة في تحملها، إذ كان أكبر الألم هو فقدان صوتها، وكانت تعبر قائلة: “كان صوتي هو قائد حياتي”، وبعد تشخيص مرضها، انطفأ كالشمعة، لا يضيء مجددًا.

“لم أر شيئًا” .. “جُبت العالم كله”

سجّلت المخرجة “أيرين تايلور برودسكى” العديد من اللحظات الحاسمة والمميزة في حياة “سيلين ديون” بعد إصابتها بالمرض، من خلال رصدها في بيتها وتوثيق لحظات نادرة، ينبعث منها حكمة، استنادًا إلى تجاربها ومعارفها وتكوين حياتها.

“سيلين ديون” أثناء تدريبها لاستعادة صوتها المفقود

كان لفقراتها الكلامية معنى عميقًا، ينبع من تجاربها وثقافتها وتشكيلها في الحياة، ومن تلك التصريحات كلامها عن رحلاتها التي جابت فيها العالم عدة مرات، حيث قالت: “لم أر شيئًا، جُبت العالم كله”، كانت تعبّر بهذه الكلمات عن شعورها بالحنين والحاجة لاكتشاف أمور جديدة.لم أر شيئا”.

هنا ينبغي وضع علامة استفهام، وطرح سؤال منطقي حول مضمون كلامها، والرد سهل وواضح، وهو أنها كانت تهتم فقط بالممارسات، والانصراف نحو الحفلات، وكيفية تعاملها مع الجمهور ومعلومات أخرى، ولذلك فإنها لم تمكن من السفر أو زيارة أماكن مختلفة، لذا لم تر شيئا.

“المُراد الشهرة فليعمل بنفسه، والراغب في العظمة فليعمل مع الآخرين”

من ناحية أخرى، تُحدث “سيلين” عن علاقتها المقربة بأفراد فرقتها الموسيقية، وضرورة معاملة كل فرد فيها كأحد أفراد الأسرة، لأنه إذا لم يشعر بذلك فلن يقدم الكثير.

كما أثنت على أهمية التعاون الجماعي، لأنّ الإنسان المُنفرد لا يُقدم إسهاما كبيرا، وقد ذكرت عبارة حكيمة جداً: “من يطمح لشهرة سريعة، فليرتفع بمفرده، ومن يسعى للعظمة فليرتبط بالآخرين”.

سلين ديون مُصابة بمَتَلاَزِمة الشخص المُتِيَّبَس، وهو مَرَض نادر جدا يُصِيب إنسان واحد من كل مِلَيون

لهذا استطاعت “سيلين” أن تبني مسيرتها الموسيقية بكل جهد، بدءاً من اهتمامها بالآخرين، وقد برز هذا من خلال تعاملها مع الفريق الموسيقي الخاص بها، والعاملين معها الذين اعتبرتهم جزءً من عائلتها، وحثت أبناءها على ضرورة احترام الآخرين وتعاطفهم معهم بإنسانية، بعيداً عن الطبقات الاجتماعية.

وهي لا تنطق بهذا بوضوح، ولكن يُمكن فهمه من نمط حياتها، على سبيل المثال عندما قدّم الخادم كوب عصير لابنها لم تنتقده، ولكنها جذبت انتباهه، فشكره فيما بعد، وهذه الصفة ستغرس فيه الإيجابية في المستقبل.

دعم الأسرة.. حقلا حديقي تصفع فيه المَوهَبَة الجليلة

تتحدث “سيلين” في الفلم عن عائلتها وتشجيعها العظيم، بل شاهدتها كأكثر عائلة جمالا، لا سيما والدتها، فهي من دَعَمتها واستكشفت موهبتها في الغناء، ورغم أن العائلة كانت فقيرة ماديا، إلا أنها لم تُكن فقيرة في المحبة، فقد نشأوا أُسرة مُحِبَّة ومُتضافة، لا سيما بعد تضحيات الأم التي لا تُعد ولا تُحصى.

فعلّمتها أمها أمورا كثيرة حوالى الموسيقى والغناء، لأن العائلة كانت تهوى الفن بشدة، وتعلمت ذلك منهم، لذا أصبحت في صباها تُغني في المنزل، والجمهورُ هم الأب والأم والإخوة، ثم انتقلت للغناء في حفلات المدرسة، وأعطتها الأم التوجيهات السليمة، حتى بدأت بالمُشاركة في المسابقات المحلية والدولية، في كندا وفرنسا واليابان، حتى أصبح اسمها نجمة كبيرة في سماء الموسيقى العالمية.

سيلين مع زوجها الذي فارق الحياة عام 2016، بعد أن جمعتها قصة حُب عظيمة أنجبت ثلاثة أطفال

وتحدثت بحنين عن زوجها الذي فارق الحياة عام 2016، بعد أن ألزمه مرض السرطان، وهو “رينيه أنجيليل” الذي ينحدر من عائلة لبنانية سورية، وهو مصمم أزياء معروف، وكان مدير فنها، وعلى الرغم من فارق السن بينهما، وزوجها قبلها، إلا أنها وقعت في حُبه وكانت معه في مرضه، وسطرت معه قصة حب عظيمة أنجبت ثلاثة أولاد.

على الرغم من شهرة “سيلين” الكبيرة ومشغولياتها العديدة، تمكنت من بناء أسرة قوية وصلبة،

وقد يُرجع ذلك إلى طبيعة الأسرة التي نشأت فيها، كما أنها توازنت بين الفن ومسؤولياتها الشخصية، لذلك نجح زواجها.

نشوة الإلتصاق…صورة موجعة عن الكدر والمُضّ”>نوبات الإلتصاق…صورة موجعة عن الألم والمعاناة

على الرغم من أن مشاهد نوبات الإلتصاق قد تسبب مُراهقة للمشاهد، فاختارت المخرجة “أيرين تايلور برودسكى” عرضها، وهي مشاهد متعددة لنوبات مرض الشخص المُتييب الذي كثيراً ما كانت تعاني منه “سيلين”، فقد سجلتها وانتشرت في الفيلم، وهي مقاطع بالغة الألم، تظهر مدى الألم الذي تعيشه.

ولكن مع كل هذه المعاناة المُستمرة لسنوات، لا تزال تقاوم حتى اليوم، وتسعى للتدريب والإستماع لنصائح المُدربين.يجب على الرياضيون والفيزيائيون والأطباء العودة، حتى لو بجزء صغير، إلى جمهورهم الذي يشتاقون إليه كثيرًا، لأن الإحساس بالحماس الذي ينبثق في أعماقهم عندما يواجهونه على المنصة لا يُمكن توصيفه.

في هذه اللحظة، تُصاب “سلين ديون” بنوبة الشخص المتيبّس

ولكن هذا الحماس في النهاية أصبح مصدرًا لمرضها؛ لأنها عندما تشعر به، تُصيبها نوبة مرضية. ومن هنا يتعين عليها التعامل بحذر شديد مع العديد من الأمور، من أجل الحفاظ على صحتها المتبقية.

جمال التفاصيل.. مستويات البوح السينمائي في الفيلم

نجحت المخرجة السينمائية “أيرين تايلور برودسكى” في هذا الفيلم في كسب ثقة “سيلين ديون” والإعجاب بها. وقد تجلى نجاح هذا الفيلم في شكله النهائي، وفي مدته الدرامية والزمنية (102 دقيقة)، وقام بإنتاج وثيقة سمعية بصرية شافية وكاملة عن إحدى أعظم مغنيات العصر الحديث. ذلك لمنع أي تأويل مستقبلي أو التوجه نحو الاحتمالات والأقاويل غير المؤكدة.

ويرجع هذا بشكل أساسي إلى أن المخرجة امرأة، مثل بطلة الفيلم “سيلين”، وكانتا قريبتان في العمر. وهذا العامل كان أساسيًا في تفتيح كل الحواجز المحتملة، لأن الانسجام كان حاضرًا بينهما، بينما إذا كان المخرج رجلاً، لكان مواجهًا للعديد من العقبات، وربما لم يكن هناك بوح أو تواصل روحي.

وانعكست ذكاء المخرجة في التركيز على جانب واحد من حياة “سيلين”، مع مراعاة بعض الجوانب الضرورية التي خدمت الفيلم. لذا، لم تُعدد نجاحاتها وقيمتها الفنية العالية بشكل مباشر، بل انصبت على اللحظات الرئيسية في حياتها التي صنعت فارقًا، وركزت على الجانب الإنساني وكيفية مواجهتها للمرض الذي أوقف أحلامها في مكان ما، وكيف تعاملت مع هذه الواقعة.

تلك التفاصيل الصغيرة صنعت جمال الفيلم ومنحته البعد الفني والسينمائي، من خلال التركيز على اللحظات الحاسمة في التسجيلات، والتقاط دقائق الفرح والألم والضحك ونوبات المرض وذكريات الماضي، وكلها زوايا خدمت فكرة الفيلم بشكل عام. وقد قدمت المخرجة نموذجًا حيًا لكيفية التكيف بشكل جيد مع متطلبات الصورة والموضوع، واستغلال كل جانب في خلق لغة سينمائية قوية.

وعلى الجانب الآخر، خلق ذلك بعدًا جماليًا متعددًا. هنا يتضح أن المخرجة لديها خبرة سينمائية قوية، ولديها بعد إنساني الذي أدركت من خلاله المحيط بها. لذا نجحت في إخراج فيلم وثائقي ينبض بالروح الإنسانية.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version