الأسباب خلف المعركة المحتدمة حول طاعة المرأة لزوجها
تتزايد القضايا التي تندلع حولها معارك لم تكن تُعتبر ذات أهمية في الماضي، ويصبح النقاش العام محمومًا حول موضوعات لم تكن تُعتبر وجودية من قبل. ومن بين هذه القضايا البارزة، تبرز بوضوح المعركة المرتبطة بطاعة المرأة لزوجها في الشريعة الإسلامية.
تتعدد الجوانب التي يتم مناقشتها في هذه المعارك، لكنها غالبًا ما تبتعد عن السياقات التاريخية والفكرية التي أدت إلى ظهور هذه القضايا. هذا يعني أن النقاشات تدور في حلقات مغلقة، مما يعيق فهمها بشكل كامل.
فهم الأسباب وراء هذه القضية هو جزء أساسي من التوصل إلى حلول فعالة. أحد أبرز الأسباب هو محاولة تفسير النصوص الشرعية وفقًا لمفهوم “المساواة المطلقة” في إطار الفكر الليبرالي.
المساواة وتأويلاتها
في ظل هيمنة الليبرالية الجديدة على الساحة السياسية العالمية، نجد أن قطاعًا غير يسير من المسلمين يتبنى مؤشرات هذا الفكر دون وعي. هذه الظاهرة تتجلى بشكل أكبر عندما تفقد المجتمعات هويتها الحضارية أو تعيش في حالة انبهار بالآخر، مما يؤدي إلى تعرضها لأفكار منحرفة تخالف مرجعياتها.
كما أشار ابن خلدون، فإن المغلوب يميل إلى الاعتقاد بأن الغالب يمتلك الحق، مما يعزز من فكرة ارتباط القوة بالحق. هذا يعني أن هناك ميلًا إلى تقليد الغالب في جميع مجالات حياته.
الفكرة الليبرالية السائدة اليوم تعتمد على مفهوم “المساواة المطلقة” بين الرجل والمرأة، ما ينجم عنه تفسيرات تتجاهل الفروق الطبيعية بين الجنسين.
هذه المواقف تدفع البعض إلى تأويل النصوص الشرعية المتعلقة بطاعة المرأة لزوجها وفقًا للرؤية الليبرالية، بعيدًا عن المعاني الأصلية للنصوص.
أما الرؤية الإسلامية للمساواة، فيوضحها المفكر علي عزت بيغوفيتش في كتابه “عوائق النهضة الإسلامية”، حيث يؤكد أن الإسلام يقر بوجود قيمة إنسانية متساوية بين الرجل والمرأة، ولكنه لا يذهب إلى تساوي الأدوار بشكل مطلق.
الاختلافات بين الرجل والمرأة طبيعية ولا تعني تحديد قيمة أو مرتبة، بل تجسد أهمية كل منهما ووظيفته في المجتمع.
تُحدد الواجبات التي يفرضها القرآن بشكل متساوٍ على كلا الجنسين، ولا توجد اختلافات فيما يتعلق بأداء أركان الإسلام.
قناعات أم أفهام؟
تتضارب المنهجيات في التعامل مع النصوص الشرعية؛ إذ نجد أن بعض الأفراد يتبعون منهجية “نقتنع ثم نستدل”، مما يؤدي إلى تشويه النصوص لإرضاء قناعاتهم المستمدة من الفكر الليبرالي.
هذه المنهجية تُركز على تقوية المعتقدات الفردية، ثم البحث عن أدلة تدعمها، مما يؤدي إلى استغلال النصوص الدينية لتبرير هذه القناعات.
على النقيض من ذلك، تتطلب المنهجية الصحيحة أن تكون الشريعة هي المرجع، بحيث تكون الأحكام والأفكار مبنية على النص، وليس العكس. وهذا يتطلب شجاعة عقلية للابتعاد عن الأفكار المسبقة إذا تعارضت مع النصوص.
القرآن الكريم يحث على أن تكون ميولنا الفكرية متماشية مع ما جاء به، كما جاء في سورة النساء: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ”، فإن الاحتكام إلى الشريعة هو السبيل لتسوية أي خلاف.
منهجية الاستنباط
إخضاع النصوص الشرعية المتعلقة بالمرأة، ولا سيما قضية طاعة المرأة لزوجها، للقناعات الفكرية المستوردة عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام، هو تجاوز لجوهر النصوص.
الأصل في التعامل مع النصوص الشرعية هو الاستنباط، كما يشير القرآن في سورة النساء، حيث يقول: “وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ”.
استخدام كلمة الاستنباط هنا يشير إلى استخراج المعاني من النصوص بطريقة تدل على الخبرة والمهارة. الأحكام يجب أن تنبثق من النص وليس العكس، ومن المهم أن يكون القائمون على الاستنباط على علم باللغة العربية وأدوات الاستنباط.
تأسيس هذه المنهجية في التعامل مع النصوص الشرعية سيحل العديد من القضايا ويخفف من حدة المناقشات حول طاعة المرأة لزوجها، وسنستمر في تناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في مقالات قادمة.
رابط المصدر