العنف في أمستردام يكشف التوترات في المجتمع الهولندي: “لا يمكن تحويلنا إلى أعداء”
### حالة من الفوضى في أمستردام
تسود حالة من الهدوء الهش في العاصمة الهولندية، التي لا تزال تتعافى من الاضطرابات التي اندلعت قبل أسبوع عندما تعرض مشجعو فريق كرة القدم الإسرائيلي لهجوم في وسط أمستردام. ووصف المسؤولون المحليون العنف بأنه “تركيبة سامة من معاداة السامية، وبلطجة، وغضب” بسبب الحرب في غزة وإسرائيل ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. وبينما يتم إزالة ملصقات مؤيدي نادي مكابي، لا يزال القلق ظاهرًا بشأن الأضرار التي لحقت بالعلاقات بين المجتمعات اليهودية والمسلمة في أمستردام.
### تداعيات على السياسة الهولندية
امتدت التوترات إلى الساحة السياسية الهولندية، حيث تركت الحكومة الائتلافية في هولندا معلقة بعد استقالة وزير صغیر من أصل مغربي بسبب اللغة المستخدمة من قبل زملائه في التحالف. كانت أمستردام قد شهدت بالفعل مظاهرات وتوترات بسبب الحرب في الشرق الأوسط، ويعتقد الحاخام المحلي لودي فان دي كامب أن الوضع كان كالقنبلة الموقوتة: “إذا وضعت 2000 مشجع [إسرائيلي] في الشارع، فأنت تعلم أنك في مشكلة”.
### أحداث العنف والمشاعر الطائفية
جاء مشجعو مكابي تل أبيب إلى المدينة لمباراة في دوري أوروبا ضد أياكس، وقد تم تداول مقاطع فيديو بشكل واسع في الليلة السابقة تُظهر مجموعة من المشجعين يتسلقون جدارًا لتمزيق وإحراق علم فلسطيني. وأفادت تقرير من مجلس أمستردام بأن سيارات الأجرة تعرضت أيضًا للهجوم والتخريب.
تقول إيمين أوجيه، كاتبة معروفة في المجتمع المسلم، إن التوترات المتعلقة بالحرب في غزة تعني أن العنف الناتج كان “قادمًا منذ زمن”. وأشارت إلى نقص الاعتراف بالألم الذي يشعر به المجتمعات المتضررة من صراع ترك كثيرين دون منفذ لمعاناتهم.
### مشاعر الخوف والانقسام
تعتبر حادثة إحراق العلم وترديد هتافات معادية للعرب استفزازًا متعمدًا، وبعد ذلك ظهرت رسائل تدعو إلى الانتقام على وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام مصطلحات مزعجة مثل “صيد اليهود”. وفي مساء مباراة دوري أوروبا، تم نقل مظاهرة مؤيدة لفلسطين بعيدًا عن ساحة يوهان كرويف، لكن الأحداث العنيفة اندلعت بعدها بساعات.
يصف تقرير من السلطات المحلية بعض مؤيدي مكابي بأنهم “ارتكبوا أفعال تخريب” في المدينة. ويبرز التقرير وجود “مجموعات صغيرة من المشاغبين… engaged in violent hit-and-run actions targeting Israeli supporters and nightlife crowd” عبر المدينة.
ووصفت عمدة أمستردام، فيمكي هالسما، الحوادث بأنها مثيرة للقلق، وذكرت أن بعض هذه الأحداث كانت تذكرهم بعمليات الاضطهاد التاريخية ضد اليهود. وعلى مدار بضع ساعات، شعر العديد من أفراد المجتمع اليهودي في عاصمة أوروبية وكأنهم محاصرون، وتزامنت هذه الأحداث مع ذكرى عمليات، تُعرف بـ”ليلة الكريستال”، التي استهدفت اليهود في 1938، مما زاد من مخاوف مجتمع أمستردام اليهودي، رغم مشاركة الشيوخ المحليين وأعضاء من المجتمع المسلم في إحياء الذكرى.
قامت شخصيات بارزة، مثل استير فويت، محررة الأسبوعية اليهودية الهولندية، بتنظيم ملاجئ طارئة وتنسيق جهود إنقاذ لمن يخشى على حياته.
### الحكومة الهولندية تستجيب لمواجهة معاداة السامية
استجابت الحكومة الهولندية مؤخراً بإعلان تخصيص 4.5 مليون يورو (3.6 مليون جنيه إسترليني) لمكافحة معاداة السامية ودعم الضحايا. وفي هذا السياق، أكد وزير العدل ديفيد فان ويل أن اليهود يجب أن يشعروا بالأمان في بلادهم، وتعهد بمعاقبة الجناة بصرامة.
### التحذيرات من عدم كفاية التدابير
بينما أشار رئيس اللجنة اليهودية المركزية، حنان هيرتزبيرجر، إلى أن هذه التدابير قد لا تكون كافية بمفردها. كما أعرب عن قلقه من المناخ العام الذي أدى إلى انتشار “الخطاب المعادي للسامية دون رادع منذ 7 أكتوبر”. وأكد قائلاً: “تاريخنا يعلمنا أنه عندما يقول الناس إنهم يريدون قتلك، فإنهم يعني ذلك، وسيسعون لتحقيقه”.
### الانقسام السياسي واللغة المثيرة للجدل
تسببت أعمال العنف وما أعقبها من أحداث في فضح الانقسامات السياسية، حيث صدمت بعض التصريحات الصادرة عن السياسيين المجتمع المغربي في هولندا. وقد دعا جيرت وايلدرز، زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، إلى ترحيل حاملي الجنسية المزدوجة المتورطين في معاداة السامية. كما وجه أصابع الاتهام إلى الشباب من ذوي الأصول المغربية أو شمال أفريقيا.
### ردود الفعل من المجتمع المغربي
عبرت تعليقيات من قبل عدد من الشخصيات الهولندية المغربية، مثل حسانه بوعزا، عن استيائها من أن مجتمعها يتعرض منذ سنوات للاتهامات بعدم الاندماج، والآن يتعرضون لتهديد بسحب جنسيتهم الهولندية. بدورها، قالت المؤرخة الهولندية المغربية نادية بوراس لصحيفة “هت بارول” إن استخدام مصطلح “الاندماج” بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في هولندا منذ أربعة أجيال يشبه “احتجازهم كرهائن”.
### استقالة وزيرة من الحكومة
استقالت الوزيرة الشابة لشؤون المساعدات، نورة عجبار، التي نشأت في المغرب ولكنها تربت في هولندا، بسبب ما وصفته بلغة عنصرية سمعتها خلال اجتماع حكومي بعد ثلاثة أيام من أعمال العنف في أمستردام.
### المخاوف من استغلال معاداة السامية لأجندات سياسية
أعرب الحاخام فان دي كامب عن قلقه من استغلال معاداة السامية لأغراض سياسية تعزز من أجندات معادية للإسلام. وحذر من تكرار المواقف الاستبعادية التي تذكرنا بعام 1930، مشيراً إلى أن مثل هذا الخطاب لا يهدد المجتمعات اليهودية فحسب، بل يعمق أيضاً الشكوك داخل المجتمع.## تأثير العنف على سكان أمستردام
تُعاني المجتمعات المسلمة واليهودية في أمستردام من تداعيات العنف المستمر في المدينة. العديد من اليهود قاموا بإزالة الميـزوحات، وهي لفائف صغيرة من التوراة، من أبواب منازلهم أو قاموا بتغطيتها بشريط لاصق خوفاً من الانتقام.
## مشاعر القلق بين المجتمعات
تُعبر إستر فويت عن الألم العاطفي الذي يشعر به مجتمعها، حيث قالت: “من المبالغة القول بأن هولندا الآن مثل الثلاثينيات من القرن الماضي، لكن يجب علينا الانتباه والتحدث عندما نرى شيئًا غير صحيح.” في المقابل، يشعر المسلمون بأنهم يتحملون مسؤولية أفعال أقلية صغيرة قبل حتى التعرف على الجناة.
## زيادة التهديدات للنساء المسلمات
تواجه الكاتبة إيمين أوجور، وهي امرأة مسلمة تُعبر عن آرائها، تهديدات متزايدة نتيجة لذلك. وتقول: “الناس يشعرون بالدافع.” كما تخشى على مستقبل ابنها في مجتمع منقسم حيث تتصلب خطوط الانقسام.
![صورة للشرطة الهولندية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ساحة دام](https://ichef.bbci.co.uk/news/480/cpsprodpb/f1f5/live/ce688210-a388-11ef-a4fe-a3e9a6c5d640.jpg.webp)
## دعوات للحوار والتسامح
طالب الأكاديميون وزعماء المجتمع بضرورة تخفيف حدة التوترات وتعزيز الفهم المتبادل. حيث أكد بارت واليت، أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة أمستردام، على أهمية استخدام مصطلحات دقيقة، محذرًا من مقارنة العنف الأخير بمذابح الماضي. يأمل والآخرون أن يكون العنف حدثًا معزولًا وليس علامة على تفاقم الانقسام العرقي.
## تأكيد على الأمان للجميع
عبرت عمدة أمستردام، فمكه هالسما، عن ضرورة عدم تبعيات معاداة السامية بأشكال أخرى من العنصرية، موضحةً أن أمان مجموعة واحدة يجب ألا يأتي على حساب مجموعة أخرى. هذا العنف جعل سكان أمستردام يعيدون النظر في هويتهم كمدينة متنوعة ومتسامحة.
## الحاجة إلى السلام والتفاهم
هناك اعتراف جماعي، في العاصمة الهولندية وما بعدها، بأن سكان المدينة، أثناء سعيهم لإعادة بناء الثقة، يجب أن يواجهوا التوترات التي أشعلت مثل هذا الاضطراب. وبينما يتذكر الحاخام فان دي كامب كلمات والدته: “يحق لنا أن نكون غاضبين جداً، لكن يجب ألا نكره.”، تبقى الحاجة إلى التسامح قائمة وسط هذه التحديات.