أنقرة ودمشق.. هل يجتمع الرئيسان وتنتهي القطيعة؟
إليكم السيناريوهات المتوقعة، والتفاصيل الدقيقة حول مسار عملية التطبيع ومستقبلها، وسط تحفيز تركي واشتراط سوري من أجل عودة العلاقات لطبيعتها مجددًا.
في ردّ غير مباشر على تصريحات الأسد أعلنت وزارة الدفاع التركية أن وجود قواتها في سوريا هو بهدف الدفاع عن النفس، وإزالة التهديدات الإرهابية، وقالت الوزارة في بيانها إن “عملياتنا تساهم بشكل كبير في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”
مرحلة ما قبل طاولة المفاوضات
لم تُحسم حتى الآن طبيعة الملفات التي ستوضع على طاولة أنقرة ودمشق في أول اللقاءات التي ستجمعهما في المرحلة المقبلة؛ وبينما يربط رئيس النظام السوري “بشار الأسد” النتائج بإحراز تقدم في مسألة “الانسحاب التركي” من الأراضي السورية، فإنه لا تلوح في الأفق أي بوادر تركية للاستجابة لهذا المطلب في الوقت الحالي.
وكان الأسد قد أبدى استعداده للانضمام إلى أي لقاء مع تركيا قبل أيام، لكنه أكد في تصريحات للصحفيين من دمشق على ضرورة إنهاء “جوهر المشكلة”، المتمثل حسب رأيه في مسألة “دعم الإرهاب والانسحاب من سوريا”.
وفي رد غير مباشر على تصريحات الأسد، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن وجود قواتها في سوريا هو بهدف الدفاع عن النفس، وإزالة التهديدات الإرهابية، وقالت الوزارة في بيانها إن “عملياتنا تساهم بشكل كبير في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، وجاء في البيان أيضًا أن تركيا عازمة على إنشاء ممر أمني بعمق 30-40 كيلومترًا على طول الحدود مع العراق وسوريا، وأكد البيان توجُّه البلاد في هذا الملف عبر عبارة جازمة تقول فيها: “سنواصل العمليات حتى تحييد آخر إرهابي”.
ربما تسعى بغداد إلى إيجاد أحد أشكال التواصل الإيجابي مع تركيا، وخفض تهديدها بالتدخل، خاصة مع تغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة في ظل حرب غزة، ومخاوف من تحوّلها إلى صراع إقليمي أوسع
الملف الشائك
من غير المتصور أن تتخلى تركيا عن وجودها العسكري في المستقبل القريب، حتى تحقق 3 أهداف رئيسية مرتبطة بسياساتها الحالية في سوريا. يتمثل الهدف الأول في معالجة هواجسها الأمنية تجاه “الوحدات الكردية المسلحة”، ويرتبط الهدف الثاني بإعادة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، أما الهدف الثالث والأخير فيرتكز على إيجاد حل سياسي للصراع السوري.
ومن خلال هذه الأهداف الثلاثة يظهر جليًّا أن الوجود التركي في سوريا فرضته متطلبات الأمن القومي، وأنه يشكل نقطة ارتكاز أساسية في السياسة التركية تجاه سوريا، وبالتالي ستبقى هناك حاجة لمواصلة الوجود التركي بالتزامن مع سير أنقرة على مسار التطبيع مع النظام في ذات الوقت.
وخلال دعوة أردوغان لعقد لقاء مع بشار الأسد في الأسابيع الأخيرة، كان يردد دائمًا خلال هذه الدعوات في سياق تصريحاته عن مسار التطبيع أن الهدف من التوجه لدمشق يصب في إطار إنهاء التهديد الذي تشكله الوحدات الكردية، وضمان عودة اللاجئين إلى بلادهم.
لكن على الجانب الآخر، لم يُبدِ الأسد أي بادرة أمل لعودة اللاجئين، ولم يعرب عن استعداده للانخراط بأي جهد مشترك مع تركيا، لإنهاء التهديد الذي تشكله قوات “قسد” المسلحة.
شريك جديد في عملية التطبيع
تبرز روسيا مجددًا كوسيط هام لإتمام عملية التطبيع عبر إجراء محادثات بين الدولتين، لكنْ ثمة شريك جديد ظهر في المفاوضات هذه المرّة، حيث عرض العراق – الذي تشترك حدوده مع تركيا وسوريا – القيام بدور وساطة، كما فعل سابقًا بين الخصمين الإقليميين: السعودية وإيران. ويبدو أن العراق ربما عرض الوساطة كأحد سبل تخفيف الضغط التركي على حزب العمال الكردستاني، الذي يشنّ تمردًا ضد تركيا منذ الثمانينيات حتى الآن، والذي تتواجد قواعد له في شمال العراق.
ويتضح أنه من خلال دفع التقارب مع سوريا، ربما تسعى بغداد إلى إيجاد أحد أشكال التواصل الإيجابي مع تركيا، وخفض تهديدها بالتدخل، خاصة مع تغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة في ظل حرب غزة، ومخاوف من تحوّلها إلى صراع إقليمي أوسع.
هل سينطلق الطرفان من هذا الاتفاق مجددًا لحل أزمة الحدود القائمة بين البلدين؟ وهل من المحتمل توسعة رقعة هذا الاتفاق ليشمل شن عمليات عسكرية عبر عمق أوسع؟
السوريون واتفاق أضنة
من خلال استقراء المستقبل واستشرافه فإنه لا يُستبعد في مرحلة انتقالية متقدمة من عملية التطبيع بين الدولتين أن يعترف أردوغان بسلطة الأسد في شمالي غربي سوريا، لكن مع شرط بقاء الأمن في يد أنقرة، على أن يكون الهدف النهائي إعادة اللاجئين السوريين من تركيا.
لكن المهمة الأصعب في هذه المسألة، تكمن في أن كثيرًا من المدنيين السوريين لن يرغبوا في العيش تحت حكم الأسد مجددًا، ويمكن أن يناصبوا حينها العداء لتركيا. ومن المؤشرات على ذلك أنه عند بروز مؤشرات تقارب بين الدولتين عام 2022، خرجت مظاهرات غاضبة من هذه الخطوة في عدة مناطق من إدلب، والأمر نفسه تكرر مجددًا خلال الوضع الراهن، حيث خرجت مظاهرات مماثلة- وإن كانت محدودة- خلال الشهر الحالي، رفضًا لـ”التطبيع” بين أنقرة ودمشق.
ويظهر تحدٍّ آخر هنا، وهو أن الوجود الأميركي سيجعل أي هجوم تشنه تركيا بتفويض من دمشق تجاه الأكراد خيارًا محفوفًا بالتحديات؛ لذلك فإن تفعيل “اتفاق أضنة” الموقَّع بين تركيا وسوريا يعتبر هو الأداة الوحيدة المتاحة حاليًا، لكونه يخوّل تركيا شنّ عمليات في سوريا على عمق 5 كيلومترات من الحدود إذا تعرّض أمنها القومي للخطر.
والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق قد أنهى عند توقيعه عام 1998 توترًا بين الدولتين، حين حشدت تركيا قواتها قرب الحدود؛ احتجاجًا على دعم قدمته دمشق لحزب العمال الكردستاني، ولطالما اتهمت دمشق أنقرة بخرق الاتفاق منذ بدء النزاع عام 2011.
فهل سينطلق الطرفان من هذا الاتفاق مجددًا لحل أزمة الحدود القائمة بين البلدين؟ وهل من المحتمل توسعة رقعة هذا الاتفاق ليشمل شن عمليات عسكرية عبر عمق أوسع؟ للإجابة عن هذا يتعين علينا الانتظار لمعرفة ما إن كان بالإمكان “إعادة صياغة” الاتفاق، خاصة بالتزامن مع سيطرة الأكراد المسلحين على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
غير واضح حتى الآن مدى تأثير نجاح ترامب في الانتخابات القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على الموقف التركي، خاصة في البؤر الملتهبة بالنسبة لها، والتي تشكل تهديدًا حقيقيًّا لأمنها القومي مثل سوريا والعراق
تأثير الانتخابات الأميركية
مع قرب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، واحتمال وصول إدارة جديدة إلى سدة الحكم، لا يُستبعد أن يكون التقدم نحو المصالحة بين الدولتين بمثابة تحسُّب لأي تحول محتمل في السياسة الأميركية تجاه سوريا.
كما أنه غير واضح حتى الآن مدى تأثير نجاح ترامب في الانتخابات القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على الموقف التركي، خاصة في البؤر الملتهبة بالنسبة لها، والتي تشكل تهديدًا حقيقيًّا لأمنها القومي مثل سوريا والعراق، في حين أنه أيضًا إذا فاز الديمقراطيون بالحكم مجددًا فإن دوافع تطبيع تركيا مع النظام السوري ستكون أكثر ضرورة، لأنها تخشى سياسات الإدارة الحالية، خاصة منهجية التعاطي لدى مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية المسلحة، سواء في سوريا أو العراق.
كلمة أخيرة
مستقبل العلاقات التركية السورية مرهون بقدرة الطرفين على تحقيق تفاهمات في الملفات الرئيسية للخلاف بينهما، وفي مقدمة ذلك التوافق حول آلية لانسحاب القوات التركيّة من الأراضي السورية، بالإضافة إلى طرق دمج أو حل الفصائل العسكرية المعارضة، وكذلك ضمان عدم حدوث ثغرات حدودية قد تفاقم من المخاوف الأمنية التركية، أو فراغ قد يدعم طموحات الأكراد بتدعيم الحكم الذاتي، ومع ذلك فإن قدرة الدولتين على تجاوز تلك التحديات، هي التي سترسم حجم العلاقة بينهما خلال الشهور المقبلة، في ظل تغيرات عالمية وإقليمية واسعة النطاق.