بعد خصومتها مع الغرب.. كيف تدير النيجر ثرواتها؟
وفي وسط الأعضاء العسكريين وآلاف المناصرين، برز الجنرال عبد الرحمن تياني الذي ألقى خطابًا أكد فيه أن “نهب ثروات البلاد كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الجيش لتحمل المسؤولية، وأن الأولوية الآن تكمن في تعزيز السيادة الاقتصادية عن طريق دعم التنمية المحلية وتقليل الاعتماد على القوى الأجنبية.”
على الرغم من مواردها الوفيرة من اليورانيوم التي تلبي 25% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي للطاقة النووية، إلا أن النيجر تُصنف كواحدة من أفقر الدول في العالم، حيث يعيش حوالي 44.5% من السكان في الفقر المدقع، حسب تقارير البنك الدولي.
ثروات هائلة
منذ عام 2012، أصبحت النيجر دولة منتجة للنفط، حيث بلغت إنتاجيتها 20 ألف برميل يوميًا. في عام 2019، أبرمت اتفاقًا مع شركة البترول الصينية لاستغلال حقل أغاديم الشمالي وإنتاج 110 آلاف برميل يوميًا، وتعهّدت الصين ببناء خط أنابيب لنقل النفط إلى ساحل بنين للتصدير.
وفي عام 2021، حققت النيجر طفرة ملحوظة في إنتاج الذهب، حيث بلغت صادراتها 2.7 مليار دولار مقارنةً بـ160 مليون دولار في 2011، مما جعلها من أسرع الدول نموًا في أفريقيا حيث سجّلت زيادة تقدر بـ11%.
إضافة إلى اليورانيوم والذهب، تمتلك النيجر احتياطيات هائلة من خام الحديد (9.2 مليارات طن) و1.25 مليار طن من خام الفوسفات، بالإضافة إلى 24 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج.
تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن القطاع الحيواني يُعتبر من أهم موارد الاقتصاد المحلي، حيث يعتمد أغلب السكان على تربية المواشي، التي تقدر بـ50.5 مليون رأس، ما يعادل نحو 7 مليارات دولار. كما تنتج النيجر حوالي 5 ملايين طن من المحاصيل الزراعية سنويًا.
فساد وفقر
رغم الثروات الكبيرة، إلا أن حوالي نصف السكان يعيشون في فقر مدقع، وذلك بسبب عجز الحكومة عن القيام بالتدخلات اللازمة في مجالات التنمية والخدمات العامة. النيجر تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية، حيث كان يعتمد 40% من الميزانية العامة على المساعدات الخارجية قبل انقلاب 26 يوليو/تموز 2023.
منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، كانت النيجر مرتبطة بعقود اقتصادية مع شركات فرنسية، حيث تعتبر هذه الشراكات بمثابة نهب لثروات البلاد. وتقارير عديدة تشير إلى أن فرنسا كانت تأخذ فيما مضى 5% فقط من عائدات استخراج اليورانيوم بالتنسيق مع الحكام العسكريين السابقين، وبعد ضغط شعبي في عام 2014 زادت الحصة إلى 15%.
في تقرير لمجلة “لوموند” الفرنسية، تم الإشارة إلى تهريب كميات كبيرة من الذهب خارج البلاد، حيث تم ضبط شحنة تزن 1400 كيلوغرام من الذهب (حوالي 91 مليون يورو) في مطار أديس أبابا خلال بداية العام الجاري. وأكدت منظمة الشفافية الدولية أن الفساد المرتبط بتهريب الموارد أصبح أمرًا شائعًا بين المسؤولين الحكوميين.
السيادة الاقتصادية
لكن بعد الانقلاب الذي تولى فيه العسكريون السلطة عام 2023 وأوقفوا التعاون العسكري مع فرنسا والولايات المتحدة، أعلنوا عزمهم تحقيق سيادة اقتصادية من خلال إنشاء شركات محلية أو التعاون مع شركات غير فرنسية.
وفي خطاب بمناسبة مرور عام على الانقلاب، أكد الجنرال عبد الرحمن تياني أن ثروات البلاد كانت مهددة بالنهب من قبل الأنظمة التي تسير في فلك القوى الاستعمارية السابقة، مما دفع العسكريين لإعادة ضبط الوضع.
شدد تياني على أن الحكومة ستعطي الأولوية للشركات المحلية في قطاعات التعدين والنفط لتعزيز السيادة الاقتصادية وتفعيل “مبدأ المحتوى المحلي”. وفي يونيو/حزيران، ألغت الحكومة العسكرية رخصة شركة “أورانو” الفرنسية المتعلقة بمناجم اليورانيوم.
وفي الوقت ذاته، أعلنت الشركة عن خسائر مالية قدرها 133 مليون يورو بسبب الأزمات مع فرنسا، واعتبرت أن قرار سحب رخصتها غير قانوني.
كما ذكر تياني أن النظام العسكري يخطط لتدشين مشروع مصفاة جديدة للنفط ومجمع للبتروكيميائيات في إقليم دوسو، كما تم بدء أعمال مصنع للحديد الخرساني بتكلفة بلغت حوالي 2.9 مليون دولار، تحت إشراف شركة “نيجر ستيل” الوطنية.
الاعتماد على الموارد
في عام 2024، اعتمدت النيجر على مواردها المحلية في إعداد الميزانية العامة، والتي بلغت 2653 مليار فرنك أفريقي (حوالي 4.4 مليارات يورو)، مخصصًا 57% منها لتنمية المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها بلا مساعدات خارجية.
نياغي كانت تتلقى دعمًا ماليًا من المانحين يشكل 40% من الميزانية العامة، بعد الانقلاب علقت معظم الدول مساعداتها، مما دفع القادة إلى إعداد ميزانية 2024 دون المساعدات المتوقعة.
أفاد عبد الله ولد أواه، الخبير المالي ومستشار وزير الاقتصاد الموريتاني، بأنه من الممكن أن تصمد النيجر من خلال الاعتماد على مواردها إذا اتبعت ثقافة التقشف وركزت على استثمار الأموال في التنمية.
مؤخراً، بدأت النيجر بتصدير نفطها من حقل أغاديم إلى ميناء سيمي كبودجي في بنين، ووافقت الحكومة على قرض بقيمة 400 مليون دولار من الصين لدعم ميزانيتها العامة على أن يتم سداده بعد تصدير النفط.
تسعى النيجر، بالتعاون مع بوركينا فاسو ومالي، التي تشكلت فيها كونفدرالية جديدة لبلدان الساحل، إلى فك الارتباط النقدي مع باريس، حيث يُشترط على الدول التي تستخدم الفرنك الأفريقي الاحتفاظ بـ85% من احتياطاتها لدى البنك المركزي الفرنسي.
شركاء جدد
في إطار سعيها لإعادة تنشيط الاقتصاد والبحث عن شركاء جدد لاستخراج الموارد، تعمل النيجر على تعزيز الاستثمارات المحلية وفقًا لمبدأ المحتوى المحلي الذي يعد به قادة الانقلاب.
في بداية العام الجاري، قام رئيس الوزراء علي محمد الأمين زين بزيارة لتركيا وإيران، مما أثمر عن زيارات متكررة من المسؤولين الأتراك إلى نيامي لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري.
في يوليو/تموز، زار وفد تركي برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان النيجر بهدف إبرام صفقات اقتصادية وعسكرية، حيث أبدى علي زين استعداد بلاده لتقديم التسهيلات اللازمة للشركات التركية الراغبة في الاستثمار.
نحو الابتعاد عن فرنسا، اتفقت النيجر وتشاد على بناء خط أنابيب لتصدير النفط عبر ميناء الكاميرون كبديل ميناء سيمي كبودجي، الذي يتهم المجلس العسكري حكومته بالتحالف مع باريس.
كما شهدت الأسابيع الأخيرة تبادل الزيارات بين مسؤولي النيجر والجزائر، مما أدى إلى تحسين العلاقات بين البلدين.
في 9 أغسطس/آب، تم الاتفاق بين الجزائر والنيجر على استئناف العمل في خط أنابيب الغاز الذي يربط نيجيريا بالجزائر، وتحملت الحكومة الجزائرية تكاليف المشروع، بينما عادت شركة سوناطراك الجزائرية للعمل في نيامي.
في 13 أغسطس، قام رئيس الحكومة النيجرية بزيارة الجزائر مع وفد رفيع يضم أعضاء من المجلس العسكري، في إشارة إلى رغبة نيامي في تعزيز وجودها في منطقة الساحل واكتساب شركاء اقتصاديين يتبنون سياسات مناهضة لفرنسا.
قال رواد في مجال الاقتصاد إن المجلس العسكري في النيجر يسعى لدعم الشركات الموالية لحلفائه الجدد والخروج من تبعية باريس. في الوقت نفسه، ينشغل المجلس بالتركيز على فك الارتباط العسكري والأمني مع فرنسا والغرب، الأمر الذي أثر على مسار العمل الاقتصادي لكنه يستفيد من عائدات النفط المتوقعة.
رابط المصدر