اكتشاف العلماء لقدرات معرفية مدهشة للفراشات

By العربية الآن

فراشات الهيليكونيوس تُظهر قدرات معرفية مذهلة

تغذي فراشات "الهيليكونيوس" على كل من الرحيق وحبوب اللقاح (بيكسابي)
ركزت الدراسة على فراشات “الهيليكونيوس”، وهي النوع الوحيد المعروف بتغذيها على كل من الرحيق وحبوب اللقاح (بيكسابي)

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة “كرنت بيولوجي” بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول أن نوعاً مميزاً من الفراشات الاستوائية يمتلك دماغاً متوسعاً وهياكل عصبية فريدة ترتبط بقدرات معرفية متطورة.

دراسة الفراشات وتأثيرها المعرفي

التركيز على فراشات “الهيليكونيوس”، النوع الوحيد المعروف بتغذيته على كل من الرحيق وحبوب اللقاح، يتطلب منها امتلاك مهارات تعلم متقدمة وقدرة على تذكر معلومات حول مصادر الغذاء.

أوضح ماكس فارنورث، الباحث الرئيسي من كلية العلوم البيولوجية في جامعة بريستول، أهمية هذه الدراسة بقوله: “نُركز على الأساس العصبي للابتكار السلوكي لدى فراشات الهيليكونيوس لفهم كيفية حدوث هذا الابتكار. هذه السلوكيات، مثل التغذي على حبوب اللقاح، تحفزها وتنفذها عمليات الدماغ.”

قدرات التعلم وذكر المسارات الغذائية

تستطيع هذه الفراشات تعلم أفضل المسارات للوصول إلى غذائها، وهي صفة نادرة في عالم الحشرات. يعود السبب وراء هذه القدرة إلى التوسع الملحوظ في جزء من الدماغ يعرف بـ “أجسام الفطر”، والذي يرتبط بمهارات التعلم والذاكرة.

تعني المسارات المثلى تحديد طرق ثابتة لجمع الغذاء، مما يعكس قدرة الفراشة على التخطيط وتذكر المسارات بين النباتات، وهي عملية تتطلب تعقيداً في العمل من الخلايا العصبية.

الدماغ الفسيفسائي لفراشات “الهيليكونيوس” (ماكس فارنورث)

أجسام الفطر ودورها في التعلم

يقول فارنورث: “نركز على أجسام الفطر، التي تشكل مراكز التعلم والذاكرة في دماغ الحشرات، وهي مسؤولة عن مختلف العمليات الإدراكية. من خلال دراسة تطورها، ساهمنا في فهم كيفية تطور الإدراك.”

تُعتبر “أجسام الفطر” هياكل رئيسية في دماغ المفصليات، بما في ذلك الحشرات، وتلعب دوراً مهماً في التعلم والذاكرة، خاصة المتعلقة بحاسة الشم. استخدم الفريق تقنية متطورة لتحليل الأنسجة العصبية في أدمغة الفراشات لتحديد كيفية توسع الدوائر المرتبطة بالتعلم والذاكرة.

استخدام تقنيات متقدمة في البحث

استفاد الباحثون من أدوات متطورة مثل المجهر البؤري وتقنيات الكيمياء المناعية لدراسة أدمغة فراشات الهيليكونيوس. من خلال هذه التقنيات، تتبع الفريق التغيرات في الدوائر العصبية، وخاصة في الخلايا العصبية المعروفة باسم “خلايا كينيون”، التي لها دور حاسم في عمليات التعلم والذاكرة.

تتطلب هذه الفراشات قدرات تعلم متقدمة لكونها تغذي على الرحيق وحبوب اللقاح (ماكس فارنورث)

دراسة جديدة تفصح عن تغيير الدوائر العصبية في الفراشات

تساهم دراسة جديدة في تعزيز فهم كيفية تطور الدوائر العصبية لدعم الابتكار المعرفي. وقد أشار الباحثون إلى أن هذه التغييرات في الدوائر العصبية قد تساعد في تفسير كيفية قدرة الكائنات على تطوير مهارات معرفية جديدة استجابةً لضغوط بيئية محددة. وعلى الرغم من أن التركيز كان على الفراشات، فإن هذه النتائج قد تكون ذات صلة بالكائنات الأخرى، بما في ذلك البشر.

فكرة “تطور الدماغ الفسيفسائي”

أحد المفاهيم الأساسية التي تم تقديمها في الدراسة هو مفهوم “تطور الدماغ الفسيفسائي”، والذي يعني توسع أجزاء من الدماغ بينما تبقى أجزاء أخرى دون تغيير. يشبه هذا التوسع الفسيفساء، حيث تختلف القطع في الحجم والشكل، ولكنها تساهم في تشكيل صورة كاملة.

ظهر هذا المصطلح لأول مرة في ورقة بحثية مشهورة كتبها روبرت بارتون وبول هارفي عام 2000، حيث وصف الباحثان اختلاف مناطق الدماغ بشكل مستقل في استجابتها للضغوط البيئية.

نتائج مثيرة للاهتمام

يقول فارنورث: “الدماغ لا يستجيب بزيادة جميع مناطقه بشكل متساوٍ، بل تتفاعل مناطق محددة مع الضغوط المطبقة على النظام”. وأضاف: “يقدم تحليلنا معلومات قيمة، حيث نظهر أن الفسيفساء يمكن أن تحدث أيضاً في سلالات متوازية من الخلايا العصبية، وهو ما كان مفاجئاً لنا”.

تشير نتائج الدراسة إلى أن هناك اختلافات في توسع الخلايا العصبية بين الأنواع، مما أدى إلى ظهور هذا النمط الفسيفسائي. يبدو أن التغيرات الملاحظة في خلايا معينة تشير إلى أن هذه الأنواع من الفراشات قد طورت مهارات تعلم مرتبطة بشكل مباشر بالذاكرة البصرية والتعرف على الأنماط.

استكشاف مستقبلي للدوائر العصبية

يشير فارنورث إلى أن “الدراسة الحالية واهتماماتنا ليست في نطاق العلوم التطبيقية، لكن دراسة الدوائر العصبية في أنظمة مثل الحشرات يمكن أن تولد رؤى قابلة للتطبيق على دوائر عصبية أخرى، مثل تلك الخاصة بالبشر”. وأوضح أن “لدينا فرصة لاكتشاف آليات تنموية وجينية مرتبطة بالأمراض التنكسية العصبية”.

وفيما يتعلق بالخطوات المستقبلية، يعتزم الفريق البحث في دوائر عصبية جديدة في دماغ الفراشة وزيادة دقة الخرائط العصبية باستخدام تقنيات متقدمة مثل تسلسل الخلية الواحدة. الهدف هو فهم كيفية تفاعل الخلايا العصبية الفردية على مستوى أعمق.

يختتم فارنورث بالقول: “خططنا المستقبلية تشمل فروعاً متعددة من البحث. نحن نهدف إلى زيادة دقة ما نلاحظه باستخدام تقنيات أكثر تقدماً، بالإضافة إلى تقصي الأسس الجينية والتنموية للدوائر العصبية المرتبطة بالتغييرات السلوكية. نريد أن نفهم بوضوح أكبر الروابط بين الجينات والسلوك، وربط التطور بالإدراك”.

المصدر: الجزيرة

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version