التحديات والخطابات الترويجية للسيادة الاقتصادية في موريتانيا

By العربية الآن

السيادة الاقتصادية في موريتانيا: التحديات وخطاب الترويج

Mauritania Realistic Flag – Stock Market Numbers and Zigzag Arrow - Economic Grow Concept, 3D Illustration
استقلالية الدولة في إدارة مواردها الاقتصادية دون تدخل خارجي يمس بمصالحها هو جوهر السيادة الاقتصادية (شترستوك)

تعبر السيادة الاقتصادية عن قدرة الدولة على التحكم بشكل مستقل في سياساتها الاقتصادية واتخاذ القرارات التي تعود بالنفع على مواطنيها دون تدخلات خارجية. وفي حالة موريتانيا، تتجلى أهمية هذا المفهوم في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد، وانعدام الصناعة المحلية، بالإضافة إلى نقص الوعي الاقتصادي بين المواطنين.

في هذا المقال، سأستعرض مفهوم السيادة الاقتصادية من خلال عدسة الواقع الموريتاني، مع طرح نقدي للتحديات والفرص المتاحة.

تعتمد موريتانيا بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية، من المواد الغذائية إلى المنتجات الصناعية، مما يكشف عن غياب الصناعة المحلية القادرة على تلبية احتياجات السوق، ما يبرز الدور الضئيل للمصانع المحليّة ونقص الاستراتيجيات الداعمة للتصنيع.

تحديد مفهوم السيادة الاقتصادية في موريتانيا

يتعلق جوهر السيادة الاقتصادية باستقلال الدولة في إدارة مواردها دون تأثير خارجي يضر بمصالحها. ومع ذلك، يظهر هذا المفهوم بشكل غامض في موريتانيا بسبب هيمنة الأنشطة الاقتصادية الخارجية.

إن الموارد الطبيعية، التي تمثل ثروة كبيرة، تُستغل من قبل مستثمرين أجانب يفضلون تصدير المواد الخام إلى مصانع خارجية بدلاً من إقامة مصانع محلية، مما يحرم الاقتصاد الموريتاني من فرص تطوير قاعدة صناعية قوية تدعم الوظائف والإنتاج الوطني.

الاعتماد على الاستيراد وإهمال التصنيع

تعتمد موريتانيا بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية، وهذا يؤدي إلى غياب صناعة محلية كفيلة بتلبية احتياجات السوق. واستمرار اعتماد البلد على الخارج يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية مثل ارتفاع أسعار الواردات أو تأخير الشحنات.

يمثل وضع استراتيجيات جديدة تركز على التصنيع المحلي خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص العمل. على سبيل المثال، يمكن لتطوير تصنيع المنتجات الزراعية محليًا أن يغير موريتانيا من دولة مستوردة إلى مصدر، بفضل أراضيها الصالحة للزراعة والمصادر المائية المتاحة.

يعتبر جذب الاستثمار الأجنبي ضروريًا لتطوير الاقتصاد، لكن التحديات تظهر في شروط هذا الاستثمار، حيث تُمنح العديد من الامتيازات دون فرض شروط تضمن المساهمة الفعلية في التنمية المحلية.

ضعف الوعي الاقتصادي لدى المواطنين

يتجلى ضعف الوعي الاقتصادي بين المواطنين كمشكلة إضافية تؤثر سلبًا على السيادة الاقتصادية في موريتانيا. فمع عدم إدراك المجتمع لأهمية التصنيع المحلي والاستدامة الاقتصادية، يتعذر عليه مشاركة فعالة في عملية اتخاذ القرار وتطوير سياسات فعالة لدعم السيادة الاقتصادية.

## نقص الوعي الثقافي الاقتصادي

يعاني المواطن الموريتاني العادي من نقص في الثقافة الاقتصادية، مما يعيق فهمه لما يحدث حوله في السياق الاقتصادي. كما أن الجهات المعنية لا تبذل الجهود الكافية لتبسيط المفاهيم الاقتصادية وتقديمها للمواطنين، مما يجعلهم غير مدركين للتحديات الاقتصادية التي تواجه بلادهم ومستقبلهم المعيشي.

## تأثير نقص الثقافة الاقتصادية

من النتائج السلبية لهذا النقص أنه يسهل تمرير سياسات قد لا تصب في مصلحة المواطن، ويبقيه بعيدًا عن المشاركة في النقاش حول السياسات الاقتصادية. فلو كان المواطن مطلعًا على كيفية تأثير تصدير المواد الخام دون تصنيعها محليًا، لكان قادرًا على المطالبة بسياسات تشجع المستثمرين على إنشاء مصانع في البلاد بدلاً من استنزاف الموارد الطبيعية فقط.

## الخطاب الترويجي لجذب المستثمرين

تسعى السلطات المحلية إلى جذب المستثمرين الأجانب وغالبًا ما يتم الترويج لفكرة أن الوضع الاقتصادي مستقر. رغم أن جذب الاستثمارات الأجنبية يعد ضرورياً لتنمية الاقتصاد، إلا أن التحدي يكمن في شروط هذا الاستثمار. في كثير من الأحيان، تُمنح امتيازات كبيرة للمستثمرين دون فرض شروط تضمن مساهمتهم الفعلية في التنمية المحلية، مثل إنشاء المصانع وتوظيف الأيدى العاملة.

## المشكلة الحقيقية في الاستثمارات الأجنبية

المشكلة ليست في وجود الاستثمارات الأجنبية بحد ذاتها، بل في كيفية استغلالها. فإذا كان تركيز المستثمر على استخراج المواد الخام فقط، فإن الفائدة الاقتصادية الحقيقية تفقد، بينما يعاني المواطن من البطالة وضعف البنية التحتية.

> يجب أن يُفهم أن السيادة الاقتصادية ليست مجرد شعار، بل هي ضرورة لبناء اقتصاد قوي ومستدام يُحسن من حياة المواطنين.

## سبل تحقيق السيادة الاقتصادية

لتحقيق السيادة الاقتصادية في موريتانيا، ينبغي اتباع سياسات شاملة وطموحة تشمل التالي:

– **إنشاء مصانع محلية:** يجب أن تكون الأولوية لإنشاء مصانع وطنية تعزز من قيمة المواد الخام قبل تصديرها، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل ويُحسن الميزان التجاري.

– **رفع الوعي الاقتصادي:** يجب أن تعمل الحكومة والمؤسسات التعليمية والإعلامية على نشر الثقافة الاقتصادية بين المواطنين، موضحة أهمية الإنتاج المحلي وتأثير السياسات الاقتصادية على حياة الناس.

– **رقابة وتوجيه الاستثمار الأجنبي:** بدلاً من منح المستثمرين الحرية المطلقة في استغلال الموارد، يجب فرض قوانين تُلزمهم بالمساهمة في إنشاء البنية التحتية المحلية.

– **تعزيز الزراعة وصيد الأسماك:** تمتلك موريتانيا ثروات طبيعية هائلة يمكن استغلالها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء.

في ختام الأمر، يجب أن نفهم أن السيادة الاقتصادية ليست مجرد شعار، بل ضرورة لتحقيق اقتصاد قوي ومستدام يؤثر إيجابيًا على حياة المواطنين. لتحقيق ذلك، يتعين مواجهة التحديات المرتبطة بالتبعية للاستيراد وغياب التصنيع وضعف الوعي الاقتصادي، مع اتباع سياسات مدروسة وشراكات استراتيجية قائمة على مصلحة البلاد. وهذا سيمكن موريتانيا من تحقيق استقلالها الاقتصادي وبناء مستقبل أكثر ازدهارًا لمواطنيها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version