تتواصل الأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط وسط غياب استراتيجية أميركية واضحة. وقد اعتبر العديد أن إدارة جو بايدن تأخرت في اتخاذ خطوات فعالة نتيجة انشغالها بملفات أخرى. في ظل موسم انتخابات تنافسية يتعين فيه اتخاذ قرارات حذرة، يبرز تأثير هذه الأوضاع على آراء الناخبين الأميركيين.
يستعرض برنامج تقرير واشنطن، الذي يعد ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والعلاقات الأميركية – الإسرائيلية في نور التصعيد الحاصل، وكيف يمكن أن يؤثر الموسم الانتخابي على توضيح السياسات المستقبلية.
تداعيات الهجوم في 7 أكتوبر
يرى ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية السابق، أن المشهد في الشرق الأوسط قد تغير بشكل جذري منذ الهجوم الذي نفذته «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر. وأشار إلى أن إسرائيل تستعد لمنع إيران من الاستمرار في دورها كمصدر للعنف في المنطقة.
وفي سياق متصل، انتقد براين كتوليس، خبير في معهد الشرق الأوسط، سياسة بايدن في الشرق الأوسط، معتبراً أنها لم تحقق النجاح المرجو. ورأى أن الإدارة لم تستطع تحقيق هدفها المتمثل في تجنب تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية، واعتبر أن هناك ضعفاً في الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران.
على الجانب الآخر، يعارض جون ألترمان، مسؤول سابق في وزارة الخارجية، فكرة عدم وجود استراتيجية لدى الإدارة الحالية. وأوضح أن الولايات المتحدة كانت تعتمد على التدخل العسكري فقط، وليس على الحلول الاقتصادية أو الدبلوماسية، مما زاد من الضغوط العسكرية عليها.
أما هيل، فقد أشار إلى “اختلاف” في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، قائلاً إنه ينبغي على الإدارة الجديدة أن تبدأ بوضع استراتيجية شاملة تعالج التحديات تجاه إيران وما يترتب عليها من آثار إقليمية.
البرنامج النووي الإيراني وآثاره
أشار كتوليس إلى تغيير واضح في لهجة كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، التي وصفت إيران بـ”الخطر الأكبر” على الولايات المتحدة، مما يدل على إدراك الديمقراطيين لتهديداتها. وأكد أن القضية لا تتعلق فقط بهجمات إيران على إسرائيل، بل بدعمها لروسيا في أوكرانيا أيضاً.
كما شدد على أهمية الحوار بين الإدارة المقبلة وحلفائها العرب، خاصة في القضايا المرتبطة بإيران وفلسطين. واعتبر أن تقلبات السياسة الأميركية أدت إلى فشل الاستراتيجيات السابقة في التأثير على إيران.
ورغم تصعيد الأزمة، يرى هيل أن “إسرائيل” تتيح للولايات المتحدة فرصة لإثبات أن إيران عاجزة عن القيام بهجمات جوية عبر ضبط الأمن الإقليمي. وهذا يتطلب تكثيف الضغط لدفع إيران لتغيير استراتيجياتها.
العلاقات الأميركية الإسرائيلية في ظل الأزمة
في سياق التوتر بين بايدن ونتنياهو، أشار ألترمان إلى أن العلاقة بينهما تتجه نحو التوتر المتزايد. فقد ساعدت حكومة نتنياهو في تحويل قضية إسرائيل من توافق بين الحزبين إلى نقطة خلاف، مع تزايد الانتقاد من قبل الديمقراطيين وتحريك دعم الجمهوريين للسياسات الإسرائيلية المستندة على اليمين.
ورأى ألترمان أن هذه الديناميات والجذور السياسية تعود إلى تسعينيات القرن الماضي حين سعى نتنياهو لاستقطاب المحافظين المسيحيين لخدمة مصالح إسرائيل، مما أدى إلى تأثيرات سلبية على العلاقات مع المجتمعات الليبرالية التقليدية.
تعكس تصريحات هيل المخاوف العميقة تجاه حكومة نتنياهو، حيث يرى أن سياساته لم تتغير كثيراً على مر السنين. ويشير إلى أن “جوهر السياسة الإسرائيلية أصبح يمينياً متطرفاً ليس نتيجة نتنياهو حصراً، بل يعود إلى التحولات الديموغرافية والتغيرات المجتمعية التي طرأت على عقلية الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر”. ولفت هيل إلى أن “الاعتقاد بأن رئيس وزراء آخر قد يتصرف بشكل مختلف هو خطأ في فهم طبيعة هذا التغيير العميق؛ فالإسرائيليون لن يستمعوا لأي رئيس أمريكي ما لم يتابعوا رؤى واقعية تعزز الأمن الإسرائيلي بخلاف الحلول العسكرية”.
استراتيجيات خفض التصعيد وإعادة البناء
يشدد كتوليس على عدم وجود حلول سريعة لخفض التوترات، مشيراً إلى أن الخطوة الوحيدة التي يجب على إدارة بايدن اتخاذها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة هي “تعزيز العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط بدل الانسحاب”. ويظهر كتوليس بعض القلق من دعوات الانسحاب التي سمعها في واشنطن، حيث أن بايدن اتخذ خطوات مماثلة في أفغانستان مما أدى إلى نتائج غير محمودة.
وحذر كتوليس من ضرورة “مضاعفة الالتزام بدلاً من التراجع”، مشدداً على أن هذا يتطلب سنوات طويلة بعد انتهاء النزاعات الحالية، مع التركيز على إعادة إعمار لبنان وتأسيس دولة فلسطينية في النهاية، وهو جزء من المعادلة المستقبلية التي ستستغرق وقتاً طويلاً أكثر مما فعلته إدارات سابقة.
أما ألترمان، فقد عبّر عن تشاؤمه حيال الوضع الحالي، مشيراً إلى أن الإسرائيليين لم يصلوا بعد إلى “مفهوم واضح للنصر”. وأوضح أن الاستمرار في “إذلال الخصوم” ليس نهجاً ينهي النزاع، بل يعيدهم إلى دوامة الحرب، مضيفاً أن إسرائيل ستجد صعوبة في تحديد ما يكفي لتحقيق السلام.
وشدد ألترمان على أهمية الدعم الدولي، محذراً من أن الموقف الإسرائيلي غير العقلاني وتجاهل الانتقادات الدولية لن يكون له تأثير إيجابي على المصالح الإسرائيلية، حيث يتطلب الأمر الاستعانة بالآخرين لتفادي الفوضى المستقبلية، وإلا ستجد إسرائيل نفسها بعد 10 أو 15 عاماً في وضع مشابه.