الثورة العُرابية.. هل كان فشلها مُحتّمًا؟
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–blog-content” aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>
دخل الجيش الإنجليزي القاهرة في صباح يوم الجمعة 15 سبتمبر 1882، بعد أن سلم أحمد عرابي نفسه كأسير حرب، ليقوم محمد سلطان باشا بحملة اعتقالات شملت جميع المشاركين في الثورة، من ضباط وأعيان وعلماء. كما تم تسليم كافة مواقع الدفاع التي أعدها عرابي خلال النضال، بدايةً من كفر الدوار حتى دمياط وأبو قير.
الاستسلام وتأثيره على مصر
كان لاستسلام عرابي آثار واضحة على الشعب المصري، حيث خضعت القاهرة ومدن الدلتا دون أي مقاومة. وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه، شهد ميدان عابدين استعراضًا لجيوش الإنجليز من قبل الخديوي توفيق، الذي كان قد شهد، قبل عام، مظاهرة عرابي المناهضة.
كان الوضع المعنوي للجنود في أدنى مستوياته، وهو ما كان متوقعًا بعد الهزيمة في معركة التل الكبير. إلا أن القائد يجب عليه أن يتبنى فكرة أن الحرب ليست النهاية وأن المقاومة واجبة طالما لديه القدرة.
كان من الغريب أن تقع القاهرة بهذه السهولة بعد كل تلك المعارك الدموية، علماً أنه كان بإمكان عرابي أن يستمر في المقاومة لفترة أطول بعد هزيمته. كان بإمكانه أيضًا أن يأمر الجنود بالتراجع إلى القاهرة لتنظيم دفاعاتهم.
انخفض حماس المقاومة بين المصريين بعد استسلامه، وبدوا وكأنهم قبلوا ما تقبله قائدهم. ولكن هل كان يمكنهم تجنب هذا المصير؟ هل كان لديهم خطة لاستمرار مقاومتهم؟
الثورة المهدية في السودان
في 26 يناير 1885، استعد محمد أحمد المهدي وجنوده لاقتحام قصر الحاكم البريطاني بعد حصار طويل لمدينة الخرطوم. وقد أوصى المهدي ثواره بعدم قتل الحاكم الإنجليزي، غير أن هذه الأوامر لم تُنفذ، مما أدى في النهاية إلى مقتله.
كان هذا الأمر مفاجئًا نظرًا لمكانة الجنرال جوردون في الجيش الإنجليزي، وقد أعطت هذه الحادثة الدلالة على أهمية بديل عرابي، الذي كان أيضًا منفيًا في سريلانكا وكان من الممكن أن يلهم المقاومة في السودان.
السيناريو المحتمل
كان يعتريني القلق من سؤال: ماذا لو تراجع عرابي بجنوده إلى السودان بعد الهزيمة وجمعهم مع الثوار هناك؟ كيف كانت تتغير الأحداث لو توحدت الجهود ضد العدو المشترك، خاصةً وأن التاريخ كان يسير على اتجاهين متوازيين من المقاومة في مصر والسودان؟
لكن عرابي لم يكن قادرًا على توقع الأحداث المستقبلية أو اتخاذ هذا القرار الجريء.
الخيارات الضائعة
حصل عرابي على تحذيرات واقتراحات من محمود سامي باشا، الذي اقترح إغراق منطقة القليوبية والشرقية لوقف تقدم الجيش الإنجليزي. ومع ذلك، رغم الظروف الصعبة، قرر عرابي عدم الامتثال لهذا الاقتراح.
هل كانت تكاليف فقدان الحريات في مصر نتيجة لتفويت الفرص هي ما أعطى الفرصة للاحتلال الإنجليزي بالتغلغل لعقود في البلاد؟
لم تكن نصيحة محمود سامي هي الوحيدة في رفع من عزيمة عرابي، فكان هناك أمثلة تاريخية على الانسحابات الاستراتيجية، مثل انسحاب مراد بك بعد هزيمته. ولكنه في المقابل، فضل بدلاً من ذلك إرسال وفد إلى الخديوي لطلب وقف القتال، مما أخر المقاومة.
الدروس المستفادة
تظهر الأحداث دروسًا هامة، منها أن الاعتماد على ردود أفعال المحتل أو الاستبداد يجعل المقاومة أكثر صعوبة مع مرور الوقت. إذ تضعف التوترات الاجتماعية وترتفع حالة الاستسلام.
على العكس من الحملة الفرنسية، التي أدى مقاومتها القوية إلى مقاومة شديدة، كانت الحملة الإنجليزية تهدف لوضع الأسس للاستسلام وغياب القوى المقاومة. وقد كانت تلك العوامل هي أساس نجاح الاحتلال الإنجليزي في إخماد ثورة عرابي.
برغم الأخطاء العديدة، يبقى عرابي رمزًا شعبيًا وجزءًا لا يتجزأ من تاريخ مصر. فقد أثبت التاريخ أن التضحيات التي قدمها الشعب من أجل التحرر كانت كبيرة، لكن الروح الوطنية لا تزال قوية، تلهم الأجيال المتعاقبة.