الحروب دائمًا سياسية… واستراتيجية سيئة تعمق المشكلة

By العربية الآن

الحروب: بين السياسة والاستراتيجية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، الفيلسوف الأبرز في مجال الحرب في الغرب، بقوله إن الحرب هي امتداد للسياسة، وأكد أن الحرب تتشكل من السياسة، مما يجعل تأثيرها واضحاً في تفاصيل العمليات العسكرية.

الوضع الراهن في الشرق الأوسط

تجلى هذا التأثير بصورة واضحة في الأحداث المعاصرة في الشرق الأوسط، حيث يُلاحظ أن محاولات إنقاذ الرهائن والاغتيالات السياسية تتأسس على عوامل سياسية، بالإضافة إلى الرغبة في إنهاء النزاعات بشكل سريع. على الجانب الآخر، فإن إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي لم تسبب أضراراً في العديد من الحالات، يحمل طابعاً سياسياً يهدف إلى تعزيز الروح المعنوية في الداخل.

لذا، ينصح كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وآية الله علي خامنئي، وكذلك الرئيس الأمريكي المقبل، بقراءة كتاب جفري فافرو “حرب فيتنام: تاريخ عسكري”. هذا الكتاب يُعتبر مرجعاً مهماً يسلط الضوء على التجربة الأمريكية في جنوب شرق آسيا، ويقدم دروساً مهمة عن المخاطر المرتبطة بالاستراتيجيات العسكرية غير المدروسة.

دروس من حرب فيتنام

تتناول معظم كتب التاريخ الخاصة بحرب فيتنام السياسة والدبلوماسية، مع نظرة قصيرة على العمليات العسكرية، لكن المؤرخ واورو يتبنى وجهة نظر أكثر عمقاً. يشير فافرو إلى أن التدخل الأمريكي في فيتنام كان مثالاً صارخاً على كيفية تجنب الحرب. حيث أدت الحملة الجوية الأمريكية القاسية إلى تدمير عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي وخلقت موجة كبيرة من اللاجئين، دون أن تحقق النتائج المنشودة.

كلما حاول الرئيس ليندون جونسون فصل الحرب عن السياسة، ازداد الوضع سوءاً. فقد كانت الحرب تهيمن على الخطاب العام وأثرت على نتائج الانتخابات.

الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية

الولايات المتحدة لم تحقق نجاحات ملموسة من خلال الهجمات المستهدفة، إذ أدت البرامج الكثيرة مثل برنامج “فينكس” إلى زيادة عدد الضحايا المدنيين، ولم تُعزز فرص تحقيق السلام. كان هذا البرنامج مبنياً على معلومات مضللة ولا يعكس الواقع الفعلي.

من خلال قراءة كتاب فافرو، يظهر أن الاستراتيجية الضعيفة في الحرب تؤدي إلى تسييس أكبر لصراع مسلح. حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب غير واضحة، وما لبث أن ازدادت تعقيدات الأزمة.

السياسة والحرب في الحرب العالمية الثانية

على عكس تلك التجارب، في الحرب العالمية الثانية، استخدمت الولايات المتحدة السياسة لدعم جهودها العسكرية. يُظهر كتاب “أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب” لهيكري براندز كيف كان الرئيس فرانكلين روزفلت يسعى لتهيئة الرأي العام لدخول البلاد في الحرب بطريقة مدروسة.

فرغم أنه كان يُعتبر مخادعاً، إلا أن جهوده ساهمت في شحذ همم الشعب للدخول في المعركة. على النقيض، كان الدعم الذي حظي به ليندبيرغ من قبل بعض الأوساط يمثل رفضاً حقيقياً للمشاركة في الصراعات الخارجية.

تأملات حول كلاوزفيتز

في كتاب تحليل آخر، يعتبر المؤرخ أزار غات أن “عن الحرب” لكلاوزفيتز يحمل تأثيراً متعدد الأبعاد، ولكن يُساء فهمه في الكثير من الأحيان. ينقسم كلاوزفيتز إلى شخصيتين: واحدة تتعامل مع الحروب بأسلوب نظري وتجريبي، والأخرى تبحث في كيفية استعادة القوة والسيطرة بعد الهزائم.

بناءً على ذلك، تسجل هذه الأحداث والدروس التاريخية كيف تؤثر السياسة والاستراتيجية الضعيفة على نتائج الحروب، مما يبرز الحاجة الملحة لتفكير أكثر عمقاً في كيفية إدارة النزاعات المسلحة.### تعديلات على كتاب «عن الحرب»

أعاد الضابط البروسي كارل فون كلاوزفيتز، وفقاً لما أشار إليه المحلل غات، تنقيح كتابه الشهير “عن الحرب”، بشكل يتناقض بشكل واضح مع بعض الأجزاء السابقة من هذا العمل. في البداية، اعتبر كلاوزفيتز أن تحقيق النصر يعتمد على هزيمة العدو بسرعة من خلال انتصار كبير في معركة واحدة. لكنه أدرك لاحقاً أن العديد من الأطراف، وخاصة الأضعف منها، قد تجد مصلحة في إطالة أمد القتال. ورغم شروعه في إجراء التنقيحات، لم تتح له الفرصة لاستكمالها قبل وفاته عام 1831.

تأملات حول الأعمال الكلاسيكية

بينما كنت أستعرض كتاب غات، استنتجت أنه أغفل نقطة هامة؛ حيث أن الأعمال الكلاسيكية قد تعاني من نقص كبير، إذ أنها تثير المزيد من الأسئلة بدلاً من تقديم إجابات شاملة، مما يساعدها على الاستمرار عبر الزمن. في الواقع، واحدة من أبرز ملاحظات كلاوزفيتز تتعلق بأهمية طرح الأسئلة، فقبل تصاعد أعمال العنف، يجب على القادة المفكرين أن يسألوا: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تسعى أمتي لتحقيقه؟ وهل يمكن تحقيق هذه الأهداف فعلاً؟

نتائج الحروب المستمرة

تعد هذه الاعتبارات بالغة الأهمية. من غير المحتمل أن تؤدي الحروب المطولة في جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط إلى أي شيء سوى المزيد من الفوضى والضحايا. وعلى نحو مشابه، لو أن قادة الولايات المتحدة تعاملوا بجديّة مع نتائج الوضع قبل غزوهم لفيتنام، ناهيك عن العراق أو أفغانستان، لربما كانت حروبهم قد سارت بشكل مختلف، أو ربما لم تحدث على الإطلاق.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version