الرد الإيراني المنتظر.. سيناريوهات ومآلات
في الوقت الذي عززت فيه الولايات المتحدة تواجدها بالمنطقة، معلنة عزمها على دعم إسرائيل، شهدت الأخيرة حالة من الجمود والترقب، بينما تصاعدت الأصوات في طهران مطالبة بالانتقام ومعاقبة إسرائيل بسبب انتهاكها للسيادة الإيرانية.
هذه الظروف أثارت العديد من التساؤلات حول طبيعة الرد الإيراني وحجمه، بالإضافة إلى الخيارات المتاحة أمام الإيرانيين والأصداء الدولية والإقليمية المحتملة.
نشرت صحف عبرية تقارير عن أوقات صعبة من التوتر والترقب للرد الإيراني، مشيرة إلى عبارة “خلو الشواطئ من المصطافين، وإلغاء آلاف الحجوزات، وإيقاف بعض شركات الطيران رحلاتها من وإلى تل أبيب.”
عبر السياسيون والبرلمانيون الإيرانيون، وعلى رأسهم البرلماني السابق “نوذر شفيعي”، عن أهمية الرد بعقلانية وتجنب الوقوع في فخ إسرائيل، معتبرين أن الأخيرة تسعى لجذب إيران نحو حرب شاملة. ويشير شفيعي إلى ضرورة التعامل مع موضوع هنية من خلال نقطتين رئيسيتين: الأولى هي الرد على انتهاك السيادة الإيرانية، والثانية هي منع إسرائيل من تحقيق أهدافها عبر هذا الفعل.
هذا يتطلب تنسيقًا عالياً بين المؤسسات الإيرانية لتجاوز هذه الأزمة، بينما تبرز أصوات أكثر راديكالية داخل إيران تطالب بضرورة إيقاف إسرائيل عند حدها بغض النظر عن التكلفة.
في المقابل، تواصل الصحافة الإسرائيلية تناول التوتر القائم، مشيرة إلى الأجواء العامة من الخوف والاستعدادات التي تشهدها المدن الإسرائيلية، بما في ذلك إلغاء الحجوزات للرحلات الجوية وتخزين المؤن، مما يزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ويعتبره الإيرانيون جزءًا من ردهم المحتمل.
واحد من السيناريوهات الممكنة هو عدم الرد تمامًا، خاصة إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، مع ضمانات من القوى الغربية للحفاظ على هذا الاتفاق، وهو ما يبدو مستبعدًا بالنظر إلى رؤية نتنياهو الساعية لتحقيق نصر عسكري مهما كان الثمن.
سيناريوهات الرد الإيراني
بناءً على تحليلات الوضع الراهن في طهران ومنطقة الشرق الأوسط، يمكننا توقع مجموعة من السيناريوهات المحتملة ردًا على الأحداث الحالية، ولكل منها مبرراتها ومنطقيتها.
أحد السيناريوهات الممكنة هو ألا يتم الرد نهائيًّا، خصوصًا إذا تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة مع ضمانات من الدول الغربية لاستمراره. وهذا يبدو بعيد المنال في ظل سعي نتنياهو لتحقيق نصر في غزة بأي ثمن، ورغبة إسرائيل في التخلص من التهديد الإيراني، ما قد يؤدي إلى استدراج إيران إلى حرب مباشرة لا تستطيع إسرائيل خوضها بمفردها، كما اتضح في الأحداث التي وقعت في 14 أبريل/نيسان 2024.
أيضًا هناك دوافع إضافية لاستبعاد هذا الخيار، مثل تصريحات المرشد الأعلى الإيراني التي تأمر بالرد على الاعتداءات، وهي تؤكد على ضرورة استعادة إيران لقوتها الردعية الإقليمية. الداخلي، حيث تطالب الأصوات الإيرانية بالتصدي لإسرائيل وعدم التساهل معها مهما كان الثمن.
يمكن في سيناريو آخر أن يحدث رد رمزي يعمل على حفظ ماء الوجه دون إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل، وهو منحى يتفق مع استراتيجية إيران التي تحاول تجنب التصعيد المباشر في الوقت الراهن. أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل تُعتبر فعالة للغاية بالنسبة للأخيرة، مما قد يقلل من تأييد المجتمع الدولي لإيران ويحول الخسارة إلى انتصار لصالح تل أبيب.
أحد الخيارات المطروحة هو توجيه ضربات مباشرة بواسطة الصواريخ الباليستية، تستهدف منشآت حيوية، وهو خيار محتمل لكنه يتطلب دراسة ردود الفعل المحتملة من الجانب الإسرائيلي.
يمكن أيضًا تصور هجوم شامل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بالتزامن مع دعم من حلفاء إيران كحزب الله والحوثيين من اليمن. هذا الهجوم قد يُفسر كاستجابة ملائمة للاغتيالات.
تشكل هذه السيناريوهات التحديات الكبيرة لإسرائيل، مما يوسع من دائرة القلق بين جميع الأطراف المعنية إقليميًّا ودوليًّا.
كما أن هناك استراتيجية “المقاومة الفعالة” التي تتبناها القيادة الإيرانية، حيث يفرض المرشد الأعلى أهمية الرد بطريقة تضمن استدامة الردع دون الغوص في حرب شاملة. وهذا يتضمن زيادة الدعم لحركات المقاومة الإسلامية، مثل دعم الأنشطة العسكرية لحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن.
لتوضيح الأبعاد الخاصة بالرد الإيراني، يجب فهم الأسس التي تحكم هذه السياسة، والتي تتلخص في نقطتين رئيسيتين: الحفاظ على النظام الإيراني من المخاطر الوجودية، مما يتطلب استراتيجيات حذرة ومحسوبة، وتقديس الهدف الرئيسي للسياسة الإيرانية، بمعنى أن تحقيق الأهداف هو المحرك الأساس لكل فعل وسيكون له تأثيرات واضحة في قادم الأحداث.
وبناءً عليه، فإن أي رد إيراني مستقبلي سيتمحور حول هذه العناصر الأساسية، مما يضمن عدم الخروج عن المقررات السابقة.
رابط المصدر