الإسلام ورؤية السلام العالمي لدى سيد قطب
يأتي هذا المقال بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لاستشهاد المفكر سيد قطب، الذي وقع في 29 أغسطس/ آب 1966، ويتناول الطرح الإسلامي لفكرة السلام من خلال كتابه “السلام العالمي والإسلام” الذي نشر في سبتمبر 1966، بعد وقت قصير من وفاته شهيدًا، كما أشار إلى ذلك العلامة يوسف القرضاوي.
السياق والضرورة
لم يكن اختيار فكرة السلام مجرد مصادفة، بل جاء نتيجة للأحداث الجارية عالميًا وخاصة في الشرق الأوسط من نزاعات وصراعات، يبدو أنها تجاوزت المعايير الأخلاقية والدينية التي أرستها الإنسانية بعد أزمة الحروب المدمرة في القرن العشرين.
كما أن فهم رؤية سيد قطب للسلام يعتبر مهمًا، نظرًا لما عُرف عنه من ميل للمواجهة، وقد تساهم هذه السطور في الضوء على أسلوبه الفكري الفريد كما وصفه عبدالله عزام.
أسس مفهوم السلام في الإسلام
يتناول الكتاب موضوع السلام بأسلوب شامل لا غنى عنه، ولا يتضمن أي جانب يمكن الاستغناء عنه. يتمحور الكتاب حول خمسة محاور رئيسية تتناول: العقيدة والحياة، سلام الضمير، سلام البيت، سلام المجتمع، وسلام العالم.
- يعتبر السلام في الإسلام نتاجًا لرؤية شاملة للكون والإنسان، حيث ترتبط جميع نظم الإسلام بتلك الرؤية. تنبع فكرة السلام من العقيدة الإسلامية بشكل مباشر، وتعود إليها جميع التشريعات والأحكام.
السلام في الإسلام يعكس جميع مناحي الحياة، ولا يقتصر فقط على السياقات السياسية أو الدولية، بل يشمل حياتنا اليومية ومجتمعاتنا.
السلام كفكرة مركزية
كان من عادة سيد قطب التركيز على هذا التصور الشامل في بداية أعماله البحثية، حيث يربطها بالأفكار الأساسية للتصور الإسلامي التي تناولها في مؤلفاته.
- السلام هو الأصل، والحرب تعتبر استثناءً، وهو مفهوم عميق الجذور في الفكر الإسلامي. وبذلك، يحرّم الإسلام الحروب التي تنشب بسبب الأطماع أو الاستغلال.
يستند الإسلام إلى مبدأ الوحدة البشرية والتعاون، داعيًا إلى السماحة وتقبل الآخرين. حيث يقدم المؤلف أمثلة تاريخية تعزز هذا المبدأ، مشيرًا إلى أن أي فعل خارج عن هذا الإطار يعتبر انحرافًا عن القيم الإسلامية.
الطمأنينة الفردية كأساس للسلام
يبدأ السلام بحسب سيد قطب من الضمير الإنساني، ويصل إلى الأسرة والمجتمع، ثم إلى المستوى العالمي. ويشير إلى أن الإسلام لا يسعى للسلام في الساحة الدولية كوجهته الأولى، فذلك هو نهاية المسار، وليس بدايته.
تحدث سيد كثيرًا عن سلام الأسرة، مشددًا على أن السلام داخل البيت هو دلالة على الاستقرار في مواجهة الانقسام الثقافي الذي يفرضه الغرب، ويقول: “الفرد الذي لا يجد السلام في بيته لا يعرف قيمته ولا يمكنه أن يكون عامل سلام”.
- تعتبر بداية التغيير من الضمير الإنساني المحور الأساسي، فعدم تذوق الفرد السلام داخليًا يتعارض مع أسس السلام العالمي.
لا يمكن أن يزعم من ينحني للظالم أنه يسعى إلى السلام، فمثل هذا السلام في نظر سيد قطب هو سلامٌ غير حقيقي.
الرؤية المعاصرة للسلام
يعتبر فكر سيد قطب راسخًا ومستمدًا مباشرة من القرآن، ويظل كتابه معاصرًا رغم مرور 73 عامًا على نشره، حيث لا تزال المشكلات الإنسانية قائمة على ما هي عليه، مع استمرار آثار الحرب العالمية الثانية.
من خلال التركيز على التوازن بين المنطق البشري والدين، يتحدث عن التناسق بين الطموحات والدوافع، مع تعزيز الشعور بالطمأنينة تجاه الله. يحدد الكتاب أهمية تشريع المبادئ التي تعكس قناعات الضمير وتطبقها على أرض الواقع.
الخلاصة
لا يقتصر كتاب “السلام العالمي والإسلام” على الغرض الأكاديمي، بل يعبر عن موقف الإسلام من التحديات المعاصرة وأهمية السلام في الحياة البشرية. يركز سيد قطب على القضايا الأساسية التي تحتاجها الأمة، ما يعكس عمق واستمرار رسالته الفكرية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر