السودان.. هبوط كبير للعملة والبريد المركزي يصدر قرارات جديدة
وحدات الدعم الفوري.
سُجِّل الدولار 1259 جنيها في معاملات البنوك الرسمية اليوم الماضي، بينما وصل في السوق البديل إلى حاجز 1600 جنيه، نتيجة لارتفاع الطلب على الشراء مما يُظهر احتمال انخفاض قيمة الجنيه خلال الأيام المقبلة، حسب ما ذكره محللون في مقابلة مع الجزيرة نت.
كان سعر الدولار مستقرا عند 600 جنيه للدولار الواحد خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد بداية الصراع في منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، قبل أن يُبدأ الانخفاض بشكل سريع.
تسبب انخفاض قيمة العملة المحلية في زيادة أسعار الغاز في عدة ولايات سودانية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، حيث أعلنت الحكومة زيادة سعر اسطوانة الغاز إلى 23 ألف و600 جنيه، ما يعادل حوالي 18 دولارا.
ذكر الإعلام الولائي هذا الأسبوع أن لجنة الطوارئ الاقتصادية كانت تراقب بإصرار الزيادة في أسعار الغاز المستورد نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وكانت تبذل جهودا للتخفيف من تأثير الزيادة على المواطنين، “لكن عدم استقرار قيمة الجنيه مقابل ارتفاع الدولار يحول دون ذلك”.
المبادرات السريعة للبنك المركزي
أكد برعي الصديق، محافظ بنك السودان، للجزيرة نت أن البنك المركزي يحتوي على احتياطيات نقدية جيدة ولكنه لفت إلى أن الحرب المُستمرة لأكثر من عام تعقّد توقعات ومؤشرات الاقتصاد الشامل، خاصة فيما يتعلق بأسعار الصرف والتضخم بما يحقق أهداف السياسة النقدية.
وأشار إلى عدم تلقي البلاد دعمًا خارجيًا مع توقف شبه كامل للصادرات، مما زاد من الطلب على النقد الأجنبي من السوق البديل لتغطية واردات المواد البترولية بسبب توقف خط النقل بالبترول وتراجع الإنتاج المحلي بسبب الحرب.
يرجع محافظ البنك أسباب تراجع الجنيه – الذي يصفه بأنه تراكمي – إلى زيادة في حجم السيولة نتيجة تراجع إيرادات وزارة المالية من الضرائب والجمارك وغيرها، بالإضافة إلى التداول الكثيف لتجار السوق البديل.
كشف الصديق عن سياسات وإجراءات يعتزم البنك المركزي الكشف عنها خلال الأسبوع المُقبل بالتنسيق مع أطراف أخرى لوقف الانخفاض السريع في سعر الصرف، مشيرًا إلى أنه سيتم الإعلان بعد التشاور مع الجهات الحكومية الأخرى والمصادقة عليها من السلطات العُليا في الدولة.
الصراع يضغط على النظام المالي
يرى محمد طه، وزير المالية في حكومة الظل التابعة لحزب بناء السودان، أن الصراع تسبب في تأثير كارثي على اقتصاد السودان، وأدى إلى تعطيل شبه كامل لقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، اللذان يُعتبران ثاني أكبر مصادر للعملة الصعبة بعد الذهب.
يُشير طه في مقابلته مع الجزيرة نت إلى أن التداعيات الرئيسية للاضطرابات الحالية تتلخص في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية بشكل مستمر، مما أدى إلى زيادة في أسعار البضائع وندرتها.
يقول: “مع توقف الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة، يتزايد الطلب على العملة الصعبة لتمويل النفقات الحربية، ما يعزز الضغوط على النظام المالي”.
يعتقد محمد طه أن الانخفاض السريع في أسعار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية يعود إلى نقص وزارة المالية في أدوات السياسة النقدية الفعّالة لمواجهة هذه التقلبات، سواء في قدرتها على طباعة النقود لشراء العملات الصعبة أو التدخل المباشر في أسعار الصرف في الظروف الحالية.
ويضيف أن الحكومة تواجه صعوبات في جباية الضرائب، ما يؤثر على قدرتها على تلبية التزاماتها المالية، بما في ذلك رواتب الموظفين الحكوميين، ويستبعد طه أن يكون للحكومة دور مباشر في تغيير مفاجئ لأسعار الصرف.
يروى المتحدث ذاته أن الارتفاع المفاجئ في أسعار الصرف قد يشير إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية من السوق المحلية، سواء من أفراد يبيعون ممتلكاتهم لجني العملات الأجنبية لتلبية التزاماتهم خارج البلاد، أو من أطراف أخرى تستخدم العملة المحلية لشراء كميات كبرى من العملات الأجنبية.
من جانبه، يربط عباس عبد الله، الرئيس السابق لاتحاد المصارف، الانخفاض في سعر الصرف بالحرب التي أدّت إلى انخفاض معظم الصادرات، خاصة صادرات الذهب التي لم تستمر بالوتيرة المعتادة.
ويقول في مقابلة مع الجزيرة نت إن تدهور قيمة الجنيه فتح الباب أمام احتجاز العملات الأجنبية كمخزين للقيمة.
نقص بالنقد الأجنبي
من وجهة
ويشير في حديثه لشبكة الجزيرة الى أن الموارد الأخرى التي كانت تعمل على تقليل تأثير العجز في الاحتياط الأجنبي لم تعد متوفرة بسبب الحروب، مثل القروض والمعونات الأجنبية والودائع من الدول الصديقة، وحوالات العمال في الخارج، ورسوم عبور الأجواء السودانية، ورسوم المرور لنفط دولة جنوب السودان.
ويضيف فتحي “لذلك، برأيي انه من أجل تعويض نقص الاحتياط الأجنبي، عملت الحكومة على شراء العملات الأجنبية من مصادر أخرى لمواجهة الاستيراد للسلع والخدمات الأساسية واستفاد المضاربون وتجار الأزمات”.
من ناحيته، يعتقد الخبير المصرفي والمدير السابق لبنك النيلين عثمان التوم أن غياب المعلومات الرسمية حول العرض والطلب يجعل من الصعب تحليل الوضع، حيث ان المضاربين يكونون اللاعب الرئيسي في ظل هذا الفراغ.
وفي حديثه مع شبكة الجزيرة يعزو التوم تقلبات أسعار الصرف الى توقعات موسم الحج حيث يزداد الطلب سنويا في هذا الوقت على العملات، لكن يبدو ان عدد المسجلين هذا العام لم يتجاوز 30-40% من الحصة المقررة للسودان.
ويقول: “تأثر سعر الصرف بالعوامل مثل كمية الذهب المصدر والمهرب حيث لا تتوافر معلومات عنها وهذا يفتح الباب امام التكهنات وبالتالي المزيد من التقلب في الأسعار”.