منذ أكثر من عشرة سنوات، يشهد الشمال السوري حالة من الفوضى والصراع، بين نظام سوريا والجماعات المسلحة، وداخل الجماعات ذاتها. وفي ظل هذا الوضع المأساوي، تتفاقم معاناة المدنيين الأبرياء الذين يواجهون نقصًا حادًا في المساعدات الإنسانية، وارتفاعًا مستمرًا في أسعار السلع الأساسية، وانعداماً للأمان والاستقرار. في هذا المقال، سنسلط الضوء على الأزمة الإنسانية المدمرة التي تجتاح الشمال السوري، ونناقش التداعيات الأمنية والاقتصادية لهذا الوضع على حياة الملايين من النازحين والمحتاجين.
الشمال السوري – يسعى زاهر العبيدو للعثور على وظيفة جديدة في مجال الصحة المجتمعية ضمن المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق شمال غرب سوريا لمدة تتجاوز 10 سنوات.
كان زاهر يعمل ضمن إحدى المنظمات العالمية الفاعلة في المنطقة. إلا أنه فقد وظيفته، ومعه أكثر من 100 موظف آخر، نتيجة لتوقف مشاريع البرنامج العالمي للغذاء في شمال سوريا.
في حديثه لموقع الجزيرة نت، يعبر عن إحباطه ويأسه لعدم قدرته على إيجاد فرصة عمل جديدة بسبب ندرة الوظائف وتقليص المنظمات الإنسانية لعدد موظفيها بعد توقف مشاريعها في شمال سوريا.
ويقول العبيدو: “انقلبت حياتي رأساً على عقب خلال يوم وليلة، حيث كنت أحصل على راتب يكفي لتلبية احتياجاتي حتى نهاية الشهر ولم أعد قادراً على مساعدة أسرة أخي الذي فقد حياته على يد النظام السوري.”.
الآثار السلبية في الشمال السوري
أدى تقليص دعم البرنامج العالمي للغذاء إلى مستويات منخفضة جداً خلال عام 2024 في الشمال السوري إلى تسريح مئات من موظفي المنظمات الإنسانية، مما تسبب في فقدان دخل العديد من الأسر لأبنائهم.
تم إيقاف العديد من المشاريع الإنسانية التي كانت لها تأثير مباشر على قطاعات الصحة والنظافة والتعليم، بالإضافة إلى تقليص الدعم المالي المقدم للنازحين بنسبة تجاوزت النصف، وقامت بعض المنظمات الإنسانية بتحويل الدعم الشهري إلى مدة شهرين.
وفي هذا السياق، أكد مصدر في وكالة “الأوتشا” التابعة للأمم المتحدة للجزيرة نت، أن البرنامج قام بوقف دعمه للمنظمات نتيجة لانخفاض التمويل، حيث كانت منظمة الغذاء العالمي توفر شهرياً 260 ألف سلة غذائية لمناطق شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى مشاريع التعليم والمياه التي كانت تقدمها المنظمة الدولية للهجرة “آي أو إم” (IOM)، والتي كانت تستفيد منها عشرات آلاف النازحين.
وأوضح المصدر أن مشاريع بناء الكرفانات ونظام الصرفيةظروف الصحة ونقل الفضلات. وقد بدأت – بدعم من جميع وكالات الأمم المتحدة – في التراجع.
أشار المصدر إلى وجود تخوفات من تحول الحالة في شمال البلاد إلى كارثية، مع احتمالية حدوث مجاعة خلال العام القادم في حال استمر نقص المساعدات وانسحاب المنظمات.
بالمقابل، أطلق فريق “منسقو استجابة سوريا” نداءًا عاجلاً لتلبية الاحتياجات الإنسانية في شمال غرب البلاد، حيث قدر الفريق حجم الاحتياجات للقطاعات المختلفة على النحو التالي:
- التعليم: 24 مليون دولار.
- المواد غير الغذائية: 9 ملايين دولار.
- الأمن الغذائي وسبل العيش: 32 مليون دولار.
- الحماية: مليون دولار.
- الصحة والتغذية: 13 مليون دولار.
- المأوى: 32 مليون دولار.
- المياه والإصحاح: 18 مليون دولار.
وضع كارثي في شمال سوريا
أعلن مصدر في الفريق – لشبكة الجزيرة – أن الحالة الإنسانية أصبحت كارثية. حث جميع المنظمات والهيئات الإنسانية على المساهمة بشكل فعّال في تلبية احتياجات النازحين خلال فصل الشتاء في المخيمات بشكل عام.
وطالب المصدر نفسه بتوفير الخدمات الضرورية للفئات الأكثر ضعفاً، وأكد على ضرورة إصلاح الأضرار السابقة في المخيمات، وأنظمة الصرف الصحي، وضمان تأمين العوازل اللازمة لمنع دخول مياه الأمطار إلى داخل الخيام، والعمل على تحديث الطرق في المخيمات والتجمعات الحديثة والقديمة بشكل عام.
مع دخول السنة الجديدة، ووفقاً لفريق الاستجابة، ارتفع سعر سلة الغذاء القياسية الكافية لإطعام أسرة تتألف من 5 أفراد لمدة شهر واحد إلى حوالي 98 دولاراً (2,793 ليرة تركية). وزاد هذا المبلغ بمقدار 147 ليرة مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يشكل 67% من راتب العامل الموسمي لشهر كامل، في ظل ارتفاع نسب التضخم في المنطقة إلى 75.04% مقارنة بالسنة الماضية.
زادت نسبة المخيمات التي تعاني من نقص الأمن الغذائي إلى 88.7%، وتواجه 95.1% منها صعوبات في تأمين الخبز.
وصل عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية إلى 4.4 مليون مدني، بزيادة نسبتها 11% عن السنة الماضية، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة بمقدار 17.3% حتى نهاية السنة الحالية، نتيجة لتغيرات سعر الصرف واستقرار أسعار المواد الغذائية على مستوى مرتفع، وزيادة أسعار بعض المواد الأخرى، وفقاً لفريق الاستجابة.
نقص شديد
يواجه سامر سليمان، الساكن في مخيم بمنطقة رأس الحصن، تخفيض شديد في المساعدات الإنسانية التي كان يستلمها، حيث انخفضت إلى النصف. في السنة الماضية، كان يحصل على 104 دولارات شهرياً، ولكن تم تقليص المبلغ هذا الشهر إلى 65 دولاراً.
وأوضح سليمان لشبكة الجزيرة أن العائلات كانت تنقسم إلى 3 مجموعات، حيث كانت المجموعة الأولى تتلقى 117 دولاراً، والثانية 104 دولارات، والثالثة 52 دولاراً، من قبل منظمة “أكتد” العاملة في ريف حلب وإدلب.
وأضاف أن المنظمة خفضت المبلغ في هذا العام، حيث وزعت 65 دولاراً للمجموعة الأولى، ومن 33 إلى 52 دولاراً للمجموعة الثانية، و25 دولاراً للمجموعة الثالثة، وهو مبلغ غير كاف لتلبية احتياجات أي عائلة لمدة يومين.
وبين جميل سلوم، العامل في المجال الإنساني، أن هذا التقليص دفع الأشخاص إلى تقليل عدد وجباتهم اليومية وكميات الطعام من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية، وهو تطور يسهم في تعقيد الحالة الإنسانية في سوريا.
انخفضت نسبة وجباتها الأساسية إلى 71.2٪، بينما ارتفعت نسبة القلق داخل المخيمات إلى 93.8٪.
أوضحت سلوم وجود نقص هائل في عمليات الإغاظة الإنسانية من دون أي تصريح من الأمم المتحدة بشأن تمويل الإغاظة الشتوية. مما يسبب آثارًا كارثية على المدنيين عموماً والنازحين في المخيمات خاصةً خلال فصل الشتاء الحالي.
التلخيص
شمال سوريا يُعتبر مثال حي لكيفية يُمكن للحروب والصراعات أن تُدمر حيواة الأشخاص وتحرمهم من حقوقهم الأساسية. لا يزال الملايين من المدنيين يُعانون من الجوع والبرد والأمراض والخوف، بينما يتقاذفون الفصائل المتناحرة ويُتجاهلهم المجتمع الدولي. يجب العثور على حل سياسي عادل وشامل لإنهاء هذه المأساة، وتقديم المساعدات الإنسانية الكافية للنازحين والمحتاجين. شمال سوريا ليس مجرد خطوط على الخريطة، بل هو وطن للأفراد الذين يحلمون بالسلام والكرامة.