الصراع على غزة يتسبب في تدهور اقتصادي.. هل هناك أمل للنهوض؟

By العربية الآن



الصراع على غزة يتسبب في تدهور اقتصادي.. هل هناك أمل للنهوض؟

صورة على نطاق واسع للدمار في محيط مستشفى الشفاء، بعد عملية عسكرية استمرت أسبوعين من قبل الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة. (الصورة: © عمر إسحاق/شركة دبا عبر زوما برس apaimages
تدمير هائل ناتج عن الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة (شترستوك)
نشر مركز رؤية للتنمية السياسية تقرير حول التداعيات الإقتصادية الكارثية للصراع الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لأكثر من 7 أشهر، مشيرا إلى أن غزة رغم التحديات، تمتلك إمكانيات وموارد بشرية ممتازة، حيث مستوى التعليم متقدم ويوجد عمالة ماهرة، إضافةً إلى ذخائر طبيعية من موارد بحرية، تستطيع استغلالها للخروج من الأزمة وتحقيق التنمية.

وفي التقرير (الذي كتبته الباحثة والخبيرة في الشؤون الإقتصادية الفلسطينية الدكتورة رغد عزام)، ذُكر أن الأزمة الإقتصادية في فلسطين طويلة الأمد ومرتبطة منذ عقود بالاحتلال الإسرائيلي وسياساته التعسفية وانتهاكاته المُستمرة، ولا يمكن التعامل معها بالموازين التي يُتعامل بها مع أي دولة ذات سيادة، وتمتلك مواردها وحريتها في اتخاذ القرارات.

ومع نظرة سريعة على الدمار والإبادة التي نفذها الاحتلال في غزة، واستنادًا إلى أحدث الإحصاءات المتوفرة لدى جهاز الإحصاء الفلسطيني حتى السادس من مايو/أيار الحالي، تجاوز عدد الشهداء 35 ألف وعدد الجرحى أكثر من 79 ألف شخص، مُعظمهم أطفال ونساء.

وفي صورةالمباني والمنشآت:

  • تدمر الاحتلال 294 ألف هيكل بشكل جزئي.
  • وتُدمّر أكثر من 25 ألف هندسة بشكل كلي.
  • وتُدمّر 86 ألف منزل بالكامل.
  • تتضرر 103 من كباري والكليات بشكل كلي.
  • تتأثر 309 من كباري والكليات بشكل جزئي.
  • تُهدم 32 مستشفى، لا يعود قابل للخدمة.
  • تُهدم مئات المعابد والكنائس والمراكز الحكومية.

الاقتصاد في غزة قبل 7 أكتوبر

كان وضع الاقتصاد في غزة قبل السابع من أكتوبر مُترديًا، إذ تعرّض لسنوات طويلة من الحصار والقمع والتهميش، وانقطعت علاقته بالعالم الخارجي، وحرم من استخراج الغاز الطبيعي من الحقول التي اُكتُشفت في تسعينيات القرن الماضي في البحر الأبيض المتوسط قبالة شاطئ غزة، وحُرم من ثرواته المائية الغنية.

وأدى ذلك إلى أوضاع كارثية لعامة سكّان قطاع غزة، حيث وصل معدل عدم الأمان الغذائي في القطاع، وفقًا لتقرير للبنك الدولي في مايو/أيار 2023، إلى حوالي 53%، مما يعني أن أكثر من نصف السكان كانوا يواجهون خطر عدم الأمان الغذائي. كما كان أكثر من نصف القوى العاملة يُعانون من البطالة، وكان 83% من العمّال يتلقون أجورًا دون الحد الأدنى للأجور.

ومن جانبه، شهد قطاع الزراعة تنحوًا، وتراجع قطاع الصناعة، اللذين يمثلان ركيزتي الاقتصاد، مما أدى إلى ضعف القدرة على تحقيق التنمية الحقيقية في قطاع غزة، وجعل الهيكل الإنتاجي به مشوهًا، ويميل إلى الشكل الخدمي، ويبتعد عن الغايات الإنتاجية، ويعمل بقدرة إنتاجية أقل بكثير من قدرته الطبيعية.

الاقتصاد في غزة بعد 7 أكتوبر

وفي أعقاب السابع من أكتوبر، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وتسارعت المؤشرات الرئيسية في القطاع نحو الانهيار. إذ بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، كشفت التقديرات المبكرة انخفاضًا حادًا في الظروف المعيشية، حيث وصل معدل البطالة إلى 79.3%، وارتفع معدل الفقر بين سكان غزة إلى نحو 96%. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الفرد منه، بنسب تراوحت حوالي 24% و26% على التوالي مقارنة بالعام السابق.

وشهد قطاع الزراعة تدهورًا كبيرًا، حيث انخفضت إنتاجيته من 58 مليون دولار في الربع الثالث من عام 2023 إلى 5 مليون فقط خلال الربع الذي تلته.

وأظهر التحليل الإحصائي ارتفاع نسبة الأراضي الزراعية المتضررة خلال العدوان من 5.36% في أكتوبر 2023 إلى 33.13% في فبراير الماضي.

عانى قطاع الصناعة أيضًا من الدمار الواسع، ومن انقطاع التيار الكهربائي المستمر، ومن انقطاع سلاسل التوريد أيضًا. حيث انخفض الإنتاج الصناعي بما يقرب من 51 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالربع السابق.

وقدر البنك الدولي نسبة الأضرار والتدمير التي أصابت القطاعات الاقتصادية المختلفة في غزة على النحو التالي:

  • قطاع التعليم 73%.
  • قطاع الصحة 81%.
  • الخدمات البلدية 75%.
  • المياه والصرف الصحي 55%.
  • المعلومات والاتصالات 75%.
  • النقل 63%.
  • التجارة 80%.
  • الإسكان 62%.

ووصف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الأوضاع في غزة بأنها “كارثية”، مُشيرًا إلى أن الظروف المعيشية في غزة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ احتلال عام 1967.

آفاق التنمية وإعادة الإعمار

الحروب دائمًا ما تترك تحديات صعبة، وتترك آثارًا مدمرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتظل تبعاتها تستمر لمدد زمنية طويلة، وتكون أكثر تعقيدًا من العدوان نفسه، وعادة ما تتطلب عمليات إعادة الإعمار وقتًا طويلًا، وتستلزم جهودًا مضنية، وتواجه فيها المشاريع، سواء كانت حكومية أم خاصة، صعوبات وعراقيل تحد من قدرتها على متابعة نشاطها بالطريقة المطلوبة.

وأكد تقرير مركز رؤية أن عملية إعادة الإعمار تتطلب سياسات اقتصادية إصلاحية، تهتم في البداية بالبنية التحتية، باعتبارها ضرورة أساسية لخفض تكاليف الأنشطة الاقتصادية لاحقًا، وتيسير عودة عملياتها بالشكل الطبيعي. يأتي بعد ذلك إعادة هيكلة قطاعات الاقتصاد، ونقل الاقتصاد المحلي من التبعية للقطاع الخدمي إلى الجانب الإنتاجي، من خلال استغلال الموارد الطبيعية المتاحة،بالإضافة إلى خلق فُرُص العمل، والتخفيف من أعباء البطالة والفَقْر بين تصنيفات المُجتمع.

تم نشر تقرير حديث من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الاقتصاد والاجتماع لغرب آسيا (الإسكوا) في الثاني من شهر مايو الحالي، حول تقديرات الوضع في غزة وحجم التأثر الهدمي على الفلسطينيين واقتصاد وتطوير الموارد البشرية. ومُنتظر استمرار العدوان لمدة تتراوح بين 7 إلى 9 أشهر. وقد توقع التقرير أن سيُرفع مُعدل الفقر في فلسطين كككل بأكثر من ضعف الحالة السابقة للحرب، بالإضافة إلى تقدير خسائر الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 7.6 مليار دولار.

أشار التقرير إلى انخفاض كبير في مُؤشر التنمية البشرية، والذي تأثر نتيجة لخسارة الشباب والقُوى العاملة لفُرُص العمل.

غزة موهوبة

قد يكون الحديث عن إمكانية تجديد اقتصادي في منطقة غزة تصويرا وهميّا حاليّا، في بقعة تغمرها الفَقَر بأسوأ تمثيلاته. ولكن حيازة قطاع غزة لمهارات ومواهب وكفاءات بشرية مذهلة، ومعدلات تعليم مرتفعة، وتوافر عُمالة ماهرة، هي نقاط قوة في جِزْم الغزّيين، إلى جانب حيازتهم على موارد طبيعية من مصادر بحرية وحقول غَاز طبيعي وغيرها.

تحتاج منطقة غزة بشكل عاجل لحِزمة إجراءات تنموية، ولنموذج مُلَهَم لتجربة واحدة من دول المنطقة أو الدوليّة، التي واجهت ظروف مُشابهة من الصراع والدُمار، وعدم الأمان وعدم الاستقرار، وتمكنت من إحداث تحولا مُلْموسًا، وتحقيق نهضة اقتصادية، ورفع مستويات المعيشة.

هناك مجموعة تجارب نهضوية في التاريخ لدول لم يكن يُمكن تصوّر لها يومًا بأن تحظى بمُستقبل اقتصادي، بعد عقود من تواجُدها في قاع الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتمكنت في وقت سريع من تحقيق قفزات ضخمة جعلتها تتحوير إلى لاعب رئيسي بين الاقتصاديات، مثل تجربة إعادة بناء انغولا بعد اِنتِهاء الحرب، وتجربة النهضة في رواندا بعد انتهاء الاستعمار وتوقف الحرب الأهلية عام 2000، ونجاح اقتصاد فيتنام الذي بدأ بعد انسحاب القوات الأميركية منها عام 1974، بالإضافة إلى تطوير ماليزيا وسنغافورة بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version