الصين في أفريقيا: صراع جديد لإرساء نموذج مختلف عن الغرب

By العربية الآن



أبعد من الاقتصاد.. الصين التي تملأ الفراغ الغربي في أفريقيا

بيكين احتضنت المنتدى التاسع للتعاون الصيني الأفريقي (الفرنسية)
بيكين احتضنت المنتدى التاسع للتعاون الصيني الأفريقي (الفرنسية)

أظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين، أقل تحفظاً وقدرًا أكبر من الصراحة أمام زعماء نحو 50 دولة أفريقية حين قال أن “عملية التحديث التي يقودها الغرب في أفريقيا تسببت في معاناة كبيرة لشعوب المنطقة”. وتأتي هذه التصريحات في ظل تزايد المخاوف الغربية والأميركية من ما يسمى “الغزو الصيني الناعم” للقارة الأفريقية التي لطالما كانت تحت نفوذهم التقليدي.

ولفت شي في كلمته إلى أنه من الضروري أن تستمر الصين والدول الأفريقية في العمل معاً، مشيراً إلى تاريخ التعاون بين الطرفين منذ منتصف القرن العشرين، حيث حاربوا معًا ضد الاستعمار والإمبريالية.

تميز خطاب شي جين بينغ بتوجه أكثر وضوحًا من موقف الصين التقليدي الداعي إلى عدم استهداف أي طرف ثالث، حيث عكس ثقة أكبر بمتانة العلاقات الصينية الأفريقية وتزايد قوة بلاده، خصوصًا في ظل تحوّل نظرة الأفارقة إلى الغرب.

طموح الصين وهواجس أفريقيا

على مدار السنوات القليلة الماضية، نجحت الصين في الانتقال من تصنيفها كواحدة من دول العالم الثالث إلى موقع القيادة العالمية في مجالات الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا. وقد أصبحت الآن شريكًا موثوقًا للأفارقة، حيث يمكنها تقديم مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات من مشاريع البنية التحتية العملاقة إلى القروض والتكنولوجيا المتطورة.

ومع ذلك، يظل هناك قلق متزايد بين الدول الأفريقية من عملية التحديث التي تقودها القوى الغربية، حيث لم تحقق الديمقراطية والتنمية المرجوة، وظلت البلدان الأفريقية تتعثر في العديد من المشكلات مثل الفقر والفساد.

تعتبر الاستجابة الأفريقية تجاه وجود الصين في قارتها نتيجة مباشرة لعقود من الإهمال الغربي. أزمة لقاحات كورونا التي أظهرت دعم الغرب المحدود لأفريقيا كانت درسًا صارخًا، مما يعكس تغيرًا ملحوظًا في الطريقة التي تتعامل بها الدول الأفريقية مع القوى الكبرى.

يعقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي مرة كل 3 سنوات (رويترز)

بالإضافة إلى ذلك، تعكس التحولات السياسية في بعض دول الساحل والصحراء، مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الإحباط الأفريقي تجاه النفوذ الغربي. هذا الاتجاه نحو الصين وروسيا يُظهر رغبة القارة في البحث عن خيارات جديدة لمواجهة التحديات المستمرة.

لا يمكن إغفال أهمية دور الغرب في الأزمات الأفريقية، مع استمرار الفقر والفساد في ظل الهيمنة الأجنبية، وتعكس إجابات القادة الأفارقة في المنابر الدولية تطلعهم نحو علاقة أكثر توازنًا مع القوى الكبرى مثل الصين.

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023، أشار الرئيس الغاني نانا أكوفو آدو إلى أن ثروات الغرب بُنيت على دماء وأهوال الاستغلال الذي عانته القارة لفترات طويلة، مما يعكس مطالب جديدة من قبل الحكومات الأفريقية لتحسين ظروف التعاون.

وفي تطور آخر، أشار المحلل إريك أولاندر إلى أن الصين تستهدف الاستفادة من الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة تقلص تفاعلهما مع أفريقيا.

بناء الجسور وملء الفراغات

منذ عام 2000، مع تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC)، بدأ التوجه الصيني نحو أفريقيا بتغيرات استراتيجية، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للقارة والمستثمر الأكبر فيها. وبفضل هذا المنتدى الذي يُعقد كل ثلاث سنوات، تم إنشاء العديد من الوكالات التنفيذية لتعزيز العلاقات الثنائية.

يعتبر المنتدى جزءًا من المبادرات التي أطلقتها بكين لتعزيز التفاعل مع دول الجنوب العالمي، ويدعم مبادرات مثل “الحزام والطريق” و”مبادرة التنمية العالمية”، ويوفر إطارًا لتعاون مستدام يشمل عدة مجالات.

تتبنى الصين سياسة منظمة تشمل جوانب عدة، من الاقتصاد إلى السياسة والأمن، مع تعزيز التعاون المستمر مع الدول الأفريقية عبر اللقاءات السياسية والتدريب العسكري والتبادل التعليمي.

خلال الفترة من 2008 إلى 2018، قام مسؤولون صينيون بزيارة أفريقيا 79 مرة، حيث تجلى هذا الالتزام عبر التفاعل المباشر مع القادة الأفارقة من خلال المؤتمرات والندوات.

كما تعمل الصين على تعزيز العلاقات السياسية عبر التعاون مع 59 منظمة سياسية في 39 دولة أفريقية، ولديها علاقات مع 35 برلماناً أفريقيًا.

علاوة على ذلك، تستضيف الصين سنويًا مسؤولين أفارقة وتوفر خدمات تدريب للموظفين العراقيين، حيث تسعى إلى تعزيز قدراتهم في مختلف المجالات.

وفي سياق التعليم، سجّل أكثر من 81 ألف طالب أفريقي في مؤسسات التعليم الصينية عام 2018، مما يدل على جاذبية النظام التعليمي الصيني.

تُعبر هذه الأنشطة عن رؤية الصين لتعزيز وجودها ونفوذها في قارة أفريقيا، حيث يُظهر استطلاع أن 63% من الأفارقة ينظرون إلى النفوذ الصيني بإيجابية.

وعود شي.. مشاريع “صغيرة وجميلة”

رغم تحسن التعاون بين الصين وأفريقيا، تواجه بكين انتقادات نتيجة لمشاريعها التي تثير مخاوف من زيادة الديون الأفريقية، خاصة المتعلقة بالبنية التحتية. فرغم تقديم القروض الكبيرة، هناك قلق من عدم حدوث فوائد محلية حقيقية من هذه المشاريع.

حاليًا، تقدر ديون الدول الأفريقية المستحقة للصين بحوالي 134 مليار دولار، مع تسجيل أرقام مرتفعة لدول مثل كينيا وأنغولا.

في إطار معالجة هذه المخاوف، أعلن شي جين بينغ عن تقديم قروض ومساعدات واستثمارات بقيمة 51 مليار دولار، بالإضافة إلى وعود بخلق مليون وظيفة جديدة في أفريقيا خلال السنوات القليلة القادمة.

كما تتضمن الوعود إلغاء الرسوم الجمركية على منتجات 33 دولة أفريقية وتدريب الآلاف من الكوادر العسكرية والأمنية، مما يعكس التزام الصين بمشاريع التنمية المستدامة والمساهمة في النمو الأفريقي.

في النهاية، تسعى الصين من خلال المنتدى إلى طمأنة الأفارقة بمواصلة دعمها واستعدادها للعمل مع قادتهم لتلبية احتياجات القارة.

تصدير النموذج

جميع المؤشرات تدل على أن الرسائل “الأيديولوجية الصينية” في أفريقيا تتوسع بالتزامن مع المشاريع الاقتصادية الكثيفة. تسعى بكين لبناء نموذج سياسي وتنموي يملأ الفراغ الذي خلفه الغرب.

تستند السياسة الخارجية للصين في عهد شي جين بينغ على تعزيز قيم ومعايير الحكم الصينية كبدائل للنموذج الغربي، وليس فقط زيادة قوتها الاقتصادية والعسكرية.

على الرغم من وجود تحديات تتعلق بالاستعمار والاعتماد الثقافي على الغرب، فإن الصين تهدف على الأقل إلى زيادة الشراكة وتعزيز رؤيتها في الحكم كاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية في العديد من الدول الأفريقية.

تأمل الصين في استغلال تصاعد القلق داخل الدول الأفريقية وتقديم نموذجها كحل بديل. ورغم التحديات، تغيرت ملامح السياسة الصينية في أفريقيا، مما يعكس سعيها للتوسع وزيادة نفوذها في المستقبل.

المصدر : الجزيرة



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version