العرب في إسرائيل: نجاح ملحوظ وسط تحديات تاريخية

By العربية الآن

احتجاجات في إسرائيل ضد تفشّي الجريمة المنظمة في المجتمع العربي مارس 2021 (غيتي)

العرب في إسرائيل: انقسام بين ماضٍ مؤلم وحاضر معقد

في وصيته التي دونها في الناصرة، المدينة التي أحبها وعاش فيها أغلب حياته، طلب الأديب إميل حبيبي أن يُدفن في حيفا، مذكراً الجميع بجملته الشهيرة: “باقٍ في حيفا”. كانت هذه العبارة تعبيراً عن قلقه المستمر منذ النكبة الفلسطينية الأول عام 1948 حتى وفاته عام 1996. إذ تُعتبر حيفا التي شهدت تدمير عائلات ووطن خلال النكبة، واحدة من المدن الأساسية في التاريخ الفلسطيني.

النمو السكاني والتغيرات التاريخية

في وقت الانتداب البريطاني، كان عدد سكان حيفا يتألف من 10447 نسمة في عام 1916، وتزايد العدد إلى 150 ألف نسمة عند احتلال المدينة عام 1948، حيث كان العرب يشكلون نحو 70 ألف شخص. وكان السبب في زيادة عدد اليهود في تلك الفترة، هو سياسات الوكالة اليهودية في جذب المهاجرين إلى حيفا لكونها مدينة استراتيجية.

الاحتلال والتهجير

بعد احتلال حيفا، بدأت عمليات ترحيل طالت العرب، حيث هُجِّر حوالي 96% من السكان العرب، وأصبح العدد المتبقي لا يتجاوز 2500 عربي. إميل حبيبي نفسه كان واحداً من هؤلاء الذين صمدوا، وعبّر عن حزنه العميق على ما حدث لعائلته وللمدينة. اختار البقاء في حيفا، مدركاً المخططات التي تسعى لإفراغ المدينة من سكانها العرب.

التغير السياسي وحياة إميل حبيبي

على مدار حياته، كان حبيبي جزءاً من كافة التحولات السياسية. انخرط في حزب يهودي عربي مشترك، ثم ترك الأحزاب ليصبح حراً بما يكفي لتطوير أفكاره. ومع ذلك، ظل يدرك أن التغيير الجذري في السياسات الإسرائيلية لم يكن لصالح العرب، بل كان يعمل دائمًا من أجل بقائهم وتعزيز وجودهم في حيفا.

إميل حبيبي مع ياسر عرفات في معرض فناني فلسطين في مصر (أرشيفية)

حرص حبيبي على فهم السياسة العبرية بعمق، وخلق علاقات مع سياسيين من كلا الجانبين. رغم ذلك، ظل يحارب المخططات التي تهدف إلى نفي العرب من أماكنهم، وأبقى الأمل بحياة مشتركة رغم كل الصعوبات.

القلق الراهن: حيفا وأخواتها

مع تزايد التوترات العسكرية الحديثة، عادت حيفا لتكون تحت الأنظار. تعرضت المدينة لقصف من عدة جبهات، مما أثار حالة من الرعب بين السكان. منذ فترة، أصبح هناك شعور متنامٍ بأن الحكومة الإسرائيلية تُعد لمشكلة جديدة للعرب في إسرائيل، بعد انتهاء الصراع القائم.

ضابط شرطة إسرائيلي أمام مبنى سكني في مدينة الطيرة العربية وسط إسرائيل تعرّض لأضرار بسبب شظايا اعتراضات الصواريخ التي أُطلقت من لبنان (أرشيفية – إ.ب.أ)

عقود من التغيرات والتحديات

على مدى أربعة عقود، تطور الفلسطينيون في الداخل، وبلغ عددهم 1.9 مليون نسمة، يشكلون حالياً 19% من سكان إسرائيل. ورغم وجودهم كمواطنين، إلا أن خيبة الأمل لا تزال تطل برأسها بسبب النظرة المشبوهة التي تكنها لهم الحكومات الإسرائيلية على مر السنوات.

خلاصة القول، تشير الأحداث الحالية إلى أن العرب في إسرائيل يواجهون تحديات لا حصر لها، وتعكس حالة إميل حبيبي وضعهم الحالي بين ماضٍ مؤلم ومستقبل غير مؤكد.

رابط المصدر

## العدوان الثلاثي على مصر ومجزرة كفر قاسم

في عام 1956، نفذت قوات الاحتلال مذبحة كفر قاسم التي راح ضحيتها 49 شخصاً، بينهم نساء وشيوخ. هذه المأساة كانت محاولة لترهيب السكان ودفعهم للرحيل، لكنها باءت بالفشل حيث تمسك الناس ببيوتهم وأراضيهم.

متظاهرون في إسرائيل خلال أغسطس 2023 احتجاجاً على انتشار الجريمة في البلدات العربية (أ.ف.ب)

حياة تحت الحكم العسكري

عاش المواطنون العرب في إسرائيل 18 عامًا تحت حكم عسكري قاسي، حيث كان السفر بين المدن يتطلب تصاريح خاصة من الحاكم العسكري. حتى بعد إلغاء الحكم العسكري في عام 1966، استمرت المخابرات في ممارسة السيطرة، واعتقلت أكثر من 500 قائد سياسي احترازيًا خشية من نشوء مقاومة ضد الاحتلال.

وخلال حرب 1967، احتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، مما أدى إلى تخفيف الضغط على المواطنين العرب في تلك الفترات، إذ انشغل الاحتلال بتثبيت سلطته على الأراضي الجديدة. لكن المحاولات لفصل العرب بين الضفتين أخفقت، مما أدى إلى تلاحم قوي بينهم وبين الفلسطينيين والسوريين.

مسيرة ضد مشروع قانون إصلاح قضائي أثار الجدل في حيفا (أرشيفية – غيتي)

التمييز العنصري والنجاحات العربية

مارست السلطات الإسرائيلية سياسة تمييز عنصري ضد المواطنين العرب على مدار 76 عامًا، حيث قامت بتدمير أكثر من 400 قرية، وصادرت 80% من أراضيهم. وعلى الرغم من هذه القيود، تمكن العرب من تحقيق إنجازات ملحوظة في مختلف المجالات.

اليوم، يشكل العرب 19% من سكان إسرائيل، ولكنهم يمثلون 35% من الأطباء و45% من الصيادلة، بالإضافة إلى تواجدهم في مجالات متعددة مثل الهندسة والمحاماة. وهناك زيادة ملحوظة في التحاق النساء العربيات بالتعليم العالي، حيث تتجاوز نسبتهن النساء اليهوديات.

كما برز العديد من العلماء العرب في إسرائيل، مثل البروفيسور حسام حايك في الهندسة الكيميائية، والذي اخترع “الأنف الإلكتروني”، والبروفيسور سامر حاج يحيى، الذي شغل منصب رئيس أكبر بنك في البلاد.

ورغم هذه النجاحات، فإن سياسة التمييز وما يتبعها من قوانين تبقي على تمييز واضح، مثل قانون القومية الذي صدر في عام 2018، والذي يعطي حقوق تفوق للمواطنين اليهود.

التحديات السياسية

تحاول القيادات السياسية العربية التصدي لهذه السياسات التمييزية، حيث تتواجد 10 أحزاب عربية من أصل 120 نائبًا في الكنيست. ومع ذلك، يواجه النواب العرب تحديات كبيرة، حيث غالبًا ما يتم التعامل معهم بشكل عدائي من قبل الأغلبية.

في السنوات الأخيرة،ازدادت التشريعات التي تقيد الحرية وتعزز سياسات الفصل العنصري. يشعر العرب بأن القيادة اليهودية لم تتعلم من تجارب الماضي، رغم تعرضهم للتمييز.

التأثيرات الإنسانية على العرب خلال الحرب على غزة

يُظهر العرب في إسرائيل اهتمامًا وتأثراً عميقًا بما يجري في قطاع غزة، حيث يشعر الكثير منهم بأنهم جزء من نفس الشعب الذي يعاني. وعلى الرغم من أنهم لم يؤيدوا الهجمات على المدنيين، إلا أنهم يعبرون عن غضبهم تجاه ما يحدث لأهل غزة وأهل لبنان.

تشير التقارير إلى أن الغضب في المجتمع العربي في إسرائيل يتزايد مع استمرار الأزمات في غزة، مما يؤدي إلى تنظيم الاستنكارات والتظاهرات. ومع ذلك، تواجههم تحديات يومية، حيث يعيش المجتمع اليهودي في حالة من الخوف والقلق، مما يؤثر على العلاقات اليومية بين العرب واليهود في إسرائيل.

مخاوف العرب في إسرائيل وسط النزاع المتصاعد

تتزايد المخاوف في أوساط المواطنين العرب في إسرائيل، حيث يطرح البعض تساؤلات تتعلق بسلامتهم: “ما الذي يضمن ألا يفكر المتطرفون في الانتقام منا بسبب ما يحدث في ساحات الحرب؟”.

وفي خضم هذه المخاوف، تتزايد القلق مع تصريحات الوزراء المتطرفين، مما يؤثر سلباً على الشعور بالأمان. كما أدت الحكومة إلى توزيع آلاف التراخيص لحمل السلاح، مما زاد من التوترات. وجاءت أحدث الحوادث المقلقة في نهاية أكتوبر الماضي، حيث شهدت إسرائيل حادثة قتل رجل مسن وإصابة نحو أربعين شخصاً بجراح، وقد عُرفت هذه الحادثة بـ “محاولة دهس إرهابية” قرب مقر (الموساد). تحققت الشرطة الإسرائيلية فيما بعد، وأثبتت أن السائق، وهو مواطن عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية، كان ضحية لظرف صحي طارئ.

ارتفاع نسبة البطالة وتداعيات اقتصادية

لم تكن المسؤولية الأمنية هي القضية الوحيدة، بل إن الحرب أثرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للمواطنين العرب، حيث ارتفعت نسبة البطالة بينهم بشكل ملحوظ. ووفقا لبيانات بنك إسرائيل، تراجعت نسبة التشغيل بين الرجال العرب بنحو 27 في المائة، في حين كانت النسبة بين الرجال اليهود 11 في المائة. كما أن تداعيات الحرب على الاقتصاد العربي تتجاوز نسبة البطالة، حيث تأثرت العديد من المصالح التجارية العربية، بسبب الدعوات المتكررة في وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعتها.

وزير المالية، بتسليل سموترتش، قام بإجراء تقليصات كبيرة في موازنات الوزارات الحكومية، مما أثر سلباً على خطة تعزيز اقتصاد المجتمع العربي.

حملة اعتقالات وإجراءات صارمة ضد العرب

من جهة أخرى، بدأت المخابرات الإسرائيلية منذ بداية الحرب في تطبيق إجراءات صارمة تستهدف العرب بشكل خاص، حيث تم اعتقال أكثر من 300 شخص بتهمة التعاطف مع الإرهاب، ومن بينهم شخصيات مثل الفنانة دلال أبو آمنة والبروفيسورة نادرة شلهوب.

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

التأثيرات المتبادلة في الصراع

المواطنون العرب في إسرائيل يتحملون تبعات الحرب بشكل مضاعف، حيث يتعرضون للضغوط من الطرفين. فخلال حرب لبنان الثانية، وُجد أن نسبة كبيرة من الصواريخ استهدفت البلدات العربية، مما أدى إلى وقوع ضحايا عرب. وتكرر الأمر خلال الحرب على غزة عام 2014، وكذلك في النزاع الحالي.

تشير الإحصائيات إلى أن 22 عربيًا من بين 33 قتيلاً في الحرب الأخيرة وُجدوا في المناطق الشمالية، مما يعكس القلق والصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون 48.

الأمل في التعايش السلمي

يواجه المواطنون العرب في إسرائيل تحديات عدة تتعلق بمواطنتهم العربية والإسرائيلية في آن واحد. وعلى الرغم من التعقيدات، يسعى البعض إلى تعزيز التعايش السلمي والاحترام المتبادل كسبيل لتحقيق سلام حقيقي ومستدام في المنطقة.

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version