المساجد في بريطانيا.. منارات إسلامية في شهر رمضان | الثقافة

By العربية الآن

|
منذ ظهور الإسلام في بريطانيا مع التجار المسلمين الأوائل الذين وصلوا إليها في القرن السابع عشر، وزادت وانتشرت مساجد في بريطانيا في جميع أنحائها. ومع اقتراب عدد المسلمين في المملكة المتحدة اليوم من 4 ملايين، زادت أعداد المساجد في بريطانيا لتتجاوز اليوم 1500 مسجد.

وتتميز البلاد بعدد كبير من المساجد التاريخية ذات الهندسة المعمارية الفريدة والزخارف الإسلامية الرائعة، التي تجذب مسلمي بريطانيا على مدار العام، خاصة في شهر رمضان الكريم وأعياد الفطر والأضحى. وتستقطب مساجد بريطانيا العديد من الزوار بسبب أهميتها ومكانتها المقدسة بالنسبة للمسلمين وتصميمها المتميز والمعبر عن فن الهندسة المعمارية الإسلامية، وكانت وجهة جذب هامة للسياح من مختلف الديانات.

ويعود بناء أول مسجد إلى عام 1860 على يد البحارة الصوماليين واليمنيين خلال رحلاتهم بين عدن وكارديف (عاصمة ويلز وأكبر مدنها، جنوب المملكة المتحدة)، وكان يستخدم كمكان للصلاة. ووفقاً للمؤرخين، بدأ المسلمون المهاجرون إلى بريطانيا بإنشاء أماكن للصلاة في المنازل أولاً، ومن ثم تطوّرت إلى مساجد مع مرور الزمن وتوفر التمويل.

مسجد لندن المركزي

يُعتبر مسجد لندن المركزي واحداً من أضخم المعالم الإسلامية والثقافية في المملكة المتحدة. ويعتبر المسجد وجهة مهمة للمسلمين في العاصمة، خاصة خلال الأعياد والمناسبات الإسلامية وشهر رمضان. فلا تكتمل زيارة العاصمة لندن من دون زيارة مسجد ريجنت بارك بقبته الذهبية الضخمة.

الواجهة الخارجية للمسجد المركزي والمركز الثقافي حيث تظهر القبة الذهبية والفناء والمئذنة (شترستوك)

تم بناء المسجد بعد جهود ومحاولات متعددة في العقود الثلاث الأولى من القرن العشرين لبناء مسجد في وسط العاصمة البريطانية. ومن بين هذه الجهود كانت تلك التي بذلها اللورد هيدلي، الذي أسلم عام 1913 وغير اسمه إلى الشيخ رحمة الله الفاروق قبل وفاته عام 1953. توجت هذه الجهود بإقناع رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل بتخصيص أرض لبناء المسجد عليها عام 1940. وحصلت الجالية المسلمة على قطعة الأرض الفخمة المجاورة لحديقة “ريجينت” الشهيرة وسط لندن لإقامة المسجد عليها.

تأسس المسجد عام 1944 كمركز مؤقت، قبل أن يبدأ بناءه بتصميمه الحالي عام 1974، لينتهي البناء عام 1978. صمّم المسجد السير فريدريك جيبيرد، الذي فاز بتصميمه في مسابقة دولية. يشتمل المبنى على مئذنة بيضاء تبلغ ارتفاعها نحو 50 متراً وفي قمّتها هلال، وبجانبها قبة نحاسية وهلال. يتميز قبة المسجد من الداخل بفسيفساء، وتتألف جدرانه ونوافذه الكبيرة من ألواح خشبية، مما يسمح بدخول الضوء بشكل جيد إلى داخل المسجد، خاصة في أشهر الشتاء المظلمة في عاصمة الضباب.

يحتوي المسجد على العديد من المرافق التي تقيم فيها فعاليات وأنشطة، سواء كانت تعليمية أو ترفيهية، لديهم قاعة كبيرة للمحاضرات ومكتبة كبيرة تحتوي على نحو 24 ألف كتاب، بالإضافة إلى متجر خاص بالكتب والعطور، وبعض السلع الإسلامية.

ويقدم المركز الثقافي الإسلامي الملحق بالمسجد خدمات تعليميةتشمل مدرسة لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية لنحو 350 طالبا من مختلف الجنسيات والخلفيات الثقافية. ويذهب الطلبة إلى المدرسة في عطلة نهاية الأسبوع لاستقبال الدروس التي تحفز الثقافة العربية والإسلامية في المجتمع البريطاني. كما يقوم المركز أيضًا بمهمة تعزيز التعاون في مجالات الحوار بين الأديان وتعزيز ثقافة السلام والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة في المجتمع.

ويحمل المسجد دورا أساسيا في تقديم الخدمات والمساعدات المطلوبة لأبناء الجالية المسلمة في ما يتعلق بتنظيم الحياة الأسرية والزوجية من خلال الإجابة على جميع الاستفسارات وتقديم النصائح الدينية بشكل يضمن الاستقرار والاندماج في المجتمع البريطاني المتنوع. كما يوفر خدمات إصدار وتوثيق شهادات الزواج والطلاق واعتناق الإسلام وفقا للمسؤولين عن المسجد.

ويلتزم المسجد والمركز الثقافي بمبادرات مثل مبادرة “المسلم الجديد” التي تشكل شبكة دعم مجتمعية لأولئك الذين يرغبون في استقصاء الإسلام والانضمام إليه، وكذلك الراغبين في معرفة المزيد عن الدين. تضم هذه الشبكة أكثر من 4 آلاف فرد من تلك الفئات.

وتصدر المركز الثقافي التابع للمسجد مجلة أكاديمية فصلية كل 3 أشهر بعنوان “المجلة الإسلامية الفصلية” تضم مقالات بحثية عديدة عن الحضارة الإسلامية ومواضيع تهم الباحثين في مجال التراث الإسلامي.

ويقول مسؤولو المسجد إنه يتحول في شهر رمضان الكريم إلى مقصد للمسلمين في العاصمة الذين يأتون لأداء الصلوات، وخاصة صلاة الفجر والمغرب والتراويح.

مسجد كامبردج الكبير

بالرغم من حداثة بناء مسجد كامبردج الكبير، إلا أنه أصبح واحدا من أشهر مساجد المملكة المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية. يميز المسجد بكونه أول مسجد صديق للبيئة في أوروبا. بدأت عملية إنشاء المسجد عام 2008 عندما قدم الطلاب المسلمون في المدينة طلبًا لتيموثي وينتر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كامبردج، لبناء مسجد بسبب الازدياد في عدد المصلين.

وتم شراء الأرض اللازمة لبناء المسجد بمبادرة من وينتر، وشارك حوالي 10 آلاف فرد ومؤسسة، بمن فيهم مؤسسات من قطر وتركيا، في التبرع لبناء المسجد وعُقدت مسابقة لاختيار التصميم الذي يراعي العمارة والفن الإسلامي وحماية البيئة. يتكون المسجد من حديقة ومدخل ذو أعمدة وحديقة داخلية ومكان للوضوء ومقام لغسل الأموات.

انتهى بناء المسجد، الذي يتسع لألف شخص، في أبريل 2019 وافتتح بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام. استخدمت في بنائه مواد طبيعية مثل الخشب والرخام وتتميز التصميمات بـ “صفر بصمة كربونية”. تم تثبيت لوحات طاقة شمسية فوق سطح المسجد لتوليد الكهرباء حيث يتولى 30% من احتياجات المسجد من الكهرباء.

يتم نقل الهواء الساخن إلى خزانات كبيرة تستخدم لتسخين المياه وتدفئة أرضية المسجد، كما يضم المسجد مستشعرات تقوم بتحديد نقص الأكسجين أو ارتفاع درجة الحرارة وتوفير هواء نظيف.

أصبح المسجد مركز اهتمام للمسلمين وغير المسلمين بفضل جمال تصميمه واستدامته، وفقًا للمسؤولين. يأتي بعض الزوار من مدن بعيدة فقط لزيارته والصلاة فيه، ويعتبره العديد من الزوار معلمًا أثريًا.

يقدم المسجد دور توعوي كبير للمسلمين في المدينة التي تضم الجامعة الشهيرة، خاصة خلال شهر رمضان الكريم. وقد نظم المسجد مؤخرًا سلسلة من الندوات والفعاليات التي تتحدث عن تحضيرات الصوم بشكل صحي وعادات التغذية والصحة والتمارين البدنية وتمارين الرقية التيينبغي اتّباعها خلال شهر رمضان المبارك.

مسجد شاه جهان

أما مسجد شاه جهان، فتعود تأريخ بنائه إلى عام 1889 بتمويل من السيدة شاه جهان، وهي حاكمة مسلمة حكمت منطقة “بهوبا” في الهند خلال القرن التاسع عشر. وقام المهندس البريطاني غوتليب لايتنر بتصميم المسجد، ليكون مكاناً للعبادة للطلاب “معهد الدراسات الشرقية” قرب بلدة ووكينغ في محافظة ساري.

يعود تأريخ بناء مسجد شاه جهان إلى عام 1889 (شترستوك)

وقام المهندس المعماري ويليام تشامبرز بتصميم المسجد باستخدام مزيج من الصخور والحجارة الكلسية، إضافة إلى الأحجار الرملية المتينة. واستوحى تصميمه من العمارة العربية وغيرها، الأمر الذي اتضح في قبته الرائعة وعدد من المآذن المتفاوتة في الارتفاع، جنبًا إلى جنب مع مداخله القوسية.

يحمل المسجد تاريخًا طويلًا وخاصًا مع المجتمع الهندي المسلم في بريطانيا، إذ كان وجهة للموظفين الهنود الذين كانوا يعملون في محيط ملكة فيكتوريا في نهاية القرن التاسع عشر، من بينهم معلمها الهندي المسلم عبد الكريم، الذي كان ينتقل إلى المسجد خلال زيارات الملكة لقلعة وندسور القريبة.
أصبح المسجد في بدايات القرن العشرين مركزًا رئيسيًا للإسلام في بريطانيا. وخلال الحرب العالمية الأولى في الفترة من 1914 إلى 1918، وافقت السلطات البريطانية على تحويل قطعة أرض مجاورة للمسجد إلى مقبرة لدفن رفات الجنود الهنود المسلمين الذين قضوا في المعارك داخل صفوف الجيش البريطاني.

وعلى الرغم من الفيضانات التي ضربت المنطقة المحيطة بالمجلس في صيف عام 2016، فإن ذلك لم يعيق استمرار المسجد في أداء دوره الديني والاجتماعي حتى اليوم.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version