اليونان المنتعشة بين فكي السياحة المفرطة والتغير المناخي
وفقًا للبيانات الحكومية، استقبلت اليونان أكثر من 32 مليون سائح في عام 2023، ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد سكان البلاد، وبلغت العائدات السياحية 20.5 مليار دولار. ويتوقع خبراء السياحة أن يرتفع إجمالي عدد السياح إلى حوالي 40 مليون في عام 2024.
تشير البيانات إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي زاد بنسبة 7% منذ تولي رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس الحكم في عام 2019، وهو معدل يفوق العديد من الاقتصادات الكبرى في أوروبا، بما في ذلك ألمانيا (1%) وفرنسا (1%) وإيطاليا (2%) وإسبانيا (-2%) والمملكة المتحدة (1%) والولايات المتحدة (4%).
وتخلص اليونان أيضًا من فترات الانهيار في سوق العمل، حيث سجلت معدل بطالة قياسيًا بلغ 25% في ذروة الأزمة المالية، لتنخفض إلى 10.8% بحسب آخر تحديثات في أبريل 2024، بينما تجاوز عدد الموظفين حاجز 4.3 مليون شخص، وبالتالي يعود هذا المستوى إلى معدلاته السابقة منذ سبتمبر 2009.
صرح ميتسوتاكيس، الذي فاز بولاية ثانية مدتها 4 سنوات في ماي 2024، بأن “اليونان ستكون بحلول عام 2030 دولة مختلفة تمامًا”، معتبرًا أن البلاد نجحت في تحقيق مسار نمو مرتفع مع التزام مالي فعال في نفس الوقت.
سياحة في حالة إشباع
تعتبر السياحة محركًا أساسيًا للاقتصاد اليوناني، حيث تمثل قرابة 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم في توفير نحو واحدة من كل أربع وظائف. لكن هذه المكانة الحيوية أصبحت تواجه تهديدات ملحوظة.
تعد جزيرة سانتوريني، الواقعة في southeastern اليونان، المثال الواضح للسياحة بكامل زخمها، إذ تُعد واحدة من أشهر الوجهات في حوض البحر الأبيض المتوسط، وما إن استقبلت أعدادًا كبيرة من السياح حتى واجهت مخاطر السياحة المفرطة. وفقًا للإحصائيات، أشار عمدة المدينة نيكوس زورزوس إلى أن واحدًا على الأقل من بين كل 4 سياح زاروا اليونان في 2023 قد أمضى وقتًا في “سانتوريني”.
أداء السياحة لا يختلف في بقية الجزر اليونانية. فعلى سبيل المثال، جزيرة باروس، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة، تستقبل نصف مليون سائح سنويًا تقريبًا، بينما جزيرة ميكونوس، التي تمتلك نفس عدد السكان، استقطبت أكثر من مليوني سائح في عام 2022. أما العاصمة أثينا، فقد استقبلت أكثر من 7 ملايين سائح في عام 2023، مع توقعات بزيادة هذا الرقم بنسبة 20% في 2024.
يربط بعض المراقبين هذه الطفرة في تدفق السياح بتراجع أداء السياحة في تركيا، ولكن هل يمكن اعتبار هذا الثنائي مترابطين؟
هل استفادت اليونان من تراجع تركيا؟
وفي حديثه لوسائل الإعلام، أشار وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك إلى أن تركيا حققت أفضل أداء لها على الإطلاق في قطاع السياحة في عام 2023، حيث حققت عائدات بقيمة 54.3 مليار دولار، واستقبلت 57.1 مليون سائح، من بينهم نحو 4 ملايين سائح عربي، بزيادة تصل إلى 11.1% مقارنة بالعام السابق.
ومع ذلك، هناك علامات استفهام حول استمرارية هذا النجاح في عام 2024، حيث تشير بعض المؤشرات إلى تراجع محتمل في القطاع، مما يعزز السياحة في اليونان بصورة غير مباشرة.
ووفقًا لاتحاد وكالات السفر التركية، فإن نسبة الإشغال في أماكن الإقامة ذات الأسعار المعقولة في الوجهات الشهيرة، مثل بودروم ومرماريس، لا تتجاوز 50% خلال موسم الذروة، حيث سجلت نسبة الإشغال الغرف تراجعًا يتراوح بين 15 إلى 20% في المتوسط حتى أغسطس/آب 2024.
سياح أتراك إلى اليونان
بسبب زيادة معدلات التضخم في تركيا، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية، وهذا ما دفع العديد من الأتراك إلى التوجه إلى الجارة اليونان. ووفقًا للبيانات الرسمية من وزارة السياحة اليونانية، دخل أكثر من 316 ألف سائح تركي إلى اليونان بين يناير وأبريل 2024، بزيادة تقارب 50% مقارنة بالفترة نفسها في 2023، مما جعل السوق التركية أكثر نموًا في السياحة الخارجية لليونان.
في أبريل/نيسان 2024، أقدمت السلطات اليونانية، بعد أشهر من اللقاء التاريخي بين رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على تقديم “التأشيرة السريعة”، لتسهيل دخول السياح الأتراك إلى 10 جزر يونانية.
على الرغم من التحديات، لا يزال العاملون في قطاع السياحة التركي ينظرون بتفاؤل للمستقبل، في وقت ينتظرون السيطرة على مستويات التضخم المرتفعة. تعتبر تركيا وجهة سياحية متنوعة وتنافسية دوليًا، ولا تواجه مشاكل ذات صلة بالبنية التحتية أو مشكلة الطاقة الاستيعابية مثل اليونان.
من نعمة إلى نقمة
تواجه الحكومة اليونانية تحديًا حقيقيًا بين ضرورة التدخل لحماية السياحة من العواقب السلبية لتزايد أعداد السياح، وبين الحفاظ على وتيرة النمو وحماية العديد من فرص العمل. من المهم أيضًا الإشارة إلى معاناة المواطنين اليونانيين نتيجة ارتفاع العقارات والإيجارات، نتيجة التدفق الكبير للسياح.
يشير عمدة سانتوريني إلى أن هذا الوضع الجديد جعل العديد من المناطق السياحية بعيدة عن متناول أغلب السكان المحليين والطبقة المتوسطة. وتسبب هذا أيضًا في اختناقات مرورية ومشاكل بيئية نتيجة تراكم النفايات.
معدل الكثافة السكانية المرتفع في المناطق السياحية مثل سانتوريني، حيث يوجد حوالي ألف ساكن لكل كيلومتر مربع، يهدد إمدادات المياه والكهرباء. بدأ بعض المسؤولين المحليين في الجزر بدق ناقوس الخطر، خاصة في ظل تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري.
عرفت اليونان شتاءً يعد الأكثر دفئًا منذ عام 1960، وواجهت حرارة غير معتادة بالكامل. وفقًا للأرصاد الجوية، يعد شهرا يونيو ويوليو الأكثر سخونة في تاريخ اليونان، حيث تجاوزت درجات الحرارة عدة أيام حاجز 40 درجة.
أعلنت عدة جزر، مثل ليروس وسيفنوس وأجزاء من كريت، حالة الطوارئ بسبب نقص المياه، حيث أثرت سنوات من الانخفاض الشديد في الأمطار على الخزانات والمصادر الجوفية.
في يوليو الماضي، أرسلت البحرية اليونانية ووزارة الدفاع سفنًا تحمل المياه إلى جزيرة ليروس لتلبية احتياجات السكان المحليين.
تظل العاصمة أثينا واحدة من أكثر العواصم حرارة في أوروبا، وتتعرض لتبعات تغير المناخ بسبب قلة المساحات الخضراء، والاستنزاف الكبير لمواردها خلال موسم السياحة.
بينما بدأت العديد من الدول الأوروبية في اتخاذ خطوات للسيطرة على السياحة المفرطة، مثل إجراءات برشلونة لتقنين الإيجارات قصيرة الأجل، تسعى أثينا أيضًا لتبني إجراءات أكثر شمولية، دون الإعلان عن أي خطط رسمية للتحكم في هذا الوضع الخطير الذي يواجه قطاع السياحة.
رابط المصدر