انتخابات الموريتانية للرئاسة.. تحليل فرص المرشحين وسماتهم
العديد من السياسيين في موريتانيا يتنافسون لنيل منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المزمع عقدها في 29 يونيو/حزيران المقبل، ضمن سياق إقليمي يشهد تباينا بين الدول المجاورة لموريتانيا والمؤثرة بالمصالح المشتركة والتفاعل الاجتماعي.
في الجنوب، تمكنت المعارضة السنغالية من الحصول على السلطة بإرادة الناخبين وصناديق الاقتراع، أما في الشرق، فإن مالي لا تزال تعيش زمن الانقلابات والحكم العسكري الذي يميز العديد من دول غرب أفريقيا.
وفي ظل هذه الأوضاع وفي سياق أزمة الثقة بين الأحزاب السياسية واللجنة المستقلة للانتخابات التي وُجهت إليها اتهامات بالتلاعب في الانتخابات التشريعية والبلدية في عام 2023، أعلن 8 مرشحين حتى الآن عزمهم المشاركة في الانتخابات المقررة في 29 يونيو/حزيران 2024.
ويجدر بالذكر أن تاريخ الموريتانيا شهد سلسلة من الانقلابات العسكرية بين عامي 1978 و2008، دون أن يشهد أي تغيير في النظام الحاكم.لا يحق للطرف السلطين بين رؤساء منتخبين إلا في السنة 2019.
تقدم الجزيرة نت في هذا التقرير قائمة بأهم المرشحين وخلفياتهم وتقييم فرصهم وكذلك تحدياتهم الرئيسية.
ينتمي المتنافسون في الانتخابات القادمة إلى فريقي الداعمين والمعارضين، في حين غابت الشخصيات التقنوقراطية والمستقلة عن الساحة السياسية.
<ه2 id="المترشحون-المنضمون-الى-النظام">المترشحون من النظام:
1- القائد الذي يتطلع لولاية ثانية
عرض محمد ولد الشيخ الغزواني ملفه أمام المجلس الدستوري كأول مرشح للرئاسة، وعلى الرغم من أن الحزب الحاكم كان يستعد لإعلان ترشح الرئيس في حدث كبير لكشف نيته وبرنامجه أمام الشعب، اختار الرئيس سبيلا مختلفا حيث أعلن ترشحه من خلال رسالة مكتوبة بجميع لغات البلاد وموجهة للشعب الموريتاني.
يبلغ ولد الغزواني من العمر 67 عاما وهو المرشح المُرجح من جانب الأغلبية الحاكمة، تسلم رئاسة البلاد في 2019 وما زالت الدستور تخوله فترة رئاسية ثانية.
دخل السياسة قادما من الجهاز العسكري حيث تقاعد كفيلقدم، وشغل منصب رئيس أركان الجيش ومدير عام للأمن الوطني في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، مما أمن له معرفة شاملة بالواقع السياسي والاجتماعي.
يُعد الرئيس ولد الغزواني من الشخصيات العسكرية البارزة التي شاركت في الانقلاب عام 2008 ضد الرئيس المدني المنتخب أول في تاريخ موريتانيا، وكذلك شارك في الانقلاب على العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في 2005.
الجنرال غزواني يحظى بدعم من الجهاز العسكري والنخبة السياسية التقليدية التي تتضمن رجال الأعمال وكبار شيوخ القبائل وأحزاب مقربة من السلطة.
ينحدر من عائلة صوفية تحظى بتأييد ومحبة واسعة في مجتمع موريتانيا ويمتلك صلات وثيقة مع مختلف التيارات الصوفية التي تتمتع بتأثير وتوجيه كبير.
تشير دراسة أعدها مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية إلى أنه قد يحقق نجاحا أعلى في جولته الأولى مقارنة بعام 2019، حيث حصل على نسبة 52% من أصوات الناخبين.
يلقى ولد الغزواني تحديات عديدة أهمها انتشار البطالة بين الشباب وارتفاع الأسعار والهجرة التي تم التوصل لاتفاق حديثا مع الاتحاد الأوروبي وأثار جدلا كبيرا بين النخب السياسية والنشطاء الحقوقيين في البلاد.
تزايدت التوترات الأمنية مع مالي، مما أدى إلى تصاعد الانتقادات الموجهة له، حيث تستضيف حكومته نحو 200 ألف لاجئ من مالي، وتقوم قوات مرتبطة بباماكو بخطف مواطنين موريتانيين بين الحين والآخر على الحدود الشائكة بين البلدين.
عودة رموز الأنظمة السابقة للمشهد السياسي والسلطوي في فترة حكمه تسببت في اتهامات من قبل العديد من خصومه بالتفاهم مع الفاسدين وإعادة البلاد إلى فوضى سابقة وغياب الإرادة في مجال البناء والتطوير.
2- ولد الوافي.. شاب صديق للنظام
من بين المرشحين المرتبطين بالفئة السياسية الحاكمة يأتي محمد الأمين المرتجى الوافي، وهو موظف مالي سابقا، كان قد خاض انتخابات 2019 ولم يحصل سوى على نسبة لا تتجاوز 1%.
سلم ملف ترشيحه للمجلس الدستوري في 3 مايو/أيار الحالي، ليكون في المرتبة ثانية بعد الرئيس ولد الغزواني.
حصل على دعم من العديد من المستشارين التابعين للحزب الحاكم في موريتانيا.
في تصريحاته، أكد ولد الوافي أنه عازم على تحقيق النجاح في هذه الفترة بدءا من عام 2019.
يعتقد مراقبون أن السلطة الحاكمة هي التي تقف وراء ترشيحه لزيادة عدد المتنافسين في السباق الرئاسي.
المنافسون السياسيون
3- وُلد سيدي المختار.. زعيم الفريق السياسي المعارض ومرشح الجماعات الدينية
بعد مدّة من التردد في ترشيح مرشح خاص، قرر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (توجه ديني) ترشيح رئيسه يمدي ولد سيدي المختار الذي يتسم بقيادته للمعارضة الديمقراطية بناءً على نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية لعام 2023، حيث أصبح حزبه الأكثر تمثيلاً في قائمة الأحزاب المنافسة بـ11 مقعداً من بين 176.
قبل دخوله المجال السياسي، كان وُلد سيدي المختار فقيها وخطيبا ومرشداً، وهو من أبناء الحركة الدينية ذات التوجه الدعوي المهتمة بالمشاركة السياسية.
ولد سيدي المختار في عام 1975 في ولاية لعصابة (600 كم شرق العاصمة نواكشوط)، وهي نفس ولاية الرئيس الحالي ولد الغزواني. نشأ في أسرة ذات خلفية علمية مرموقة معروفة بالثقافة والتفوق العلمي.
حصل على تعليمه الأساسي في المدارس الدينية حتى أصبح من رموز الفقه والدعوة في منطقته، ثم انتقل إلى التعليم النظامي وتخصص في الشريعة الإسلامية.
انتقل وُلد سيدي المختار من مجال الوعظ والتوجيه إلى الساحة السياسية وفاز بمقعد نيابي مرتين عن دائرة كيفه في شرق موريتانيا.
وبعد أزمة انسحابات عاشها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) اختير وُلد سيدي المختار رئيسا للحزب في عام 2022، وفاز بنسبة 86% من أصوات المؤتمرين.
يتميز بخطابه المعتدل ويحظى بقبول عام، حيث أثرت خلفيته الفقهية بشكل كبير على مكانته.
يواجه زعيم المعارضة تحديات عدة، بما في ذلك تفكك القيادات الحزبية وانضمام بعضها إلى السلطة الحاكمة، بينما أسس رئيسه السابق محمد جميل منصور حزباً جديداً وأعلن دعمه للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
4- بيرام الداه اعبيد
وُلد عام 1965 وحاز على شهادة متعمقة في التاريخ وعمل ككاتب ضبط في المحاكم منذ عام 1988.
بدأ يلمع سياسياً في عام 2007 كناطق إعلامي في حملة المرشح الرئاسي السابق زين ولد زيدان.
عارض السلطات مراراً ودائماً مناهضاً الفساد والاختلاس ونادى بمحاربة العبودية وآثار الرق.
واجه السجون عدة مرات في سبيل قضيته، كما فاز بمقعدين نيابيين في البرلمان متتاليين.
أعلن ترشحه للرئاسة في 29 يونيو/حزيران من خلال حدث جماهيري وصف نفسه فيه بمرشح يرفض الفساد ويناضل ضد سوء استغلال المال العام.
سبق له أن ترشح في الانتخابات عام 2014 و2019 حيث احتل المركز الثاني بنسبة 18.58٪.
له خطاب جذاب يركز على مكافحة الفساد والرشوة بالإضافة إلى التحديات التي واجهته مثل حرق الكتب وانتقاد بعض العلماء.
5- العيد ولد امبارك
وُلد العيد ولد محمدن امبارك محام وسياسي ناشئ عام 1979 وانضم إلى الهيئة الوطنية للمحامين عام 2006.
نُختير نائباً في البرلمان.في عام 2018، تم اختياره عضوًا ونائبًا لرئيس محكمة العدل العُليا، وتمت إعادة انتخابه في البرلمان عام 2023.
ولد محمدن يتمتع بعلاقات طيبة في الميدان الأكاديمي والقانوني، ويتميز بخطابه المعتدل في القضايا الوطنية.
على الرغم من انتمائه للمعارضة، يُعتبر ولد محمدن ليس بعيدًا عن الدائرة القريبة للنظام الحاكم من قِبل الأوساط السياسية الموريتانية.
يُواجِه ولد محمدن تحديات مُتعددة تكمُن في عدم تجربته داخل السلطة، إذ لم يسبق له أن تولى منصبًا حُكوميًا، وكذلك تعدد المرشحين من المعارضة الذي قد يُقلل من عدد الأصوات الداعمة له.
6- ولد عبد العزيز.. الرئيس السجين
من بين المرشحين البارزين في الانتخابات القادمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي يُقبع في السجن منذ سنتين.
بعد خروجه من الحُكم، اتُهمته لجنة تحقيق برلمانية بسوء استخدام السلطة وتزوير الأموال العامة، وصدر حُكم بحقه من محكمة ابتدائية بالسجن لمدة 5 سنوات واستولاء على الممتلكات المُحصَّلة بطرق غير قانونية، وهو الأمر الذي نفاه أنصاره واعتبروه ضحية لتوجهاته السياسية.
بالرغم من أن ولد عبد العزيز حصل على شهادة النزاهة القضائية التي تُعتبر شرطًا في قبول مُلف الترشح، إلا أنه قد يصطدم بالدستور الذي ينص على أن الرئيس يُنتخب لولايتين فقط.
لكن فريقه القانوني يُعتقد أن النص الدستوري يمنع أكثر من ولايتين متتاليتين فقط، وليس هناك عائق يمنعه من الترشح لولاية ثالثة منفصلة.
شخصيات أُخرى
في السباق الرئاسي، تظهر شخصيات سياسية جديدة على الساحة السياسية، والتي لم تحظ بانتخابها في البرلمان أو المجالس البلدية من قبل.
من بين الأسماء البارزة التي أعلنت رسميًا عن ترشحها الأستاذ الجامعي الدكتور نور الدين ولد محمدو، والدكتور محمد ولد الشيخ، والسياسي والقانوني هارون ولد الشيخ سيديا.
بالرغم من أن الشخصيات المذكورة تبحث عن توقيعات المُنتخبين المحليين لإكمال شروط الترشح، إلا أن أصواتها ستكون مؤثرة لصالح من يدعمها إذا لم تُحسم النتائج في الجولة الأولى.
مسارات المشهد
تأتي الانتخابات الحالية في ظل تغيرات جديدة على الساحة السياسية الموريتانية، إذ أعلن زعيم المعارضة التقليدية ورئيس تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه دعمه للرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني والانضمام إلى صفوف الولاء، فيما أعلن رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية الدكتور محمد ولد مولود دعمه للمحامي العيد ولد امبارك.
وفي هذه التغيّرات التي تشوش قراءة الساحة السياسية ونتائجها، يأتي انسحاب عدد من رموز الإسلاميين المرتبطين بجماعة الإخوان من صفوف المعارضة والتعاون مع المرشح والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقد ناشد عدد من المتنافسين للرئاسة بضرورة نزاهة الانتخابات وحذروا من التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين.
يرى المحلل السياسي الدكتور محمد ولد عبد الله أن زيادة الوعي السياسي واهتمام الشباب بالمشاركة في الانتخابات يجعل التكهن بنتائج الانتخابات أمرًا صعبًا للغاية.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أشار ولد عبد الله إلى أن الرشح النظامي هو المُرشح المُفضل نظرًا لتسيطر الدولة على وسائل التأثير التقليدية التي تشمل شيوخ القبائل ورُجال الأعمال.