انقضى 51 عامًا من الغياب المدوي لتيسير السبول كالكويكب الذي ترك وراءه ضجيجًا كبيرًا.

By العربية الآن

رحيل الشاعر تيسير السبول: 51 عامًا من الغياب المدوي

تيسير السبول الشاعر الأردني
أعمال تيسير السبول القليلة أسست لمكانة مميزة في تاريخ الأدب العربي الحديث (مواقع التواصل)

يظل الشاعر والروائي الأردني تيسير السبول حاضراً في الذاكرة بعد 51 عامًا من غيابه المأساوي؛ حيث وُلد في 15 يناير 1939 في الطفيلة (حوالي 150 كم جنوب عمان).

قدّم السبول إنجازات إبداعية بارزة قبل أن تفجع الساحة الأدبية الأردنية والعربية بانتقاله المفاجئ إلى عالم آخر، إثر انتحاره يوم 15 نوفمبر 1973. عكس تاريخ حياته المأسوي تجارب مبدعين سبقوه مثل الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي، الذي أقدم على الانتحار في سن مبكرة.

تتيح تأثيرات شعره التفكر في مأساة حياته؛ فقد كتب قبل 15 عامًا من وفاته مشيراً إلى مشاعر قوية تعصف بالناس. كان يُحلّل قصيدة “غيمة في بنطال”، مشبهًا نفسه بماياكوفسكي، الذي خودع بالأسئلة حول الحب والحياة.

اختار السبول نهاية مأساوية بعد مرور فترة قصيرة على حرب أكتوبر 1973، إذ تداخلت الفشل الشخصي مع الأزمات العامة، ليصبح هو وبطله عربياً يحمل الأوجاع المتوالية للأمة.

أعمال تيسير السبول

تبرز آثار تيسير السبول في ديوانه “أحزان صحراوية”، الذي كتبت قصائده بين 1959 و1967 وأصدر في 1968. انتقل بعدها إلى الكتابة القصصية وانتج رواية “أنت منذ اليوم” التي فازت بجائزة ملحق جريدة النهار اللبنانية.

على الرغم من قلة أعماله العددية، إلا أن جودة كتاباته ضمنت له مكانة مرموقة في الأدب العربي الحديث، حيث تُعتبر قصة حياته ونهايته المأساوية حوافز متكررة للشغف بقراءتها، ما جذب اهتمام النقاد والباحثين إلى ثراء أعماله.

شعر تيسير السبول

ترك تيسير سبول ديوان شعري متميز، وتمثل أعماله قيماً أدبية رفيعة وقصة حياة مأسوية، مما يستدعي استمرار الإشارة إليه في الأدب والشعر العربي.

### “أحزان صحراوية”: ديوان يعبر عن العاطفة والغربة

صدر ديوان “أحزان صحراوية” للشاعر تيسير السبول، الذي كتب قصائده بين نهاية الخمسينيات وحتى عام 1967. وقد نُشرت أعماله في عدد من المجلات الأدبية المرموقة في تلك الفترة، مثل الآداب والأفق الجديد والأديب والثقافة، حيث أثارت موهبته اهتمام النقاد ضمن موجة شعر الستينيات في الأردن وفلسطين. وقد تميز بجانب شعراء بارزين آخرين، من بينهم أمين شنار وعبد الرحيم عمر وسليم دبابنة، الذين اتبعوا نهج قصيدة التفعيلة.

### أسلوب دافئ ومشاعر عميقة

يتسم ديوان “أحزان صحراوية” بالعاطفية والحنين، حيث يتداخل إيقاع القصائد مع الصياغات الداخلية الناتجة عن حساسية خاصة للغة والموسيقى. تميل معظم قصائد الديوان نحو أسلوب غنائي يعبر عن مشاعر الحب الخائب، والغياب، والوحدة، والفراق، مما يعكس عواطف حزينه آسفة، ويعيد إلى الأذهان روح الشعر العربي القديم.

### الوجودية والتأمل في الواقع

في بعض قصائد الديوان، تظهر التأثيرات الوجودية التي جرفت إلى شعر الخمسينيات والستينيات بسبب نشرات دار الآداب ومجلة الآداب. حيث تمتزج فيها مفردات السأم والعبث والقلق، مما يمنح القصائد عمقاً إضافياً ويظهر تفاعلات السبول مع تراثه الثقافي العربي والإسلامي، خصوصا مع شعر المتنبي ورموز مثل المعري ورباعيات عمر الخيام.

### الخيال وأساطير شعريه

تتجلى التأثيرات الشعرية الأخرى، كالأناقة الأسطورية المستمدة من شعراء مثل بدر شاكر السياب، حيث حاول السبول توظيف الأسطورة بشكل غنائي. لكنه لم يغتنم هذا الاتجاه بقوة، بل استخدمه لتوسيع آفاق قصيدته مع الإبقاء على طابعها الأساسي.

### تنوّع التعبير الشعري

من خلال بعض مقاطع الديوان، تتبدى شاعرية السبول، كما يظهر في اقتباساته المعبرة، حيث يبرز التركيز على موسيقى القصيدة والعاطفة المذهلة. لعل ما يجعل القصائد مميزة هو ترديدها لمشاعر صاحبها وحواسه الذاتية، مما يعزز الارتباط بين الشاعر وتجربته الحياتية.

### “مرحبا”: قصيدة تعكس مشاعر فراق مؤلمة

تظل قصيدته “مرحبا” واحدة من أكثر أعماله دافئًا وتأثيرًا، بما تحمله من بساطة ودفء، حيث يسجل فيها الإحباط والخسارة في علاقته بالماضي. توضح الكلمات مدى الألم الناتج عن الفراق، وتعبر بشكل قوي عن عدم جدوى التواصل في ظل ذكريات مؤلمة.

### “أنا يا صديقي”: رسالة حزن وتأمل

تتضمن إحدى قصائد السبول رسالة تشبه الوصية، موجهة إلى “الصديق” المجهول، تعكس تجربة الشاعر في مواجهة واقعه، متسائلاً عما سيؤول إليه مصيره في المستقبل وكيف ستؤثر تلك الاختلافات في مسيرته.

### “أنت منذ اليوم”: رواية تعكس واقعاً مريراً

تُعتبر رواية “أنت منذ اليوم”، التي كتبها تيسير السبول في عام 1967، من أبرز أعماله، حيث تتناول موضوع الهزيمة والواقع المرير الذي عاشته الأمة العربية. تعرض الرواية سرداً مؤثراً لأحداث 1967، وتتناول تدهور الأوضاع الثقافية والسياسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، وتبرز التشوهات التي أصابت الواقع العربي، من خلال عيون شخصية رئيسية تعيش مأساة تلك الفترة.

### شهرة واسعة وإشادة من النقاد

على الرغم من كون “أنت منذ اليوم” رواية قصيرة، إلا أنها لاقت اهتماماً كبيراً من النقاد والقراء، وأصبح لها مكانة خاصة في الأدب العربي الحديث.!تمكنت من جذب الانتباه بشكل كبير

### رواية جديدة ومبتكرة

تُعتبر هذه الرواية واحدة من أبرز الأعمال الأدبية في نهاية الستينيات، حيث نالت شهرة واسعة بفضل أسلوبها المبتكر ورؤيتها النقدية للواقع. تعد من أوائل الروايات التي قامت بتحدي الواقع من خلال النقد والعرض، إذ خرجت عن النمط الروائي التقليدي. وكسر كاتبها الزمان والمكان، مزجًا بين اللقطات والصور بدلاً من التركيز على السرد المفصل.

### تقنيات سردية جريئة

تتميز هذه الرواية باستخدام تقنيات سردية متعددة وجريئة، مثل توظيف الأحلام والكوابيس، إلى جانب تفتيت الزمن والمكان، ومزج المفارقات والسخرية. كما اعتمد الكاتب على تقنيات سينمائية تتضمن القطع والحذف، مما أتاح حرية الحركة بين مختلف المشاهد.

علاوة على ذلك، سعى المؤلف لاستحضار التاريخ وربط المواقف التراثية برؤية سردية جديدة، حيث تأخذ الرواية في اعتبارها أيضًا بعض الخصوصيات المحلية من خلال الأمثال والتعبيرات الشائعة.

### لغة متعددة الطبقات

يتجلى انشغال الكاتب بلغة الرواية المتعددة الطبقات، حيث امتازت بتنوع مستوياتها من السرد إلى الشعر إلى اللغة الإعلامية، مما يثري النص ويجعل القارئ يعيش تجارب متباينة. وفي هذا السياق، يبدو أن الرواية عاكسة للغة مختلف فئات المجتمع، حيث تُستخدم لغة تناسب كل موقف، ما يدعو إلى التفكير في تعدد الأصوات واللغات داخل النص.

### “الميتا سرد” وتجربة الراوي

استخدم الكاتب تقنية “الميتا سرد” بشكل مبكر، حيث يتحدث البطل “عربي” مع أصدقائه عن العمل الغامض الذي ينشره. بالإضافة إلى ذلك، تنوعت أساليب السرد؛ بين الراوي الشخصي الذي يعبر عن ذاته وبين الراوي العليم، مما أضفى أسلوبًا تجريبيًا على النص.

ورغم تنوع التقنيات المستخدمة، حافظت الرواية على عنصر العفوية والتدفق، مما يجعل القراءة سهلة وممتعة، مع كثافة عاطفية تُشبه أثر الشعر أكثر من السرد التقليدي.

### آثار نكسة حزيران 1967 في الرواية

ترتبط هذه الرواية بهزيمة حزيران 1967 ارتباطًا وثيقًا، إذ كُتبت في أعقابها. تعكس الرواية بوضوح آثار الهزيمة على الشخصية الرئيسية “عربي”، خاصة في الفصول الأخيرة التي تصور تداعيات هذه الهزيمة. وتجسد تجربة الكاتب “تيسير السبول” ورحلته إلى نهر الأردن بعد انتهاء الحرب، حيث كان يحاول فهم الآثار المباشرة للهزيمة.

### نقد الواقع العربي

تكشف الرواية عن هشاشة الواقع العربي من خلال تصويرها للجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية، مُعبرة عن تمزق المجتمع. استخدم السبول أسلوب التجزئة عمدًا، حيث تنقسم الرواية إلى تسعة فصول، يبرز كل منها عناصر ومشاهد منفصلة تجعل من المستحيل تتبع خيط سردي موحد.

### بطل الرواية

بطل الرواية ليس فقط شخصية تقليدية بل يتميز بالضعف والمشاركة في الواقع المؤلم. فهو يُظهر تردده وعدم قدرته على مواجهة التحديات، مما يجعله ضحية وليس بطلًا تامًا. يعكس ذلك من خلال تصرفاته وتجاربه في المجتمع المعقد الذي يعيش فيه.

### الخاتمة

على الرغم من طول الرواية النسبي، إلا أنها تتمتع بكثافة وعمق يمكن أن ينقل القارئ إلى واقع مختلف. لقد تمكنت من تقديم نظرة جديدة للقارئ العربي حول الرواية، مُعززة بتقنيات جريئة وأفكار مبتكرة تظهر عظمة الأدب العربي المعاصر.### سمات الرواية الجديدة في الأدب العربي

تعد الرواية الجديدة، أو ما يعرف بالمقصود بـ “ما بعد الحداثة” وفقاً لبعض النقاد، بداية رائدة في الأدب الروائي العربي. استطاعت هذه الرواية بمناهجها النقدية الجريئة أن تقدم سمات جديدة لم تُظهر بوضوح في الكتابات الروائية السابقة. ومن أبرز هذه السمات ما يلي:

– **غنائية وشعرية النص**: تتميز الرواية بعمق غنائي وشعري يعكس المعاني والمشاعر.

– **تنويع الأساليب السردية**: تستخدم الرواية أسلوب اللوحات والصور المجزأة مع تنقل حر بين السرد والحوار والوصف، مما يمنحها حيوية وكثافة.

– **توظيف الكوابيس والأحلام**: تكشف الرواية عن سيكولوجيا الشخصيات من خلال استخدام الأساليب المتقدمة مثل “الميتا سرد”، حيث تتحدث الرواية عن نفسها.

– **التناص الانتقائي**: تبرز الرواية من خلال اللمحات التاريخية التي ترتبط بدلالات القمع في التاريخ، مما يعكس الوعي التاريخي للأحداث.

– **استخدام اللغة اليومية**: تمثل الجرأة في توظيف اللغة المحكية، بما في ذلك الجمل الغنائية والأناشيد، جزءًا من الثقافة النقدية والمساءلة.

– **تجريد الأماكن**: تتجنب الرواية تسميتها للأماكن بشكل مباشر، مما يعزز من التعامل الإيحائي مع المكان.

– **السخرية والمفارقات**: تظهر لمحات من السخرية من خلال التباينات بين الواقع وما يتم الحديث عنه أو الحلم به.

### تيسير السبول: الأديب المبدع

بغض النظر عن الاتجاهات المختلفة، فإن تيسير السبول يبقى رمزاً للأدب المتميز، حيث أثرت رواياته وشعره وكتاباته وأحاديثه الإذاعية في المحتوى الثقافي، معبرة عن إبداعه كأديب مر مثل نيزك ترك وراءه ضجيجاً يستحق الاهتمام.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version