“بحث جي بي تي”.. كيف ستتغير عملية البحث على الويب بعد دخول أوبن إيه آي إلى المنافسة؟
منذ فترة من التخمين والتنبؤ بشأن تطلعات الشركة في مجال البحث عبر الويب، كشفت أوبن إيه آي عن محرك بحثها الجديد بتقنية الذكاء الاصطناعي “بحث جي بي تي” (SearchGPT)، وهو في الوقت الحالي نموذج أولي لمحرك بحث على الإنترنت يمكن أن يساعد الشركة في التنافس مع عملاق البحث غوغل.
يستند محرك البحث على نموذج “جي بي تي-4″، وأكدت أوبن إيه آي أن الخدمة الجديدة ستقدم مساعدة للمستخدمين في العثور على ما يبحثون عنه بسرعة وسهولة من خلال استخدام التكنولوجيا الذكية التوليدية، التي تقوم بجمع روابط مواقع الويب والإجابة على استفسارات المستخدمين بأسلوب المحادثات.
وذكرت الشركة في تدوينة على مدونتها أنها “تختبر خدمة بحث جي بي تي، وهي نموذج أولي موقت لميزات بحث جديدة تعتمد على التكنولوجيا الذكية توفر إجابات سريعة وفورية مع مصادر موثوقة وواضحة وملائمة”.
نحن نعتقد أن هناك فرصة لتحسين عملية البحث بشكل أفضل مما هي عليه اليوم.
سنقوم بإطلاق نموذج تجريبي جديد يسمى بـ “بحث جي بي تي”:
سنتعلم من النموذج التجريبي، نحسنه، ومن ثم ندمج التكنولوجيا في شات جي بي تي لجعلها في الوقت الحقيقي وأقصى قدر ممكن من المساعدة.
— سام ألتمان (@sama) ٢٥ يوليو ،٢٠٢٤
سيرش جي بي تي
نالت خدمة “شات جي بي تي” التي تعمل بواسطة روبوت على القدرة على البحث عبر الإنترنت نظرًا لوجود اختلاف بينها وبين محرك البحث الاصطناعي الكامل المعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل محرك “بيربلكستي” وخدمة “ملخصات الذكاء الاصطناعي” التي تم إضافتها لمحرك البحث الخاص بغوغل في شهر مايو الماضي.
تقوم خدمة “سيرش جي بي تي” بدمج قدرات روبوت المحادثة مع توجيه قائمة من روابط المواقع الإلكترونية، مما يمنحها طابعًا تحاوريًا أكثر من خياراتها المنافسة في هذا المجال حاليًا. تبدأ عملية البحث بطرح سؤال بسيط، يتلقى المستخدم بعض المعلومات الأولية مع مجموعة من روابط المواقع، بالإضافة إلى إمكانية طرح مزيد من الأسئلة لاستكمال البحث.
تتميز واجهة الاستخدام في الأمثلة التي عُرضت بالبساطة وعدم الاعتماد دائمًا على التعلم الآلي في كل عملية بحث، مما يساعد روبوت المحادثة على تفادي أخطاء ميزة غوغل الأخيرة. تستند الخدمة إلى توجيهات المستخدم، ويُمكنها تقديم إجابات مفصلة إذا طُلب ذلك.
يمكن للمستخدم استكشاف الروابط الإضافية في الشريط الجانبي، مما يتيح له تجربة بحث تشبه التجربة الاعتيادية أكثر. وذكر موقع “The Verge” أن الشركة ستقدم ميزة “الإجابات البصرية”، والتي يُفترض أنها تشبه بحث الصور في غوغل ولكن بالذكاء الاصطناعي.
من المحتمل أن يُدمج محرك البحث “سيرش جي بي تي” في المستقبل مع روبوت المحادثة “شات جي بي تي” الذي يحظى بشعبية كبيرة حاليًا بين المستخدمين. بالإضافة إلى البحث الشامل عبر الإنترنت، سيستفيد المحرك الجديد من محتوى منصات النشر التي أبرمت اتفاقيات مع شركة أوبن إيه آي للوصول إلى محتواها.
أكدت كايلا وود، المتحدثة باسم أوبن إيه آي، أن الشركة قد قامت بإتاحة استخدام المحرك الجديد لعدد من الشركاء.
والناشرون الذين لم يُذكروا أسماءهم، كما قامت الشركة بتحسين عدة جوانب من محرك البحث بناءً على ملاحظاتهم.
أكدت الشركة على نية طرح الأداة أمام مجموعة محدودة من المستخدمين ليُعبروا عن آرائهم وملاحظاتهم، ويُمكنك تجربة حجز مقعد في تلك القائمة بالنقر على “الانضمام إلى قائمة الانتظار” في الصفحة الرسمية لهذه الخدمة الجديدة.
التخلّص من الهلوسة
بعد أن قدمت أوبن إيه آي لروبوت المحادثة “شات جي بي تي” لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شاهد المستخدمون الأوائل القدرة الرهيبة لروبوت المحادثة على العثور على المعلومات من الإنترنت وتلخيصها كبديل محتمل لعملية البحث التقليدية.
لكن النقائص في النماذج اللغوية الضخمة تُقلل من كفاءة روبوتات المحادثة في مجال البحث على الإنترنت. وأحد القلق الرئيسي حول هذه الميزة الجديدة هو استمرار احتمالية “الهلوسة” في نموذج الذكاء الاصطناعي، والتي تحدث عندما يُقدم النموذج إجابات مُفترضة تمامًا وغير مدعمة بأي أساس في البيانات التي تم تدريبه عليها.
سعت مايكروسوفت للتصدي لهذه المشاكل في نسختها من محرك “بينغ” إلا أنها لم تحقق نجاحًا بارزًا، ولم تنجح هذه الشركة العملاقة في تحقيق استحواذ على سوق البحث مُقابل استحواذ غوغل عليه.
واجهت نفس المشكلة بعد تجربة تلك الميزة الجديدة في بحث غوغل، حيث تزايدت الانتقادات بسبب ظهور نتائج غير منطقية أو غير دقيقة لدى مستخدمي الميزة، حيث قام مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة مجموعة متنوعة من لقطات الشاشة تُظهر الذكاء الاصطناعي الجديد وهو يُقدم إجابات خاطئة ومثيرة للجدل.
يرجع ذلك جزئيًا إلى أن النماذج المُعقدة جدًا التي تدعم روبوت المحادثة تمّ تدريبها على التنبؤ بأنماط اللغة، دون تدريب على تتبع وفهرستة وعرض المعلومات على الإنترنت مثل خوارزميات محركات البحث التقليدية.
يُمكن استخدام أوبن إيه آي في خدمة “سيرش جي بي تي” نهجاً جديدًا للذكاء الاصطناعي يُعرف بـ “التوليد الاسترجاعي المُعزّز“، وهو معيار في قطاع البحث بالذكاء الاصطناعي مصمم لتقليل معدل الهلوسة في إجابات روبوتات المحادثة. عند استخدام هذا النهج، تُشير أداة البحث بالذكاء الاصطناعي إلى المصادر الموثوقة للمعلومات، مثل الشبكات الإخبارية المعروفة، بينما
تنشأ نتائجها وتربطها بالمصدر الذي حصلت منه على المعلومات.
استكشاف بالذكاء الصناعي
كانت Microsoft، وهي أكبر ممول في شركة Open AI، من بين الشركات الرائدة التي طرحت محرك بحث يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، عندما أصدرت إصدارًا من محرك “Bing” مدعومًا بالذكاء الاصطناعي في عام 2023، وكانت تلك الإصدار تعتمد على النماذج اللغوية الضخمة التي قامت بتطويرها شركة Open AI. أعادت Microsoft تسمية تجربة البحث بالذكاء الاصطناعي في ذلك الوقت إلى اسم “Copilot”.
توجد تجارب أخرى في هذا السوق، مثل محركات البحث بالذكاء الاصطناعي من شركة “Purplecity” وشركة “You”. كما أعلنت Google، في مؤتمرها السنوي للمطورين، أنها ستبدأ في طرح “ملخصات الذكاء الاصطناعي”، التي كانت تُعرف سابقًا باسم “تجربة البحث التوليدية” “SGE”، للمستخدمين في الولايات المتحدة وقريبًا في جميع أنحاء العالم داخل محرك البحث الأشهر.
تُقدِّم الميزة “ملخصات الذكاء الاصطناعي” الجديدة في بحث Google للمستخدمين إجابات مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي على طلبات البحث التي يمكن أن تكون بحاجة لإجابات موجزة. يجمع النموذج معلومات مختلفة من مواقع على شبكة الإنترنت، ويقدمها بشكل ملخص ليمنح المستخدم الإجابة التي يبحث عنها دون الحاجة للنقر على رابط الموقع، أو حتى معرفة عناوين المقالات التي استخدمها الذكاء الاصطناعي كمصادر.
وأشارت الشركة إلى أن ملخصات الذكاء الاصطناعي ستظهر في أول نتائج صفحة بحث Google عندما يكون طلب البحث معقدًا، وسيتم تحديد متى تظهر تلك الملخصات بشكل خاص على طلبات المستخدمين من قبل أنظمة بحث Google. هذه النتائج، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تكلف غوغل أكثر من النتائج التقليدية للبحث لأن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تحتاج إلى موارد حوسبة أكبر بكثير.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققه روبوت المحادثة “Chat GPT”، إلا أن شركة Open AI تبحث عن مصادر دخل جديدة بسبب الاستثمارات الضخمة في تدريب نماذج ذكاء اصطناعي بأبعاد أكبر. يُقدر تقرير حديث من “The Information” أن الشركة قد تخسر 5 مليارات دولار هذا العام بسبب تكاليف تعيين مزيد من الموظفين، وطرح عروض تجارية جديدة، بالإضافة إلى تدريب نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة.
توجد عوائد هائلة في مجال البحث على الإنترنت، وتعتبر غوغل الرائدة بلا منازع، حيث تمتلك أكثر من 90% من حصة سوق محركات البحث على الإنترنت. تأتي أكبر عوائد غوغل من نشاط البحث على الإنترنت، إذ بلغت عوائد الشركة 175 مليار دولار من البحث والإعلانات المرتبطة به خلال العام الماضي، مقارنة بـ 162.45 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لتقرير السنوي للشركة.
يمكن أن يكون دخول Open AI لعالم البحث على الإنترنت مفيدًا في مواجهتها لمنافستها الأساسية حاليًا التي هي غوغل. وتمتلك غوغل حاليًا روبوت المحادثة “Ji Minh”، وهو الخصم الأكبر لـ “Chat GPT” حاليًا. كما زادت غوغل جهودها لدمج هذه التقنيات في الخدمات التجارية، بما في ذلك البرمجيات المكتبية الخاصة بها ونظام تشغيل الهواتف الذكية Android، بالإضافة إلى خدمات البحث على الإنترنت.