بعد إنتهاء صفحة الانتخابات.. لماذا تحتاج تركيا لدستور جديد حاليًا؟

By العربية الآن



بعد إنتهاء صفحة الانتخابات.. لماذا تحتاج تركيا لدستور جديد حاليًا؟

özgür özel (l) يتصافح مع الرئيس رجب طيب أردوغان قبل اجتماعهما، في العاصمة أنقرة، تركيا، مايو 2، 2024. (epa photo)
رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل (يسار) يتصافح مع الرئيس رجب طيب أردوغان قبل لقائهما، في العاصمة أنقرة (قبلي)
أنقرة- تتميز الساحة السياسية في تركيا بديناميكيتها المستمرة، حيث بعد سنة مثيرة تخللتها أحداث كبيرة، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهر مايو/أيار 2023، والانتخابات المحلية في 31 مارس/آذار الماضي، يظهر مجددًا توجه حاجة إعادة صياغة دستور جديد كأولوية على الساحة السياسية في البلاد.

وفي هذا السياق، بدأ رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش سلسلة من اللقاءات الهامة مع قادة الأحزاب السياسية في البلاد، انطلقت هذه الزيارات بزيارة إلى أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة.

ومتابعة لذلك، تمت عقد لقاءات متتالية مع قادة حزب الجيد وحزب السعادة وحزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردية، في خطوة توضح توجه البرلمان نحو تحقيقتقدير واسع النطاق قد يشكل سيناريو المستقبل السياسي لتركيا.

وفي تصريح بعد الجولات، أشار قورتولموش إلى أن بعد الإنتهاء من التشاور مع الأحزاب السياسية الأخرى، يُرجح بدء المناقشات المتعلقة بمحتوى هذه القضية في أكتوبر/تشرين الأول القادم، بعد تحديد الطرق والإجراءات اللازمة.

متطلبات هذه المرحلة

في إطار الخطوات المتصاعدة حول الدستور، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشلي، في مقر إقامته بأنقرة، ثم جرى لقاء بين رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل، في أول اجتماع رسمي بين الجانبين منذ 8 سنوات، وهو الأول بين الرئيس وقائد المعارضة.

وأكد حزب الشعب الجمهوري التزامه بالحوار، وأنه سيدعم دستورا ينسجم مع قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على شرط أن تكون محادثات الحزب الحاكم قائمة على النوايا الحسنة.

يتطلب تمرير دستور جديد في تركيا أو إجراء أي تعديلات دستورية موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أي 400 نائب من أصل 600، وفي حال الرغبة في تقديم الأمر للاستفتاء الشعبي، يحتاج الحصول على موافقة 360 نائبا على الأقل.

ولكن بالوقت الحالي، لا يمتلك أي طرف سياسي في تركيا الأغلبية اللازمة لتمرير الدستور مباشرة، حيث يمتلك التحالف الجمهوري الحاكم 323 مقعدا فقط، مما يستوجب على الحكومة البحث عن تحالفات واتفاقيات إضافية مع الأحزاب الأخرى، لضمان تمرير الدستور الجديد، مما يضعها في وضع يتطلب مزيدا من التفاوض والتوافق السياسي.

تجارب سابقة

لا تُعَدّ مُسألة إعداد دستور جديد لتركيا أمراً جديدا، حيث طُرحت العديد من المقترحات والمشاريع المختلفة خلال السنوات 2011 و2013، ما لبثت أن تأسست “لجنة توافق لصياغة الدستور” عام 2016، والتي ضمت مُمثلين من جميع الأحزاب المُمثلة في البرلمان.

وبالرغم من أن لجنة المصالحة الدستورية اكتسبت خبرات وتجارب مهمة خلال عملها، فإنها لم تنجح في تحقيق هدفها النهائي، وعلى إثر ذلك، تم حل اللجنة قبل أن تتمكن من إعداد مسودة دستور شاملة.

منذ عام 2021، دعا أردوغان مراراً إلى ضرورة صياغة دستور جديد لتركيا، يُعكس القيم الديمقراطية والليبرالية الحديثة، ويكون ملائماً لـ”عصر تركيا”، ويعمل على نهاية عصر الوصاية والدساتير التي صورت بعد الانقلابات.

ويمكن أن تنشب بعض الاختلافات بين الأحزاب السياسية التركية حول بعض نقاط وأسس دستور الجديد، لكن هنالك اتفاق عام على ضرورة تحديث دستور عام 1982 الذي أُعد بواسطة جماعة عسكرية بعد انقلاب عام 1980.

وتعرض الدستور الحالي لـ23 تعديلاً خلال الـ41 عاماً الماضية، كان أحدثها إقرار التحول إلى النظام الرئاسي في البلاد عام 2017.

وعن حاجة تركيا لدستور جديد، قال الباحث القانوني يوجال أجير إن الدستور الحالي لم يعد يُلبي تطلعات المجتمع التركي نحو الديمقراطية والحقوق، وما زال يفتقر إلى الشرعية الكاملة في أعين الناس، حيث لم يُستشر شعبياً بشكل كامل.

يحتاج تركيا -كما اعتبر أجير- لدستور مدني يُصاغ في أجواء الديمقراطية والتوافق، ويأخذ بنظر الاعتبار السياقات الاجتماعية والسياسية الراهنة، على عكس الدساتير السابقة التي وُضعت في ظل ظروف استثنائية كالحروب أو الانقلابات.

ونفى أجير وجود أي عقبة قانونية تمنع إعادة صياغة الدستور بعد الموافقة على الأعضاء الكافيين، كما أشار إلى وجود لجان رقابة تابعة للبرلمان التركي تُراقب جميع مراحل الإعداد.

مبادئ وقواعد

يعتقد تحالف الشعب برئاسة الرئيس أردوغان أن الظروف قد نضجت لإعداد دستور مدني شامل يُصاغ بالتوافق والحوار، بهدف المواكبة لتطلعات تركيا الراهنة والمستقبلية، حيث يهدف هذا الدستور ليكون شاملاً لجميع المواطنين الترك ويضمن لهم حرياتهم الأساسية.

كما يهدف هذا الدستور الجديد لجلب إصلاحات للنظام القضائي من أجل تعزيز العدالة والكفاءة، والتخلص من البيروقراطية العائقةللتطور، بالإضافة إلى إعادة تحديد تعريف الجنسية بما يفصل بين التنوع العرقي والوطني.

وصرّح مستشار الرئيس التركي محمد أوجوم، بأن الدستور المقترح لن يتم بناؤه من البداية ولن يتم التدخل في البنود الأولى الثلاث من الدستور الحالي المتمثلة في المبادئ الأساسية للجمهورية التركية.

وأكد على أهمية الحفاظ على النظام الرئاسي وتطويره كونه إنجازًا أساسيًا لإرادة الشعب، وضرورة الحفاظ على “الأغلبية بنسبة 50% + 1” في الانتخابات، والتي تعني الحصول على أكثر من 50% من الأصوات الصحيحة بصوت واحد.

وأوضح المستشار أن المبادئ الرئيسية للدستور المقترح هي:

  • “دستور جديد” متطور، يستند على الجمهورية والديمقراطية.
  • “دستور مدني” يتم إعداده وفقًا لإرادة الشعب.
  • “دستور شامل” يشمل جميع مواطني الأمة التركية.
  • “دستور حقوقي” يكفل جميع الحقوق والحريات.
  • “دستور حمائي” يحمي البيئة والموارد الطبيعية.
  • “دستور اجتماعي” يعزز العدالة الاجتماعية ويخفض الفجوات بين الطبقات الاجتماعية.
  • “دستور يتيح التطوير الديمقراطي” ويسمح بالمشاركة الإلكترونية وتنويع وسائل مشاركة الجمهور في العملية التشريعية.

أهداف الأطراف

من ناحية أخرى، يُشير المحلل السياسي والباحث القانوني تونج يلدرم في مقابلته مع الجزيرة نت، إلى أن جميع الأحزاب السياسية التركية لديها مصالح ظاهرة ومخفية قد تحققها من خلال وضع دستور جديد للبلاد.

ويوضح أن تحالف الجمهور من أجل التغيير، على سبيل المثال، يسعى إلى إزالة العقبات القانونية التي تعيقها الآن الدستور الحالي في اتخاذ بعض القرارات، كما يسعى لكسب دعم واسع من المواطنين من خلال تضمين نص قانوني يكفل للمرأة الحق القانوني في ارتداء الحجاب دون أي قيود.

وعلى جانب آخر، تعمل المعارضة التركية على استغلال الدستور الجديد كفرصة لإلغاء النظام الرئاسي الذي تبنته تركيا في عام 2017، والذي ترونه المعارضة يحد من الحريات العامة وتعزل الأحزاب الأخرى، ويضر بالحياة السياسية في تركيا.

وشدد المحلل السياسي على أن “الدساتير تعكس التوافق الاجتماعي”، موضحًا أن زيادة عدد الأطراف المشاركة في صياغة الدستور تعزز قوته وشرعيته، ومشيرًا إلى أنه حتى في المجتمعات التي تحمل روح التضامن والمصالحة، فإن تحقيق توافق كامل يعتبر أمرًا صعبًا.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version