بيدرو سانشيز مبتكر معادلة “إنصاف الفلسطينيين” يرفع مكانة إسبانيا

By العربية الآن



بيدرو سانشيز.. ريادة إسبانية في ملفات فلسطين وحرب غزة

أعضاء البرلمان الإسباني يصفقون وقوفا لسانشيز بعد إعلانه الاعتراف بدولة فلسطين في 28 مايو 2024 (الفرنسية)
أعضاء البرلمان الإسباني يصفقون وقوفا لسانشيز بعد إعلانه الاعتراف بدولة فلسطين في 28 مايو 2024 (الفرنسية)
قليلون هم الزعماء الأوروبيون الذين تمكنوا من إخراج الدبلوماسيين الإسرائيليين من توازنهم، كما فعل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بعد إعلان رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن بدء الحرب على قطاع غزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

على مدار الأشهر العشرة الماضية، مارس سانشيز ضغطاً سياسياً وإعلامياً مدروساً، في تباين واضح مع نهج زعماء أوروبيين آخرين الذين اتبعوا سياسات المراوغة والتردد حيال القضايا المتعلقة بوقف الحرب والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.

شكل سانشيز بالتعاون مع نائبة رئيس الوزراء، يولاندا دياز، وجوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، فريقاً أثار مواقفه من الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية غضب المؤسسة الإسرائيلية، مما جعل المسؤولين الإسرائيليين في حالة استنفار دائم.

ففي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، خلال الهدنة الأولى، قام سانشيز بزيارة معبر رفح مع نظيره البلجيكي، للإعلان عن قرب ارسال مصر أربعة أطنان من المواد الطبية لدعم المصابين من غزة. وأكد أن “قتل المدنيين الأبرياء في غزة لا يمكن قبوله”، داعياً إلى “حل الدولتين كضرورة عاجلة لإنهاء الحرب”. أدت هذه التصريحات لاستدعاء وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، للسفيرين الإسباني والبلجيكي للاحتجاج، متهماً إياهما بـ”دعم الإرهاب”.

سانشيز كرر في خطبه رفضه لقتل المدنيين في غزة ودعا لإرساء حل الدولتين (الأوروبية)
بعد أقل من أسبوعين، قال سانشيز للتلفزيون الرسمي الإسباني “من الواضح أننا بحاجة إلى حل سياسي لإنهاء هذه الأزمة، وهذا الحل يتضمن، في اعتقادي، الاعتراف بالدولة الفلسطينية”. وأكد أن هذا الاعتراف “يعكس مصلحة أوروبا لأسباب أخلاقية وجيوسياسية، فهو يدعم الاستقرار في المنطقة ويعبر عن موقف أخلاقي تجاه ما يحدث في غزة”.

وفي هذه المرة، كانت ردة فعل كوهين أكثر حدة، إذ استدعى السفيرة الإسرائيلية في مدريد، كما تلقى تعليمات من نتنياهو لاستدعاء السفير الإسباني في تل أبيب لتوبيخه بسبب ما وصفه نتنياهو بـ”التصريحات المخزية” لسانشيز.

تغير الوضع

بعد فوزه بولاية جديدة مدتها أربع سنوات، أكد سانشيز في خطابه بالمجلس أنه سيسعى “للاعتراف بالدولة الفلسطينية في أوروبا وإسبانيا”، مبرراً ذلك بتغير الأوضاع، حيث قال: “لقد رأينا تصعيد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وبالتالي يجب معالجة هذه القضية”.

وعندما خرج مئات الآلاف في 90 مدينة إسبانية، بما في ذلك العاصمة مدريد، في 20 يناير/كانون الثاني للمطالبة بوقف الإبادة في فلسطين، أكد سانشيز خلال مؤتمر لحزبه الاشتراكي في غاليسيا أنه “يدعمهم”، حيث أدان الهجمات الفظيعة من حركة حماس، وطلب الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين، لكنه في ذات الوقت قال لحكومة نتنياهو إن “الضربات العشوائية وقتل الأطفال في غزة غير مقبولة”.

مئات آلاف المحتجين على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة خرجوا إلى الشوارع بمدن إسبانيا وبينها برشلونة (الأناضول)
كما أبدى رئيس الوزراء الإسباني دعمه لجوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فقال: “نفخر بأن بوريل رفع صوته في الدفاع عن حقوق الإنسان في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط”. بينما كان بوريل قد قال قبل ذلك بيومٍ، خلال كلمة له في “جامعة بلدة بلد الوليد” في إسبانيا، رداً على تصريحات نتنياهو، إن “حل الدولتين يجب أن يُفرض من الخارج من أجل إحلال السلام في المنطقة”.

وأضاف بوريل: “الحل الوحيد هو دولتان (فلسطينية وإسرائيلية) تتقاسمان الأراضي التي نزعتا من الناس قبل 100 عام، ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تتجاهل هذا الحل”.

سانشيز أعرب عن دعمه لتصريحات بوريل بشأن الضغط على إسرائيل (رويترز-أرشيف)

في نهاية مارس/آذار الماضي، وسع سانشيز تأثيره في هذا الملف على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث أصدر إعلاناً مشتركاً مع نظرائه من إيرلندا ومالطا وسلوفينيا، يؤكد تهيؤهم “للاعتراف بفلسطين عندما يكون ذلك له تأثير إيجابي في حل النزاع”.

كما التقى عدداً من زعماء الدول الأوروبية، بما في ذلك النرويج والبرتغال، لمناقشة ضرورة “الاعتراف بفلسطين”. وبعد أربعة أيام، خلال زيارة لمخيم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، انتقد سانشيز إسرائيل بسبب مقتل 7 من عمال الإغاثة، منهم خمسة غربيين، وأعرب عن توقعه بأن توضح الحكومة الإسرائيلية ملابسات هذا الهجوم الوحشي.

مصلحة جيوسياسية

واصل سانشيز في خطاب له أمام البرلمان الإسباني في 10 أبريل/نيسان التعبير عن حماسه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشيراً إلى أن هذا الاعتراف “يمثل مصلحة جيوسياسية لأوروبا”، مؤكداً أن مدريد “مستعدة للقيام بهذه الخطوة”.

وأضاف: “لا يمكن للأسرة الدولية أن تساعد الدولة الفلسطينية ما لم تعترف بوجودها”. وكان هذا التصريح مقدمة لإعلان حكومته عن نواياها في اليوم التالي، حيث اتفقت مع نظرائها من إيرلندا ومالطا وسلوفينيا على اتخاذ خطوات أولى للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

مبارزة مع رموز الدبلوماسية الإسرائيلية

خلال زيارته لإحدى مدارس الأونروا في الأردن خلال شهر أبريل/نيسان أدان سانشيز قتل عمال الإغاثة بغزة (رويترز)
خلال زيارته لإحدى مدارس الأونروا في الأردن خلال شهر أبريل أدان سانشيز قتل عمال الإغاثة بغزة (رويترز)
جاء تعليق وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، ناعماً، حيث قال إن “الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد مذبحة السابع من أكتوبر يعني إرسال رسالة إلى حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى، مفادها أن الهجمات الإرهابية على الإسرائيليين ستقابل بمبادرات سياسية لصالح الفلسطينيين”.

ومع ذلك، بدأت مواقف سانشيز تأخذ طابعاً حاداً بعد تصريحات نائبة رئيس الوزراء، يولاندا دياز، التي أفصحت في تسجيل صوتي تم تداوله، أن “فلسطين ستحرر من النهر إلى البحر”. وأضافت أن “خطوة إسبانيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في 28 مايو ما هي إلا بداية”.

تصريحات دياز أثارت ردود فعل حادة من الدبلوماسيين الإسرائيليين، حيث عادت السفيرة الإسرائيلية في إسبانيا، روديكا راديان غوردون، إلى إسرائيل، مشيرة في تغريدة لها إلى أن الخطوات الإسبانية والشركاء الوشيكة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية “لن تسهم في الأمن أو السلام، ولن تسهل إطلاق سراح الرهائن”. ودوّن الوزير يسرائيل كاتس قائلاً: “حماس تشكركم على الخدمة التي قدمتموها لها”.

تصريحات دياز استفزت الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس (الفرنسية)
في 28 مايو/أيار، أعلن سانشيز رسميًا عن قرار اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية، في كلمة متلفزة من قصر مونكلوا في مدريد، حيث أوضح أن “الاعتراف بدولة فلسطين هو قرار تاريخي يهدف إلى مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق السلام”. وأكد أن إسبانيا “تتحمل مسؤوليتها كدولة كبيرة في السعي لتحقيق السلام والرعاية لجميع الشعوب”. وأضاف سانشيز أن هذا الاعتراف “ضروري لتحقيق السلام” بين الإسرائيليين والفلسطينيين واعتبره “مسألة عدالة تاريخية”. وقال: “أريد أن يفخر الإسبان بأن بلادهم كانت على الجانب الصحيح من التاريخ”.

ردود كатس

في ذلك اليوم الأيقوني، الذي تزامن مع اعتراف مماثل من أيرلندا والنرويج، أصبح اعتراف إسبانيا دولة فلسطين رسميا، وهو قرار تاريخي لقي ترحيباً عربياً ودولياً، خصوصا من تركيا حيث أشاد رئيسها رجب طيب أردوغان بجرأة سانشيز. في المقابل، أثار القرار غضب إسرائيل، حيث اتهم وزير خارجيتها يسرائيل كاتس سانشيز بالتواطؤ في التحريض ضد اليهود وارتكاب جرائم بحقهم.

غرد كاتس، عبر حسابه الرسمي على “إكس” مشيراً إلى دعوات دياز لإقامة دولة فلسطينية من النهر إلى البحر، واعتبر أن سانشيز بتجاهله إقالتها ودعمه للاعتراف بفلسطين، يكون متواطئاً ضد الشعب اليهودي وجرائم الحرب. وأصدر كاتس قراراً بمنع القنصلية الإسبانية في القدس من تقديم الخدمات لفلسطينيي الضفة الغربية.

مواقف سانشيز استدعت إشادة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الأناضول)

بعد ذلك، أعلن سانشيز عن قرارات مشابهة، حيث خصص في 11 يونيو/حزيران 60 مليون يورو لدعم فلسطين هذا العام، ودعا لزيادة دعم وكالة الأونروا. كما أعلن عن انضمام بلاده إلى جنوب أفريقيا في الدعوى المقامة ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية “لتكون أول دورة أوروبية تقوم بذلك”. وعبر عن ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع وضمان وصولها لمستحقيها.

ما الذي يمنح سانشيز الشجاعة لمواجهة عنصرية إسرائيل وتحدي سياستها في القضية الفلسطينية، بحيث يسعى إلى خلق تيار أوروبي مؤيد لحقوق الفلسطينيين؟

يُرجع الخبراء في العلاقات الدولية هذه السياسة الإسبانية الحالية إلى قرب إسبانيا الجغرافي من شمال أفريقيا والعالم العربي، والتاريخ العائد لفترة حكم فرانكو (1939-1975)، حيث لجأت إسبانيا إلى الدول العربية لتحقيق فكاك من عزلتها الأوروبية، كما صرح البروفيسور في العلاقات الدولية، خوان توفار. كما أن البرلمان الإسباني أقر في عام 2014، بدعم جميع الأحزاب، قراراً غير ملزم يدعو للاعتراف بفلسطين.

حرب غزة

يؤكد أسياس بارينادا باجو، المتخصص في العلاقات بين إسبانيا وفلسطين بجامعة كومبلوتنسي، أن الاعتراف الأحادي الجانب بفلسطين هو تتويج لسنوات من السياسات الحزبية الإسبانية. ويضيف أنه “ما صنع الفارق هو الحرب في غزة والضغط من جانب الطرف الأصغر في الحكومة للاعتراف بالدولة الفلسطينية”. لاحظ بارينادا أن جميع الحكومات الإسبانية بعد وفاة فرانكو عام 1975 دعمت حق فلسطين في إقامة دولة.

وبالإضافة للسياسة الحزبية، ساهمت مشاعر الشارع الإسباني في تشكل سياسات سانشيز، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن 78% من الإسبان يؤيدون الاعتراف بفلسطين، بينما قوبل ذلك بمعارضة من 18%.

الشارع الإسباني والأحزاب أملت السياسات الإسبانية الداعية للاعتراف بدولة فلسطين (الفرنسية)

وهكذا، فإن مواقف بيدرو سانشيز (الاشتراكي الديمقراطي) حيال سياسة إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، تعبر عن إرادة شعب كامل، وليست مجرد مواقف شخصية أو حزبية.

<

div class=”longform-block”>

إعداد : علي حافظ
المصدر : العربية الآن




رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version