بينما تتفكك الروابط بين الحكومات والشباب

By العربية الآن



بينما تتفكك الروابط بين الحكومات والشباب

الشرطة الفرنسية تحاصر مجموعة من الطلاب أمام مبنى جامعة السوربون في باريس
الشرطة الفرنسية تحاصر مجموعة من الطلاب أمام مبنى جامعة السوربون في باريس (الجزيرة)
تفاجأت الإدارة الأميركية عندما تمّ اعتقال 2900 طالب، و50 أستاذًا وعدد كبير من الأكاديميين في الولايات المتحدة خلال الاحتجاجات المناصرة لفلسطين. لقد اعتقدوا أن هذه الاحتجاجات كانت منظمة من قبل الجالية الفلسطينية والطلبة المسلمين. لكن الحقيقة أن الغالبية العظمى من المعتقلين لم يكونوا فلسطينيين أو مسلمين.

فالمسلمون، والمسيحيون، واليهود المعادون للصهيونية، واليساريون، والسود، واللاتينيون، وجميع فئات المحتجين توحّدوا حول قضية غزة، لكن هدفهم لم يكن فقط إسرائيل، بل جميع مؤسّسات النظام العالمي الظالم، وفي المقام الأوّل الإدارة الأميركية.

كانت هناك حالة مماثلة في مئات الجامعات الغربية، بما في ذلك الجامعات الرصينة، مثل: أمستردام، وكامبريدج، وأكسفورد. الشباب ينفصلون عن السلطات التي تدير بلادهم، والاحتجاجات تتّجه نحو القيم غير العادلة التي يتبنّاها الغرب.

تمرّد على جميع المشاكل المتراكمة

الأزمة التي عاشتها الدول الغربية في السنوات العشر الماضية كانت في الواقع تزلزل أعمدة الحضارة الغربية. كانت هناك موجةٌ عميقة تضرب بشدة تحت أركان الرأسمالية والإمبريالية والعولمة، وتوزيع الدخل الظالم والعنصرية. هذه الموجة برزت بشكلها المتطرّف في شكل القومية المفرطة، ورهاب الإسلام، وعداء الأجانب، وتأييد العنف، والانغلاق على الذات.

لذلك؛ حصلت الأحزاب اليمينية المتطرّفة في العديد من البلدان، إما على السلطة أو أصبحت شريكة في الحكم، أو تحوّلت إلى حزب قوي. هذا الارتفاع الخطير تم تهدئته؛ بسبب قيود التنقل وحظر التجول الذي بدأ مع جائحة كورونا.

الآن، يشهد العالم حركة اجتماعية أخرى ضد النظام الحالي والحياة القاسية التي تفرضها الرأسمالية. فقد فاجأ الشبابُ الجميعَ من خلال هذه التحركات الأخيرة في الجامعات.

الموجة الفلسطينية ضد القومية المفرطة

رغم أنهم ليسوا من نفس الديانة، أو العِرق، أو الفكر، أو الجغرافيَّة، أو الحضارة، فإن طلاب الجامعات الغربية جميعًا يقومون بتنظيم احتجاجات مناصرة لفلسطين، مما يُعتبر بمثابة تحدٍّ لعداء الأجانب والقومية المفرطة في الواقع الغربي. هذه الاحتجاجات كانت عبارة عن موجة كسرت العنصرية المتصاعدة والقومية المفرطة.

في أميركا، وبينما يسعى تجار الخرفان البيض في تكساس، لطرد جميع الأجانب والمهاجرين والمسلمين حتى السود من البلاد، قام طلاب جامعة تكساس بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين بطريقة مدهشة. وليس الطلاب فقط، بل أيضًا الأساتذة – مثل البروفيسور نويل مكافي، رئيس قسم الفلسفة في جامعة إيموري في أتلانتا – قدموا دعمهم للطلاب، وانتهوا بالقبض عليهم، وإرسالهم إلى السجن من قبل الشرطة.

التمرّد الطلابي الذي يستشري في العالم

الاحتجاجات في جامعة كولومبيا، التي كانت مركز حركة الطلاب عام 1968، انتشرت إلى جميع أنحاء العالم، وأطلقت حركة يسارية تُعرف باسم “جيل 68”. الآن، انتشرت الاحتجاجات الفلسطينية التي بدأت في نفس الجامعة إلى جميع أنحاء العالم بنفس الطريقة. من آسيا إلى أستراليا، ومن اليابان والهند وبنغلاديش، إلى الغرب، بما في ذلك بريطانيا، وهولندا، وبلجيكا، يتم تنظيم مظاهرات مماثلة في العديد من البلدان.

على الرغم من أن فلسطين هي النقطة المشتركة بينهم، فإنّ غضبهم موجّه نحو الرأسمالية، والإمبريالية، والتمييز، والاستغلال، والنظام العالمي غير العادل.

وعلى الرغم من تدخّل الشرطة بعنف لقمع الاحتجاجات الطلابية في الحرم الجامعي في أغلب البلدان، فإنّهم لم يتمكنوا من إيقاف أي منها. بالعكس، أدّى ذلك إلى انتشارها أكثر.

صمت غير مألوف في الدول الإسلامية

إذا قلنا؛ إن العَلَم الفلسطيني يرفرف بشكل أوسع في الدول الغربية، فلن نكون مخطئين في اعتقادي. فلم يشهد التاريخ دعمًا كبيرًا مثل هذا من الشعوب الغربية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ومع ذلك، فإنّ الجامعات في الدول الإسلامية أكثر هدوءًا، وتقلُّ فيها الاحتجاجات في الشوارع. فما هو سبب هذا الوضع الغريب؟

في بعض الدول الإسلامية، يُحظر تنظيم مظاهرات مناصرة لفلسطين. وتَعتبر الدولُ المناهضة لحماس على الصعيدَين الأيديولوجي والسياسي، أيَّ نوع من المظاهرات تهديدًا لسلطتها. ومن جهة أخرى، تُطبق بعض الدول ضغطًا خفيًا؛ بسبب قلقها من نشاط الشوارع والجامعات.

وبالتالي، تبقى الشوارع خالية، والحَرم الجامعي هادئًا. على الرغم من ذلك، يحافظ الطلاب على غضبهم الداخلي تجاه قضية فلسطين، ويشاركون جزئيًا في إبداء هذا الغضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الغضب يؤدّي أيضًا إلى تباعد بين الطلاب والحكومات، وإلى الانقسام. ولكن لا يُمكن التنبؤ بالوقت الذي سينتقل فيه هذا الغضب إلى الشوارع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.





رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version