تأثير الإنجليز على نظام التعليم في مصر: كيف استحوذوا على العملية التعليمية؟

By العربية الآن



كيف هيمن الإنجليز على التعليم في مصر؟

فصل دراسي بأحد المدارس الابتدائية المصرية في الخمسينيات
فصل دراسي في إحدى المدارس الابتدائية المصرية خلال خمسينيات القرن الماضي (مواقع التواصل)

في سبتمبر 1882، أقدم الإنجليز على احتلال مصر رسمياً تحت ذريعة القتال ضد الثورة العرابية، التي سعت لتحقيق العدل والمساواة. كانت الثورة تستهدف تقليص نفوذ الأجانب الذين سيطروا على الاقتصاد المصري عبر الديون، بعد أن أوقعها الخديوي إسماعيل في أزمات مالية خلال حكمه.

تزامنت مصالح المستعمرين، وخاصة الفرنسيين والبريطانيين، مع استمرار امتيازاتهم المالية والسياسية، ما ساهم في تعزيز سلطاتهم على الحكومة المصرية والمالية العامة، بالإضافة إلى إنشاء المحاكم المختلطة التي كانت تقضي لصالح الأجانب. زادت هذه الممارسات من الاحتقان الداخلي ودفعت وزير الحربية أحمد عرابي لاحقًا للثورة على الحكم.

استغل الإنجليز حالة الثورة فأرسلوا جنودهم بحجة حماية الخديوي توفيق بن إسماعيل، وإخماد حركة أحمد عرابي، الذي أصبح رمزاً للمعارضة لسلطة الاحتلال.

دخلت القوات الإنجليزية القاهرة بعد هزيمة العرابيين في الإسكندرية والتل الكبير، وسيطرت على مفاصل الحكم من الجيش إلى الوزارات المختلفة.

التعليم المصري قبل الإنجليز

ارتبط التعليم في مصر بالكتاتيب والأزهر منذ فترات طويلة، خاصةً قبل صعود محمد علي باشا في يونيو 1805، الذي سعى إلى تأسيس نظام تعليمي حديث يتبنى النهج الفرنسي، بهدف تأهيل موظفين حكوميين.

يؤكد طه حسين في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” أن الهدف من التعليم المقرر لم يكن التخلص من الجهل، بل تلبية حاجة الدولة للموظفين الأكفاء.

بفضل هذه الحاجة، أنشأ محمد علي نظام التعليم المتكامل من الابتدائي إلى الثانوي، بالإضافة إلى مدارس مهنية مثل مدارس الألسن والطب وغيرها.

إلا أن المحاولات لإصلاح التعليم لم تكن كافية، فقد تم طرح فكرة التعليم العام في البرلمان عام 1866، وفي عام 1880، سعى وزير المعارف علي إبراهيم باشا لإقرار هذا النظام.

القس دنلوب والسيطرة على التعليم

عندما سيطر الإنجليز على البلاد، أدركوا أهمية السيطرة على التعليم، فأطلقوا سياسة تعليمية تتماشى مع استراتيجيتهم لاستدامة الاحتلال.

قام المعتمد البريطاني اللورد كرومر بتعيين القس الأسكتلندي دوغلاس دنلوب في وزارة المعارف، حيث أطلق سلسلة من التغييرات العميقة على المناهج وطرق التعليم، من خلال تقليل أهمية اللغة العربية وتعزيز اللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية.

هذه الخطوات أدت إلى تراجع مستوى التعليم، إذ اتبعت سياسة مزدوجة تعزز الفروق الاجتماعية وتسمح بتمييز الأثرياء عن الفقراء في الفرص التعليمية.

الإنجليز ألغوا استعمال اللغة العربية في جميع المراحل التعليمية وحلت محلها اللغة الإنجليزية (مواقع التواصل)

كما أشار عباس العقاد إلى أن التوجه التعليمي الإنجليزي كان يهدف بشكل صريح إلى تخريج موظفين لا مؤهلين بالمعايير الصحيحة.

سعى نظام التعليم الذي وضعه دنلوب إلى تأهيل عدد محدود من المصريين فقط، مما سمح بتعزيز الفقر بين طبقات الشعب.

  • الطبقة الأولى كانت محدودة في قدرات القراءة والحساب، تشبه التعليم في الكتاتيب.
  • أما الطبقة الثانية، فكانت تتلقى تعليماً ابتدائياً ومتوسطاً لتهيئتها لوظائف حكومية.
  • في حين كانت الطبقة الثالثة من أبناء الباشوات والأمراء التي تلقت تعليماً أرستقراطيًا.

في سبيل تقليص التعليم الحكومي، فرض الإنجليز مصروفات دراسية مرتفعة، مما منع الفقراء من الوصول إلى التعليم الابتدائي.

كرومر عمل على إضعاف الطبقة الوسطى المثقفة في مقابل تضخيم طبقة كبار أصحاب الأراضي (معرض الصور الوطني بلندن)

هذه السياسات أدت إلى تفاقم الأزمات داخل وزارة المعارف، إذ تم استنكار إجراءات سعد زغلول حين منح أحد الطلاب المتفوقين الحق في التعليم المجاني.

المناصب التي حصل عليها الخريجون كانت غالباً وظائف صغيرة، تحت إدارة ومراقبة إنجليزية صارمة، وقد شددت السلطات على تعقيد الالتحاق بالتعليم الثانوي والجامعي.

استجابت الحكومة البريطانية لرغبة المصريين في التعليم الابتدائي برفع شروط الالتحاق بالوظائف الحكومية للمستوى الثانوي فقط.

كما قررت رفع المصروفات الدراسية في التعليم الثانوي، مما أثر سلبًا على فرص الالتحاق بالجامعات.

إضعاف المحتوى العربي

تأثرت مناهج التعليم بشكل كبير بتغير الثقافة، حيث استبدلت الثقافة الإنجليزية الثقافة التركية التي كانت سائدة في وقت الاحتلال العثماني.

رفض الإنجليز تعليم اللغات الفرنسية والإيطالية وشجعوا على التعليم باللغة الإنجليزية، مما أثر سلباً على اللغة العربية.

تحت إشراف دنلوب، تم تقليل حصص اللغة العربية لتعزيز اللغة الإنجليزية في المناهج، حيث زادت حصص الإنجليزية من 18 إلى 34 حصة أسبوعيًا، مما أثار ردود فعل عنيفة من الحزب الوطني المصري.

مصطفى كامل ومحمد فريد (مواقع التواصل)

رداً على تلك التحولات، أطلق مصطفى كامل دعوات لإنشاء المدارس الأهلية، موضحًا أن الهدف ليس إنشاء موظفين بل تشكيل وعي وطني يربط الطلبة بوطنهم.

ومع ذلك، واجهت هذه الجهود صعوبة بسبب زيادة سيطرة الإنجليز على التعليم محليًا، مما أضعف الخطوات نحو تعزيز اللغة العربية.

وتم التأكيد في المنشورات الرسمية على أن تدريس العلوم باللغة الإنجليزية لم يكن ناجحًا، مبينًا الحاجة لتعليم شامل يدعم اللغة العربية في مختلف مراحل التعليم.

المصدر: العربية الآن



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version