تأملات في العلاقة بين الدين والدولة من خلال “الإسلام وأصول الحكم”

By العربية الآن

جدلية الدين والدولة من خلال كتاب “الإسلام وأصول الحكم”

غلاف الإسلام وأصول الحكم ؛ بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام
غلاف كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق (الجزيرة)

مسألة الدين والسياسة

تطرح العلاقة بين الدين والسياسة جدلية قديمة شهدت نقاشات حادة بين الكتّاب والباحثين. حيث يدعو بعضهم إلى ضرورة الربط بين الجانبين، بينما يذهب آخرون إلى ضرورة الفصل الكامل بين الدين والدولة. من أبرز هؤلاء المعارضين الشيخ “علي عبد الرازق”، الذي انتقد نظام الخلافة ودعا إلى انفصال المؤسستين السياسية والدينية.

عقب إلغاء الخلافة على يد الكماليين، انتشرت أصوات تطالب بإعادتها، ودارت صراعات بين الملوك العرب على اللقب. وفي خضم هذا، صدر كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، للشيخ الأزهري “علي عبد الرازق”، الذي قدم فيه رؤية جديدة تعتبر الخلافة “ليست من الدين في شيء”، مما أثار موجة من الاعتراضات وصلت إلى درجة تكفير المؤلف.

ردود الفعل على الكتاب

لم تقتصر المناقشات حول الكتاب على الكتابة النقدية، بل تطورت إلى مواجهات في المساجد وفي الإعلام. حيث قدم الشيخ “محمد بخيت المطيعي” كتابًا نقديًا بعنوان “حقيقة الإسلام وأصول الحكم”، ووصف فيه آراء عبد الرازق بأنها إنكار لما أجمع عليه المسلمون ونقض لمبادئ الدين.

كما أشار الفقيه التونسي “محمد الطاهر بن عاشور” في كتابه “نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم”، إلى أن الدلائل الشرعية لا تقتصر على الكتاب والسنة، بل تشمل أيضًا الإجماع والتواتر، مؤكدًا أهمية الخلافة كوسيلة لتوحيد الأمة الإسلامية في ظل الظروف السياسية.

الأطروحة جاءت في سياق يتطلب رؤية جديدة للخلافة والتخلي عن الصور التقليدية المرتبطة بها.

أطروحة كتاب “الإسلام وأصول الحكم”

تركز الأطروحة الأساسية للكتاب على أن الخلافة الإسلامية ليست جزءًا من الدين، بل هي نظام سياسي نشأ من خلال القوة، مما أدى إلى أن تصبح عبئًا على المسلمين. حيث ذكر المؤلف أن الخلافة لا ترتفع إلا على حساب البشر ولا تستمر إلا بمعاناتهم.

يقدم عبد الرازق تفسيرًا يشير إلى أن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كان نبيًا فقط دون أن يكون ملكًا، وهذا ما يفرق بين الخلافة من حيث التجربة والتجسيد السياسي في عصور لاحقة، مما يؤكد عدم وجود صبغة دينية لها.

الأطروحة قد تكون جريئة، حيث قدمت في سياق تاريخي معقد بالكثير من الضغوطات.

الأدلة المعتمدة في الكتاب

اتجه الكاتب إلى إنكار وجود نصوص صريحة تؤكد وجوب إقام الخلافة، مشيرًا إلى عدم إظهار السنة أية أدلة تدل على ذلك. واستعرض بعض الأحاديث الشائعة التي استند إليها خصومه، مفترضًا صحة بعضها مثل حديث “الأئمة من قريش”، لكن دون اعتباره حجة إلزامية لإقامة نظام الخلافة.

ينتهي الحوار إلى ضرورة التفكير في علاقة الدين بالدولة دون تجاهل التحولات السياسية والاجتماعية التي تحيط بالأمة الإسلامية.

## تحليل كتاب “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق

في كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، يقدم علي عبد الرازق نقدًا عميقًا لمفهوم الخلافة، حيث يأخذ بمناقشة الأدلة التي استخدمها خصومه لدعم شرعية الخلافة ويقوم بتفنيدها.

نفي وجود نصوص قرآنية تدعم الخلافة

يبدأ عبد الرازق بنفي وجود نصوص صريحة في القرآن تلزم المسلمين بإقامة الخلافة، مشيرًا إلى أن العلماء لو وجدوا دليلًا واضحًا، لكانوا قد اجتهدوا في تأكيده. يستشهد بتفسير الآيات التي يستخدمها أنصار الخلافة، مثل الآيتين 59 و83 من سورة النساء، ويقول إن “أولي الأمر” المشار إليهم في الآيات لا تعني الخلافة كما يتصورها البعض، بل تعني شرائح أخرى من المجتمع الإسلامي مثل الخلفاء، القضاة، وأمراء السرية.

رفض الأدلة من السنة والإجماع

عبد الرازق يتجه لاحقًا إلى “السنة” وينكر وجود أحاديث نبويّة توجب الخلافة. ويشير إلى أحاديث مثل “الأئمة من قريش” و”من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”، ويرى أن هذه الأحاديث ليست دليلاً قاطعًا على وجوب الخلافة. علاوة على ذلك، يشير إلى أن الإجماع لم يتحقق كما يتصور البعض، مستندًا إلى آراء بعض المسلمين الأوائل، فيقول إنه قد تم فرضه بالقوة.

استنتاجات رئيسية

من خلال هذا التحليل، يتوصل عبد الرازق إلى أن الخلافة ليست جزءًا من العقيدة الإسلامية، بل هي اختراع بشري نشأ لحاجة زمنية معينة. ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة، مؤكدًا أن المسلمين بحاجة إلى اعتماد نظام حكم يعكس أحدث ما توصلت إليه العقول البشرية.

نقد وجهات النظر التاريخية والواقع المعاصر

يعتبر الكاتب أن الخلافة قد جلبت الأزمات للمسلمين، مشيرًا إلى أنها نظام حكم فاشل قادهم إلى التخلف. ويتساءل بعض النقاد إذا كانت الخلافة فعلاً قررت مصير الأمة ونتائجها السلبية على مر الزمن، كما يفترض عبد الرازق.

نقد كتاب “الإسلام وأصول الحكم” وتحدياته

من جهة أخرى، يُظهر النقد الموجه للكتاب أنه بالرغم من العنف الذي رافق تاريخ الخلافة، فإنها لم تكن مجرد شر مطلق. فقد أشار البعض إلى ذلك كجزء من المسار الطبيعي للأنظمة السياسية على مر العصور. يشدد النقاد على أن التخلي عن الخلافة لا يعد حلاً لمشكلات المسلمين، بل قد يرتبط بازدياد تدهور أوضاعهم.

خلاصة

يتضح أن نقد علي عبد الرازق للخلافة يفتقر إلى الموضوعية والعلمية، حيث يسعى لإبطال هذا النظام بدعوة للفصل بين الدين والدولة. لذا تبقى التساؤلات مطروحة حول جوهر الخلافة ودورها في تاريخ المسلمين وتطلعاتهم المستقبلية.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version