رحلة في تاريخ البيتزا.. من طعام الفقراء إلى موائد العالم
البداية من نابولي
بدأت قصة البيتزا في نابولي أواخر القرن الثامن عشر، حيث ازدهرت المدينة كمركز تجاري مما جذب الفلاحين والسكان. ونتيجة لهذا التوسع السريع، ارتفعت نسبة الفقراء الذين كانوا بحاجة إلى طعام سريع ورخيص، مما جعل البيتزا خيارهم المثالي. كان الباعة في الشوارع يبيعونها مقطعة حسب الطلب، لتلبية احتياجات الزبائن بمختلف ميزانياتهم.
كانت هذه الفطائر تُعد بمكونات بسيطة مثل العجين والماء والطماطم والزيت والريحان، مما جعلها وجبة محبوبة بمذاقها وسعرها المناسب. وتعتبر بيتزا نابوليتانو الأصلية الأساس للبيتزا الحديثة، ولا تزال تُحضر بالطريقة التقليدية حتى اليوم، حيث تُخبز في أفران عالية الحرارة باستخدام مكونات طازجة ذات جودة عالية.
طعام الفقراء والملوك
طوال القرن الثامن عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر، كانت البيتزا تُعتبر طعام الفقراء في نابولي، بل ووصفت من قبل بعض الزوار الأجانب بأنها “مقززة”. ولم تذكر كتب الطبخ التي ظهرت في تلك الفترة البيتزا إلا نادراً، مما يعكس النظرة السلبية نحوها.
تغيرت هذه النظرة عام 1889 عندما زار الملك أومبرتو الأول والملكة مارغريتا نابولي، حيث شعرت الملكة بالملل من الأطباق الفرنسية المعقدة، وطلبت من الطاهي النابوليتاني رافاييل إسبوزيتو أن يعد لها أطباق محلية. قام إسبوزيتو بإعداد بيتزا تحتوي على الطماطم والموزاريلا والريحان، والتي كانت تُعبر عن ألوان العلم الإيطالي. لنيل إعجاب الملكة، أطلق عليها اسم “بيتزا مارغريتا” تكريماً لها.
أحدثت تلك اللفتة تحولاً كبيراً في مكانة البيتزا، حيث أصبحت معترف بها كطعام راقٍ يمكن للعائلات المالكة الاستمتاع به.
ببطء، بدأت البيتزا تنتشر خارج نابولي، ويعود السبب في ذلك إلى الهجرة. ومع انتقال المزيد من سكان نابولي شمالاً بحثاً عن فرص عمل، تم نقل عاداتهم وأطباقهم، مما ساهم في انتشار البيتزا مع الزمن لتصبح جزءاً من المطبخ الإيطالي وتتحول إلى رمز وطني، الأمر الذي جعلها واحدة من أكثر الأطباق شعبية في العالم.
البيتزا تهاجر غرباً
تاريخ البيتزا بين الفقر والشهرة
عندما هاجر سكان نابولي إلى الولايات المتحدة، حملوا معهم شغفهم بالبيتزا إلى شوارع مدن مثل نيويورك وبوسطن وشيكاغو وسانت لويس. لم يكن هدف هؤلاء المهاجرين، الذين عملوا في المصانع مثل ملايين الأوروبيين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هو نشر تقاليدهم المطبخية، إلا أن روائح البيتزا الجذابة بدأت تخطف أنظار غير الإيطاليين وتثير فضولهم.
مع انتشار الإيطاليين الأميركيين من المدن إلى الضواحي ومن الشرق إلى الغرب، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، زادت شعبية البيتزا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، حيث لم تعد تُعتبر طعامًا “عرقيًا” حصريًا، بل أصبحت وجبة سريعة مفضلة لدى الجميع. ونتيجة لذلك، ظهرت أنواع جديدة من البيتزا الأميركية مثل بيتزا كاليفورنيا، التي تتميز بإضافاتها المتنوعة من الدجاج المشوي والسلمون المدخن، مما أضفى بعدًا جديدًا على مفهوم البيتزا بعيدًا عن جذورها النابوليتانية.
أنواع البيتزا الأكثر شهرة
حازت البيتزا في الولايات المتحدة على شعبية كبيرة مع ازدهار سلاسل المطاعم وانتشار العولمة، مما جعلها وجبة عالمية بامتياز. استطاعت البيتزا بمرونتها التكيف مع الثقافات المختلفة، لتظهر بتنوعات جديدة تعكس الطابع المحلي لمكوناتها. ومن بين أشهر الأنواع:
بيتزا نابوليتان: تعتبر الأصلية وتمتاز بقوامها الطري ورائحتها الغنية، حيث تُخبز في فرن خشبي على حرارة عالية باستخدام مكونات بسيطة وطازجة مثل الطماطم وجبن الموتزاريلا.
بيتزا مارغريتا: تطورت من البيتزا النابوليتانية، وتُعتبر من بين الأكثر شهرة عالميًا، حيث تحتوي على الطماطم، الموتزاريلا، والريحان، وتعكس ألوانها العلم الإيطالي.
بيتزا نيويورك: تتميز بسمكها الرقيق ومقرمشتها، مع إضافة كمية كبيرة من الصلصة والجبن، وغالباً ما تُباع بالشرائح لتناسب السرعة في تناول الطعام.
بيتزا شيكاغو “ديب داش”: تشتهر بسُمكها الشبيه بالفطائر، حيث تحتوي على طبقات متعددة من الجبن والصلصة والمكونات الأخرى، وتعتبر من الأطباق المشبعة في شيكاغو.
بيتزا كاليفورنيا: تستخدم مكونات غير تقليدية مثل الخرشوف والجوز وحتى الفواكه، مما يعكس تنوع المكونات في المطابخ الكاليفورنية.
بيتزا البحر المتوسط: تعتمد على مكونات حوض البحر المتوسط، حيث تشمل زيت الزيتون، الأعشاب الطازجة، والخضراوات مثل الزيتون والطماطم المجففة.
تستمر هذه الأنواع في جذب الذواقة حول العالم، مما جعل البيتزا تتوسط بين الأصالة والابتكار، وقد تطورت لتصبح رمزًا للطعام السريع والمتنوع.
البيتزا الصحية.. خيارات متوازنة
مع تزايد الاهتمام بالتغذية الصحية، تطورت البيتزا لتشمل خيارات صحية تناسب الأنظمة الغذائية المتوازنة. تشمل هذه الخيارات:
عجينة الحبوب الكاملة: تُصنع باستخدام دقيق القمح الكامل بدلاً من الدقيق الأبيض المكرر، مما يزيد من نسبة الألياف ويمنح شعوراً بالشبع لفترة أطول، ويساعد على استقرار مستويات السكر في الدم.
الصلصات الطبيعية: يتم استخدام الطماطم الطازجة مع الريحان وزيت الزيتون بدلاً من الصلصات المعالجة التي تحتوي على السكريات والمواد الحافظة.
إضافات غنية بالعناصر الغذائية: تشمل الخضراوات الطازجة مثل السبانخ والفلفل والحلو والفطر، إلى جانب البروتينات الصحية مثل الدجاج المشوي أو التونة.
الجبن قليل الدسم: يتم استخدام جبن الموتزاريلا قليل الدسم أو جبن الريكوتا كبديل للأنواع الدسمة، مما يقلل من نسبة الدهون ويجعل البيتزا خيارًا أخف على المعدة.
تشكل هذه الخيارات الصحية توازنًا مثاليًا بين المذاق اللذيذ والقيمة الغذائية العالية، مما يجعل البيتزا وجبة مناسبة لكل الأذواق، سواء لعشاق الأطعمة الكلاسيكية أو محبي التغذية الصحية.
