توجهات سياسة ترمب “أميركا أولاً”: إلى أين ستكون الوجهة؟

By العربية الآن

إلى أين ستقود سياسة ترمب “أميركا أولاً”؟

من الواضح أن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، يعتزم اتخاذ نهج متشدّد تجاه الصين، حيث يلوّح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على المنتجات الصينية، ويختار شخصيات معروفة بمعارضتها للصين ضمن حكومته. ولكن هذه السياسة قد تشكل فرصة استراتيجية للصين لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية والاقتراب من قيادة العالم.

انسحاب أميركي قد يفتح المجال للصين

سياساته الخارجية التي تُعرف باسم “أميركا أولاً” قد تؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة الكامل أو الجزئي من العديد من المنظمات الدولية والمبادرات العالمية التي ساهمت في تعزيز هيمنتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. مثل هذا الانسحاب سيخلق فراغاً من المرجح أن تسعى الصين لملئه، بحثًا عن دور قيادي لنفسها وصياغة نظام دولي متعدد الأطراف يخدم مصالحها.

الرؤية الصينية للنظام الدولي

في تحليل لموقع المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، أوضح الباحث ويليام ماتيوس أن رؤية الرئيس الصيني شي جينبينغ تتمثل في ضرورة وجود نظام دولي منظم بدلاً من الفوضى. هذا النظام الجديد لا يلتزم بالفعل بالمعايير القيمية المعمول بها حاليًا، بل يسعى إلى شراكات غير ملزمة تهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة.

إعادة تشكيل المبادرات الدولية

الصين تسعى لتحقيق رؤيتها من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة وإطلاق مبادرات دولية تهدف إلى فرض شروط جديدة على التكنولوجيا وسلاسل الإمداد. ومنذ عام 2021، أطلقت الصين ثلاث مبادرات عالمية ترتبط بنفوذها في الأمم المتحدة: مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية.

الصين كوسيط عالمي

تحاول الصين من خلال الأمم المتحدة أن تبرز كوسيط عالمي، حيث تتعاون مع دول مثل البرازيل لترويج خطة سلام في أوكرانيا. ويعتبر البعض أن مبادرة التنمية العالمية تعزّز النهج التنموي للصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، مما يعكس دورها كشريك تنموي رئيسي.

معايير الأمن الصينية

تمثل مبادرة الأمن العالمي إطار عمل لتعزيز التعاون الأمني الدولي أمام التحالفات العسكرية الأميركية، مما يتيح للصين نشر معاييرها الأمنية بينما تحمي مصالحها الاقتصادية. الصين أصبحت شريكًا جذابًا لدول مثل باكستان ومصر، التي تسعى لتعزيز تعاونها الأمني مع بكين.

الصين والأبعاد الثقافية العالمية

كما تستهدف مبادرة الحضارة العالمية تقديم بديل للقيم الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان. من خلال تشجيع فكرة تعدد الحضارات، تُعزز الصين نظامًا يحترم السيادة والقيم السياسية لكل حضارة.

التجارة والتكنولوجيا كعوامل رئيسية

بغض النظر عن المبادرات السياسية، تبقى التجارة والتكنولوجيا هما المصدرين الرئيسيين لنفوذ الصين، لا سيما في المجالات التي تسيطر عليها. السيطرة على سلاسل إمداد التقنيات الخضراء وقطاع السيارات الكهربائية يمنحها قوة كبيرة في التجارة العالمية.

ختامًا

سيكون لرؤية ترمب “أميركا أولاً” تأثيرات عميقة على الساحة الدولية، قد تؤدي إلى إغراق الولايات المتحدة في قضايا داخلية بينما تواصل الصين تعزيز موقعها كقوة رئيسية في العالم، معتمدة على التجارة والتكنولوجيا كوسيلتين رئيسيتين لتحقيق ذلك.### الصين وتكنولوجيا الإمداد الأخضر

تشير التوقعات إلى أن دول العالم ستعتمد بشكل متزايد على الصين في سلاسل إمداد التكنولوجيا الخضراء، مما يعكس انتشار التكنولوجيا الصينية على نطاق واسع. نتيجةً لذلك، قد تصبح المعايير الصينية في استخدام هذه التكنولوجيا هي المعايير المقبولة عالميًا.

غياب التعاون الدولي وتأثيره على الولايات المتحدة

عدم رغبة إدارة ترامب في الانخراط في التعاون الدولي لمواجهة قضايا المناخ يمكن أن يفسح المجال أمام الصين لتكون اللاعب البارز في هذا المجال، خصوصاً في ظل حاجات العالم المتزايدة إلى التكنولوجيات المبتكرة والمنتجات اللازمة لتحقيق التحول الأخضر.

التأثير المتزايد للصين في الساحة الدولية

لا يمكن تجاهل التأثير الدولي الذي ستحققه الصين بفضل تركيزها على التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة، كما يتضح من التعهدات التي أُعلنت خلال منتدى التعاون الصيني – الأفريقي الأخير. المنتدى أيضًا شهد توسيع التعاون في مجالات مثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

الصين كمعيار للذكاء الاصطناعي

مع غياب الولايات المتحدة، فإن الصين قد تكون قادرة على وضع المعايير الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي. لذا، فإن محاولات الصين لتكون لاعباً رئيسياً في حوكمة هذا المجال تشكل تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة، التي قد تسعى إدارتها الجديدة إلى توجيه تركيزها نحو القضايا الداخلية تحت شعار “أميركا أولاً”.

العلاقات العالمية: تأثير الصين والولايات المتحدة

توازن القوى بين الولايات المتحدة والصين يعتمد بشكل أساسي على علاقاتهما مع الدول الأخرى، وليس فقط على تفاعلاتهما الثنائية. في ظل التنامي السريع لنفوذ الصين داخل الأمم المتحدة من خلال مبادراتها، ستكون في وضع أفضل للاستفادة من أي غياب محتمل للولايات المتحدة من الساحة العالمية.

خيارات حلفاء الولايات المتحدة

من جهة أخرى، حلفاء الولايات المتحدة قد لا يملكون العديد من الخيارات لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد، خاصةً مع تجاهل البيت الأبيض للسياسات الدولية. في حال حدوث نزاع تجاري بين أمريكا والصين، قد يؤثر ذلك سلبًا على استراتيجية ترامب، وبالتالي فإن “أميركا أولاً” قد تعزز من موقف الصين الراغبة في تحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب.

لذا، فإن أفضل الأساليب لحلفاء الولايات المتحدة تكمن في التكيف مع الواقع الجديد لعالم يتصاعد فيه النفوذ الصيني.

خط إنتاج للسيارات الكهربائية في مصنع شركة «ليب موتور» بمدينة جينهوا الصينية (أ.ف.ب)

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version