جيل “زد” السوري الذي دفع الثمن مبكرا
الجيل الذي وُلد بين عامي 1996 و2011، تتراوح أعمار أفراده اليوم بين 13 و28 عاماً، ويعيش معظمهم في دول الجوار أو في مخيمات اللاجئين في أوروبا، بعد أن أجبرت مآسي الحرب العديد منهم على الهرب بحثاً عن حياة آمنة. ومع استمرار الحرب، يزداد الغموض حول مستقبلهم، حيث يعاني الوضع الإنساني في البلاد من التدهور.
وفقاً للتقديرات الديمغرافية التي أعدها البنك الدولي مع مصادر حكومية سورية، كان عدد أفراد هذا الجيل حوالي 8 مليون فرد في عام 2011، وهو عاماً شهد بداية الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد، حيث شكلوا نحو 38.3% من إجمالي السكان آنذاك.
وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن أفراد هذا الجيل تعرضوا بين عامي 2011 و2024 لدوامات متكررة من العنف والتهجير، مما أدى إلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية في الغذاء، والصحة، والتعليم، وينتج عن ذلك آثار نفسية وجسدية مدمرة تؤثر على تشكيل هويتهم.
القمع في مرحلة متقدمة
خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، عاشت أجيال “إكس” (1965-1980) و”الألفية” (1981-1996) فترات سياسية عصيبة تخللتها حملات قمعية، ومجازر، واعتقالات في مختلف المدن السورية، مما أودى بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء.
هذا الفضاء القمعي انتقل إلى جيل “زد”، بحسب أحد المعارضين السياسيين عماد غليون، الذي أشار إلى أن آثار الخوف والقلق من نظام الأسد الأب استمرت بعد وفاته، وتضخمت مع حكم الأسد الابن منذ عام 2000.
غليون أكد أن التحولات التي شهدتها الدولة، والتي حولت سوريا إلى نظام حكم إقصائي يعتمد على الأجهزة العسكرية والأمنية، لم تمنع الغضب الشعبي الصامت، الذي ظهر للعلن في عام 2011 عندما قام أطفال من جيل “زد” بكتابة شعارات تنتقد النظام في شوارع درعا.
رغم جهود النظام في محاولة السيطرة على عقول هؤلاء الأطفال من خلال التعليم المنحاز، فإن غليون أشار إلى أن النظام فشل في القضاء على أحلامهم في الحرية والكرامة.
التحرر من عباءة الخوف
في بداية عام 2012، انضم الشاب عبد السلام، الذي كان في الخامسة عشر من عمره حينها، للاحتجاجات في مدينة حماة. وقد شهد مقتل العديد من المتظاهرين من جيله برصاص القوات الحكومية. وعبر عن شعوره تجاه تلك المجزرة قائلاً: “لقد لقوا حتفهم وهم يحملون الورود”.
في تلك الأثناء، فر عبد السلام إلى الأردن بمساعدة أصدقائه بعد تعرضه لملاحقات أمنية، وقدم طلب لجوء إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الذي تمقبوله، فيما تابع دراسته في العاصمة عمان على أمل العودة إلى بلده، مؤكداً أن حلم العودة لا يزال حاضراً في ذهنه.
### جيل زيد… أثمان باهظة بسبب النزاع في سوريا
كشفت الأمم المتحدة عن أن أكثر من 10 آلاف طفل من جيل زيد فقدوا حياتهم على يد قوات الأمن السورية والجيش النظامي خلال السنوات الثلاث الأولى من النزاع. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد أكبر منهم تعرض لإصابات بسبب القصف الجوي والبري.
تقرير يؤكد معاناة الأطفال
في تقريرٍ قدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن في يناير 2014 حول الأطفال في النزاع المسلح بسوريا، تم توثيق انتهاكات جسيمة مثل قتل وتشويه الأطفال، وعائق حصولهم على التعليم والرعاية الصحية. كما أشار التقرير إلى أن الفترة من مارس 2011 إلى 2013 شهدت اعتقال عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا، واستخدامهم كدروع بشرية أمام الدبابات. وقد تعرض العديد منهم، وخاصة الأطفال في عمر 11 عامًا، للرصاص خلال مظاهراتهم المناهضة للحكومة، مما أسفر عن مقتل الكثيرين وإصابة آخرين بجروح بليغة.
تأثيرات نفسية وسلوكية على الجيل
تأثرت سلوكيات الشباب السوريين من جيل زيد بشكل كبير بتجارب آبائهم من جيلي إكس والألفية، حيث عانوا من الفقر السياسي والاستبداد على مدى نصف قرن. ونتيجة لهذا التأثير، حاولوا التمرد وكسر القيود، إلا أن علاقاتهم مع جيل الألفية أظهرت تساوقًا في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة.
ازدادت أيضًا شعبية مصطلحات جديدة مثل “الدولة المدنية” و”المواطن العالمي”، ما ساهم في تشكيل هويتهم التي تجمع بين الهوية المحلية والإقليمية والعالمية، مما دفعهم في بعض الأحيان نحو العصيان والعنف.
كشفت دراسة أجرتها جامعة كامبردج بين عامي 2019 و2020 على نحو 1300 فرد من جيل زيد في دمشق، أن 53% منهم عانوا من آثار سلبية مثل اضطراب ما بعد الصدمة وسرعة الغضب. كما أظهرت الاستبيانات أن 58% تعرضوا لخطر مباشر، وأن 40% فقدوا أحد الأقرباء بسبب النزاع.
النساء أكثر تأثراً بالحرب
لاحظ الباحثون أن تأثير الحرب كان أكثر قسوة على الفتيات، حيث أظهرت النتائج أنهن يعانين من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة، مما أثر سلبًا على نوعية حياتهن مقارنة بالفتيان.
هوية مجزأة وتحديات اجتماعية
يشير الخبير في التنمية البشرية، إبراهيم السعيد، إلى أن بعض أفراد الجيل ولدوا مع بداية الصراع في مناطق النزاع واكتسبوا صورة المحارب، مما أدى إلى تبلور هويتهم حول الحرب والقتال. ويعزو السعيد تراجع معرفتهم بالماضي إلى سياسة تجهيل تهدف إلى استبدال الذاكرة التاريخية بإرث الأجيال السابقة.
أوضح السعيد أن هذه الديناميكيات أنتجت هوية مجزأة في المجتمع، مما أدى إلى تصاعد الاصطفافات السياسية والعقائدية. وأشار إلى أن الكثيرين من النازحين يحملون هويات ذات خلفيات أيديولوجية، لكن جميعهم يسعون إلى بناء دولة تحمي حقوقهم وتطلعاتهم.
دعوات للدعم والحوار
في سياق متصل، عبّر همبرفان كوسه، عضو غرفة دعم المجتمع المدني السوري، عن قلقه إزاء الانقسامات بين الشباب السوري. وفي حديثه خلال مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا، دعا إلى دعم الحوار بين الشباب بما يتجاوز الخلافات الجغرافية والطائفية، مؤكدًا على أهمية الابتعاد عن نشر خطاب الكراهية.
صورة توضيحية: تأثيرات الحرب في سوريا كانت أسوأ بالنسبة للفتيات إذا يعانين غالبا من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة (رويترز)
الأزمة الراهنة في سوريا: الواقع المأساوي
في تقرير للأمم المتحدة، اعتبرت الصراع في سوريا من أكثر الحروب دموية حول العالم. بالإضافة إلى الدمار الاقتصادي الذي وصل إلى 400 مليار دولار، فقد فقدت سوريا ما يزيد عن 500 ألف شخص، وأكثر من 970 ألف مفقود، بينهم 155 ألف امرأة. بينما تشير الإحصائيات إلى أن البلاد شهدت أكبر نسبة نزوح داخلي، حيث بلغ عدد النازحين داخليًا حوالي 7.2 مليون شخص، و6.5 مليون لاجئ خارج البلاد.
تحديات جيل زد في سوريا
تعتبر الظروف التي عاشها جيل زد السوري واحدة من أكبر التحديات التي واجهتهم، حيث يواجهون فقرًا في الأمن والتعليم بالإضافة إلى نقص في الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية. وقد أفاد عدد من الشباب بأن الضغوط الأمنية وعمليات التجنيد الإجباري دفعتهم للهروب من البلاد.
وحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن الجيل الذي نشأ خلال الصراع قد تعرض لأساليب تأقلم سلبية، حيث اضطرت الأسر إلى إرسال أطفالها للعمل بدلاً من التعليم بسبب الأزمات المالية التي تعاني منها 90% من الأسر. من جهتها، تعبر إيلينا ديكوميتيس، مستشارة السياسات المعنية بالشباب في المجلس النرويجي للاجئين، عن أسفها لاضطرار الشباب إلى التخلي عن مرحلة المراهقة بسرعة كبيرة لخوض مسؤوليات في تأمين لقمة العيش لعائلاتهم.
الواقع التعليمي في سوريا:
بحسب تقرير لليونيسيف، فإن نحو 2.5 مليون طفل فقدوا فرص التعليم في سوريا، في ظل أكبر أزمة تعليم تشهدها البلاد. وقد صنف التقرير العديد من المؤسسات التعليمية بأنها إما مدمرة أو مصابة بأضرار، أو تؤوي نازحين، في حين تعاني أخرى من الضغوط الهائلة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وانتقل ماجد، أحد مواليد جيل زد، إلى تركيا بعد هروبه، حيث استشعر وجود بدائل تعليمية أفضل، وكشف أنه لم يمتلك المهارات اللازمة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة عند بداية رحلته. وأفاد بأنه شعر فجأة بفجوة كبيرة بين إمكانيات جيله في البلدان المجاورة ومجتمعه في سوريا، التي عانت لفترة طويلة من التقييد والانغلاق.
وأشار إلى أنه في بداية عصر الإنترنت، كانت العائلات تخفي أجهزة الاستقبال الخاصة بها خوفًا من السلطات، كما تم الاحتكار على تكنولوجيا الاتصال، مما جعل الوصول إلى الخدمات الرقمية محدودًا.
القفزات التكنولوجية المحدودة: التحديات التي تواجه الشباب1
حسب دراسة لليونسكو عام 2021 تستعرض مهارات الشباب السوري، أكد عديد من المستجيبين أن غياب الوصول إلى الإنترنت والهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى عدم قدرتهم على الظهور عبر الفضاء الرقمي.
وفي الختام، تشكل هذه التحديات حياتهم اليومية، حيث يعاني العديد من الشباب في الداخل من صعوبة الحصول على فرص عمل رقمية تتناسب مع إمكانياتهم بسبب ضعف الإنترنت وعدم كفاية التغطية.
[1] هذه التحديات تؤكد ضرورة العمل على تحسين الظروف التعليمية والتكنولوجية للشباب السوري لتعزيز مستقبلهم.