الفرص و الأزمات: التحولات المتسارعة في سوريا
فرصة غير متوقعة
في فورة الأزمات تظهر الفرص، وفي لبّ كل فرصة قد تكون هناك أزمات كامنة. التقدم السريع للمعارضة السورية في الأسبوع الماضي هو رد فعل غير متوقع لصراعين آخرين، أحدهما قريب والآخر بعيد. هذه الأحداث تترك حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين أمام قوة إسلامية جديدة وغير معروفة نسبياً، تسيطر على أجزاء واسعة من الجوار الاستراتيجي لسوريا – وربما معظمها، بالنظر إلى وتيرة الأحداث حتى لحظة كتابة هذه السطور.
عقد من عدم الاستقرار
خلال العشرين عاماً الماضية، استحوذت سوريا على الكثير من النقاشات الدبلوماسية، ويبدو أن هذه الأيام شهدت تغييرات جذرية كما لو كانت ناتجة عن فراغ. منذ غزو العراق، عانت الولايات المتحدة للعثور على سياسة فعالة تجاه سوريا تتوافق مع الاحتياجات المتباينة لحلفائها، مثل إسرائيل، الأردن، تركيا، والشركاء الأخرين مثل العراق ولبنان.
سوريا كمحور للاضطرابات
لطالما كانت سوريا نقطة التقاء معقدة في المنطقة: حيث تربط بين نفط العراق والمتوسط، وتشبيك الشيعة في العراق وإيران مع لبنان، وخلق علاقة بين تركيا وبلاد الشام. وقد أدرج جورج بوش سوريا في محور الشر، بينما تجنب باراك أوباما الاقتراب من هذا الملف تفادياً لزيادة تعقيده، بينما قام دونالد ترامب بقصفها بشكل سريع مرة واحدة.
سنوات من القمع
تحت حكم نظام وحشي على مدى عقود، عادت مدن مثل حماة وحمص ودمشق لتكون في الأخبار، بسبب سقوط النظام السريع وقدرتها على إحياء أسوأ أجزاء تاريخها، مثل مذبحة حماة في 1982، وحصار حمص في 2012، واستخدام الغاز السام في الغوطة عام 2013. وتضاربت الأحداث خلال السنوات الماضية مع ظهور “داعش” بين 2014 و2017، لكن الأسبوع الماضي أثبت إمكانية حدوث تحرير، رغم أن الكلفة لا تزال مجهولة.
مستقبل بشار الأسد
المصير المتغير لبشار الأسد لم يُشكل في سوريا بل في مواقع مثل جنوب بيروت ودونيتسك. فقد سقط النظام بشكل دراماتيكي عندما فقد الدعم المادي من القوات الجوية الروسية وميليشيات حزب الله.
مقاتلو المعارضة السورية بجانب مركبة حكومية محترقة جنوب حماة، سوريا، في 7 ديسمبر 2024.
غيث السيد – أسوشيتد برس
تأثير الصراعات الخارجية
الحرب القاسية والفعالة التي شنتها إسرائيل على حزب الله لم تعر اهتمامًا كبيرًا بمصير الأسد، رغم أنه قد تكون لها تبعات. من جهة أخرى، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا قبل 34 شهرًا إلى أضعاف قدرة موسكو على دعم حلفائها في الشرق الأوسط. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى هذا الوضع، حيث تغيرت موازين القوى في المنطقة.
التحديات الإيرانية
إيران، التي كانت محكومة بصراعها مع إسرائيل، تكبدت خسائر فادحة في الأشهر الستة الماضية، حيث تحولت عملياتها العسكرية إلى هجمات صاروخية بعيدة المدى، بينما تعرضت هيكلية حزب الله لضغوط كبيرة بفعل الغارات الجوية القاسية.
انهيار المفاهيم التقليدية
يشهد الشرق الأوسط تحولات جذرية حيث تتهاوى الأفكار التي كانت تُعتبر راسخة، مثل القوة الإيرانية والصلابة الروسية كحليف. فانتصارات الأسد كانت نتيجة لعمليات القتل والضغوطات التي مارسها حلفاؤه، مما جعل ميزان القوى لصالح الأقلية العلوية التي يحكمها.
دور القوى الإقليمية
عندما تتعثر القوى الإقليمية الراسخة في اتخاذ قراراتها، تولد لحظات مفصلية.# صراع في سوريا: تركيا تلعب ورقة استراتيجية
على الرغم من المخاطر، إلا أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، استغلت الأوضاع في سوريا التي كانت لها تبعات كبيرة عليها.
تأثير اللجوء السوري
تضطر أنقرة إلى ممارسة سياسة طويلة المدى فيما يتعلق بسوريا، حيث استضافت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ منذ عام 2012. وقد شهدت الوضع تطورًا مقلقًا مع تأمين المقاتلين الأكراد – قوات سوريا الديمقراطية (SDF) المدربة والمجهزة من قبل الولايات المتحدة – لمناطق متاخمة لحدودها. من وجهة نظر تركيا، لم تختفِ مشكلة سوريا على الرغم من تراجع الانتباه إليها؛ بل تحتاج إلى تعديل الفوضى المستمرة لصالحها.
هجوم عنيف وتحول استراتيجي
الهجوم العنيف الذي شنته هيئة تحرير الشام (HTS)، المدعوم بالتكنولوجيا والتواصل الفعال، كشف عن وجود يد خفية وراء هذا التحرك. وقد أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تلك اليد عندما أعلن يوم الجمعة عن محاولاته للتفاوض مع الأسد بشأن مستقبل سوريا، وفشله، وتمنياته للهيئة في هجماتها نحو العاصمة دمشق. لقد كان هذا رسالة غير دقيقة لكن ضرورية في وقت يسوده التغيير المدوي.
من يستفيد من الفوضى؟
ما زال غير واضح من الذي عززته تركيا. حيث بدأت الأوساط العليا من HTS كتنظيم القاعدة، ورأت في داعش تطرفًا مفرطًا، والآن تحاول تقديم نفسها كتغيير ناضج. على الرغم من ذلك، التاريخ يُظهر أن مثل هذه التحولات قد تكون معقدة. بينما قد تكون تركيا أشعلت فتيل الهجمات، فإن سرعة انهيار نظام الأسد قد تكون غير متوقعة. هناك خطر في النجاح المفرط.
انعكاسات التغيرات السريعة
التغيرات السريعة وغير القابلة للتوقع تركت سوريا غارقة في قرارات سياسية جزئية وعجز أمريكي سابق. فعندما أكّد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خطه الأحمر عام 2013 فيما يتعلق باستخدام الأسد للأسلحة الكيميائية، لم يتخذ إجراءً حازمًا عندما تم استخدام غاز السارين في الغوطة. وقد كان هناك من يعتقد أن أي تدخل قوي قد يُعزز من شوكة المتمردين المتطرفين. ويرى البعض أن أمورًا مشابهة قد أعطت الفرصة لروسيا وإيران ليتدخلوا في الشأن السوري.
المستقبل غير المؤكد
لا نعرف الكثير عن الوضع الحالي في سوريا أو عن مغزاه. قد تُظهر هيئة تحرير الشام قدرتها على إدارة التنوع العرقي في سوريا بشكل أفضل من الأسد، الذي قد يتوارى في منفى في موسكو. وفي الوقت نفسه، قد تواجه روسيا انعكاسات جيوسياسية نتيجة غزوها لأوكرانيا.
نهاية الضغوط الأمريكية
وجهة نظر أوباما كانت موجهة لجمهور غربي مرهق بسبب الأزمات في العراق وأفغانستان، مما أدى إلى نوع من العزلة الناتجة عن التعب. ومع ذلك، نتج عن دعم أوباما الضعيف للمعارضة السورية تفشي تطرف داعش، وهو أسوأ نتيجة ممكنة حينما تلاعبت الدول الغربية بالتطورات الفوضوية.
الحاجة للتغيير
قد تكون التطورات السريعة في سوريا هي ما تحتاجه البلاد لتحقيق الاستقرار وتخفيف معاناتها. إلا أن السنوات الثلاثة عشر الماضية كانت قاسية، مما يجعل الوصول إلى السلام يبدو بعيد المنال، ويعكس عمق المعاناة التي عاشها الشعب السوري.