حوار الجزيرة نت مع كاشفة أسرار المومياوات المصرية: تقدير إنسانية الأجساد المحنطة

By العربية الآن



العربية الآن تحاور كاشفة أسرار المومياوات المصرية: أحترم إنسانية الأجسام المحنطة

د. سحر سليم اثناء فحص الجسم المحنط بكامل لفائفه و بداخل التابوت بشكل آمن ( سحر سليم)
فحص الجسم المحنط بكامل لفائفه داخل التابوت بشكل آمن (سحر سليم)
قبل حوالي عشرين عامًا، وفي إطار دراستها لزمالة ما بعد الدكتوراه في الأشعة العصبية بجامعة ويسترن أونتاريو الكندية، كانت الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة في جامعة القاهرة، تتولى أول مهمة علمية لها لفحص مومياء مصرية قديمة موجودة في أحد المتاحف الكندية. ومنذ ذلك الحين، قررت أن تكون دراسة “الأجسام المحنطة”، وهو المصطلح الذي تفضل استخدامه بدلاً من كلمة مومياء، إحدى مجالات شغفها. وقد حصلت الدكتورة سحر على دعم من وزارة الآثار والسياحة المصرية، مما أتاح لها الفرصة لفحص حوالي مئة مومياء، وهو ما لم يتسن لغيرها من الخبراء الأجانب.

وفي مقابلة خاصة مع العربية الآن، أجابت خبيرة أشعة الآثار والمومياوات عن العديد من الأسئلة المتعلقة بأهم الاكتشافات في حياتها المهنية والمعايير العلمية المتبعة في الفحص ودراسة المومياوات. إليكم نص الحوار.

ما هو اللقب الذي تفضلين أن نناديك به؟

أنا سعيدة بلقب “خبيرة مصرية”، فقد كان أحد أسباب نجاحي كوني مصرية، لأن الخبراء في الخارج يقومون بفحص مومياء أو اثنتين مما موجود في متاحفهم، بينما وجودي في مصر منحي فرصة غير متاحة لغيري لفحص الآثار والمومياوات بالأشعة. فقد أتاح لي التعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية على مدى عشرين عامًا فرصة فريدة لفحص المئات من “الأجسام المحنطة” في المتاحف ومواقع الحفائر، مما أكسبني خبرة لا تتوفر للعديد من العلماء. وقد أثمر هذا التعاون عن العديد من الأبحاث والنشر في مجلات علمية مرموقة.

هل كانت لديك رغبة خاصة للدخول في مجال أشعة الآثار، الذي لا يوجد فيه مصريون، بحثًا عن التميز؟

بصوت حازم: أنتم لا تختارون التميز، وإنما هو يأتي بشكل طبيعي. خلال بدء عملي في زمالة ما بعد الدكتوراه في الأشعة العصبية بجامعة ويسترن أونتاريو، كان يتم فحص مومياء مصرية قديمة في متحف كندي. حينها شعرت بحماس كبير لبلادي وقررت أن تُجرى مثل هذه الفحوصات في مصر على يد علماء مصريين، ومنذ تلك اللحظة قررت أن أتخصص في فحص “الأجسام المحنطة” بالأشعة، بالإضافة إلى دراستي وأبحاثي في مجال الأشعة العصبية وفحص الأجنة.

لماذا تفضلين مصطلح “الأجسام المحنطة” على “المومياوات”؟

أحب استخدام مصطلح “الأجسام المحنطة”، لكنني أضطر أحيانًا لاستخدام “المومياء” لأنها الأكثر شيوعًا. ورغم ذلك، أرى أن كلمة “مومياء” لا تحترم إنسانية الشخص المحنط، حيث ترتبط بأشياء غريبة ومخيفة فتُعيد للأذهان مشاهد من العصر الفيكتوري، عندما كانت تقام حفلات لفك اللفائف دون احترام لتاريخها.

لذا، خلال عملي كعضو في اللجنة العلمية للعرض المتحفي بوزارة الآثار المصرية، كنت حريصة على إضفاء لمسة إنسانية في العرض المتحف، بحيث يتعامل مع الجسد المحنط كإنسان له قصة تاريخية وليس مجرد شيء مخيف يعرض للزوار.

من بين مساهماتي التي أعتز بها، تصميم عرض متحفي في متحف الحضارة “قاعة المومياوات الملكية، فاترينة الطب في مصر القديمة، وهياكل ما قبل التاريخ من 55 ألف عام”، بالإضافة إلى متحف “صالة 3” في مطار القاهرة الدولي.

أثناء فحص بالأشعة بشكل آمن لطفل محنط داخل التابوت بموقع حفائر سقارة (سحر سليم )

انتقاد في غير محله

لكنك تجدين من يعتبرون عرضكم المتحفي ونشاطكم البحثي حول الأجسام المحنطة إهانة لها؟

أعتبر هذا الانتقاد غير مبرر، فنحن لا ننظم حفلات حول الأجسام المحنطة كما كان يفعل الغربيون، بل إننا نقوم بفحص علمي يحترم إنسانيتها. نحن نفحص الأجسام المحنطة دون إزالة اللفائف، وفي بعض الأحيان نقوم بفحصها داخل التوابيت الخاصة بها، بالإضافة إلى أننا نعتمد على تقنيات التشريح الافتراضي التي تحافظ على الأجساد، بما في ذلك الحمض النووي القديم.

هذه الأبحاث العلمية أدت إلى اكتشافات غيّرت مسار التاريخ، حيث ساهمت في فهم ظروف حياة وموت ملوك مصر القديمة مثل الملك رمسيس الثالث الذي قُتل في مؤامرة داخل الحريم، وأيضًا الملك سقنن رع الذي قُتل بأسلحة الغزاة الهكسوس، مما ساهم في تصحيح بعض المفاهيم التاريخية.

كما أثبتت الدراسات أن بعض الأمراض التي نعتقد أنها حديثة عانى منها المصريون القدماء، مثل تصلب الشرايين، واستطعنا وصف أول حالة وفاة بالسكتة القلبية منذ 3500 عام، بالإضافة لأمراض العمود الفقري. هذه الأبحاث تسهم في تقديم فهم أفضل للتاريخ الطبيعي للأمراض وطرق علاجها، مما يعود بالنفع على واقعنا الحالي. كما تؤكد هذه الفحوصات العلمية تطور الحضارة المصرية في مجالات مثل فهم تشريح الجسد ومعرفة القدماء بعلم الكيمياء وخصائص المواد التي تقاوم البكتيريا، والتي ساهمت في الحفاظ على الأجسام المحنطة لآلاف السنين.

لذا، لا أرى أي مبرر للمطالبة بمنع مثل هذه الدراسات العلمية الرصينة التي تلتزم بالضوابط العلمية والأخلاقية التي تحرص عليها وزارة السياحة والآثار المصرية.

وعن الإنجازات الرائعة التي شملت ملوكًا عظامًا مثل رمسيس الثاني، كيف تشعرين عندما تفحصين مومياوات هؤلاء؟

أشعر بالرهبة عندما أتذكر تاريخ هذه الشخصيات وهيبتها، لكن هذا الشعور سرعان ما يزول. أثناء الفحص، أتعامل مع الجسد المحنط كملف دراسي يتطلب التحقيق والبحث لكشف حقائق عن حياته وتاريخه.

وهم لعنة الفراعنة

لكن الجسد المحنط بمفرده قد يكون مثيرًا للخوف، فقد شعرت بالخوف بالفعل عند مشاهدة صورة مومياء المرأة الصارخة التي نشرت عنها دراسة مؤخرًا، فكيف يمكنك الإقناع بأنك تتعاطين مع هذا الجسد دون رهاب؟

(تضحك) لا تنسى أنني طبيبة وقد حضرت محاضرات التشريح على أجساد حقيقية أثناء فترة دراستي، مما ساهم في إزالة الكثير من الرهبة. أيضًا، عندما أتعامل مع الجسد المحنط، أستشعر إنسانيته وأعتبره جزءًا من تراثنا، مما يزيل أي شعور بالخوف. هذا التواصل مع أجدادنا عبر الزمن بالذات هو ما يميز الباحث المصري في فحص الآثار عن غيره.

ألا تخافين من لعنة الأجداد؟

(تضحك) لا تصدقين هذه الأساطير. من يتحدث عن “لعنة الفراعنة” ربما يسعى لجذب الانتباه بكلمات غير علمية.

العلم يبين، فيما يتعلق بما حدث لحالات الوفاة بعد فحص المومياوات في المقابر المصرية القديمة مثل “مقبرة توت عنخ آمون” الشهيرة، أنه لا يوجد علاقة مثبتة علميًا بين فحص المومياوات والوفاة. فالإنجليزي هاور كارتر، الذي اكتشف المقبرة عام 1922، توفي بعد 17 عامًا بشكل طبيعي.

لكن المقابر تحتوي على هواء فاسد، أليس من المحتمل أن يكون هو السبب في الوفاة؟

الهواء الفاسد يتم التخلص منه عن طريق فتح المقابر لأيام قبل الدخول إليها، كما أن هناك بروتوكولات صحية تُطبق لضمان الوقاية من هذا الخطر.

أمام مومياء الملك رمسيس الثاني بقاعة العرض المتحفي للمومياوات الملكية بمتحف الحضارة (سحر سليم )

استعادة المومياوات من الخارج

هل لديك انطباع بأنك من الفريق الذي يطالب باستعادة المومياوات المصرية من المتاحف الأجنبية؟

بالتأكيد، أنا من هذا الفريق الذي يطالب بعودة كل ما يتعلق الحضارة المصرية، وخاصة ما تم تهريبه أو سرقته، وليس فقط المومياوات. هناك جهود كبيرة تبذلها وزارة الآثار لاسترداد الآثار، بالإضافة إلى تنظيم معارض لها. هناك الكثير من المشاركين المخلصين لحضارتنا الذين يتكاتفون عالميًا لاستعادة آثارنا، وبشكل خاص الرموز الكبيرة مثل رأس نفرتيتي وحجر رشيد وتمثال رمسيس الثاني.

نادرا ما أجد لك بحثاً مشتركًا مع باحثين أجانب، هل يعود ذلك إلى ما سبق؟

الأمر ليس على هذا النحو، فلا أمتلك موقفًا ثابتًا ضد التعاون مع الأجانب في مشروعاتي البحثية في الطب أو أشعة الآثار. إذا راجعت قوائم مؤلفاتي، ستجد أنني في الكثير من الأبحاث أكون المؤلف الوحيد، وفي بعض الحالات يشاركني باحثون مصريون فقط. هذه الأبحاث نقوم بها بشكل كامل من حيث العمل والكتابة والنشر دون الحاجة لمشاركة أجانب، مما يدل على خبرتنا وقدرتنا كمصريين في مجالات العلوم والآثار.

لكن في حالات معينة، ليس هناك مانع من التعاون مع الباحثين الأجانب، إذا دعوني من قبل جهة بحثية أجنبية للاستفادة من خبرتي كما حدث في بعض الأبحاث الطبية المتعلقة بالأجنة والأمراض العصبية النادرة. وقد كان ذلك أيضًا في مجال أشعة الآثار حيث تم دعوتي لدراسة مومياوات جانجي في إيطاليا. كما أنني قمت بدعوة بعض الأجانب ذوي التخصصات المختلفة للمساهمة في مشاريع علمية مثل إعادة تركيب وجه الملك رمسيس الثاني، حيث تم الاستعانة بمركز متخصص في ليفربول لإنجاز ذلك. كذلك في مشروع إعادة تركيب وجه الملك توت عنخ آمون، لجأت إلى خبير في علم الأجناس ونحات متخصص في تماثيل الرأس.

أنا أرحب بالتعاون مع الخبراء في المجالات المختلفة، وهناك العديد من الخبراء المتميزين من مصر والعالم العربي، ولا مانع من التعاون مع الأجانب بشرط أن يكون ذلك ضروريًا.

أبرز 5 إنجازات

بالنسبة للاهتمامات الأخرى في تخصصك مثل فحوصات الأجنة، لماذا تبدو وكأنها تراجعت خلف دراسة المومياوات؟

شعورك غير دقيق لكن له ما يبرره. الأبحاث المتعلقة بالأجسام المحنطة تثير اهتمام الإعلام. بالنسبة للمهنيين في المجال الأكاديمي، يعرفون ما قدمته من أبحاث مهمة، وما زلت مستمرة في عملي الطبي وأبحاثي العلمية في مجالات الأشعة العصبية وفحص الأجنة بالتصوير بالرنين المغناطيسي، والمشاركة في تشخيص وعلاج الأمراض الوراثية. هذا إلى جانب دراستي لآشعة الآثار. إذا قمت بمراجعة قائمة مقالاتي في موقع “غوغل سكولار” خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، سترى أنني قمت خلال كل عام بأبحاث في مجال الآثار وأخرى في الطب، ويمكنك أن ترى هذا التنوع أيضًا عند مراجعتك لقائمة كتبي الموجودة على موقعي الرسمي.

ما هو أبرز إنجاز تفخرين به في مجال الأبحاث الطبية؟

أعتز بابتكار أول بروتوكول في العالم لفحص قلب الجنين أثناء الحمل باستخدام الرنين المغناطيسي، والذي تم تسجيله باسمي عام 2007.

وأخيراً: ما هي الإنجازات التي تفتخرين بها بشدة؟

لدي العديد من الإنجازات التي أعتز بها، ولكن سأختار بعضًا منها:

أولًا: أوضحنا الطرق المختلفة لتحنيط المخ والمواد المستخدمة من قبل المحنطين داخل الجمجمة، من خلال دراسة مقارنة للمومياوات الملكية.

ثانيًا: اكتشفنا من خلال فحوص الأشعة المقطعية أن المحنطين للملوك منذ الأسرة رقم 18 وضعوا حشوات تحت الجلد في الوجه والجسد في المواضع ذاتها التي يستخدمها جراحو التجميل حاليًا، وهو ما كان غير معروف لعلماء المصريات الذين اعتقدوا أن هذه التقنية استخدمت فقط مع الأسر المتأخرة، وبذلك صححنا بعض المفاهيم غير الصحيحة.

ثالثًا: في الفحص الذي نشرته مؤخرًا حول المرأة الصارخة، ثم اكتشفت أن التحنيط احتفظ بالأحشاء دون إزالتها، وحفظ الجسد باستخدام مواد تحنيط قيمة، وهذه التقنية تُعتبر نوعًا فريدًا من التحنيط، وهي مخالفة لما كان مفهوماً سابقًا بوجوب إزالة الأحشاء لتفادي تعفن الجسد.

رابعًا: تمت إزالة اللفائف عن المومياوات وتشريح جسد المومياء بشكل آمن مثل مومياء الملك أمنوحتب الأول ومومياء الصبي الذهبي، حيث حصل لغز مومياء الملك على المركز الأول لأفضل 10 اكتشافات لعام 2022 من قبل المعهد الأمريكي للآثار ومجلة الآثار الأمريكية، كما بلغت مومياء الصبي المركز الخامس ضمن أفضل 20 اكتشافًا أثريًا بالعالم لعام 2023 وفقًا لتصنيف مجلة جزمودو.

خامسًا: إعادة تركيب وجه الملكين رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون، وهو مشروع يحتاج إلى دقة علمية عالية حيث اعتمدنا على تقنية الأشعة المقطعية في قياس الوجه والرأس، واستخدمنا معلومات دقيقة من علم الأجناس ودراسات قياسات وجه المصريين القدماء، بالإضافة إلى استخدام مختصين في الطب الشرعي ونحاتين لأعمال الرأس.

المصدر : العربية الآن



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version