دبلوماسية الهدهدة: استراتيجيات أحمد الشرع في سوريا

By العربية الآن


“دبلوماسية الهدهدة”.. كيف يتحرك أحمد الشرع في حقل الألغام السوري؟

Syria's de facto leader Ahmed al-Sharaa attends a meeting with former rebel faction chiefs, as he reached an agreement with them to dissolve all groups and consolidate them under the Defence Ministry, according to a statement from the new administration, in Damascus, Syria, in this handout image released on December 24, 2024. SANA/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THIS IMAGE.
الزعيم الفعلي لسوريا أحمد الشرع في اجتماع مع رؤساء الفصائل في سوريا. توصل معهم إلى اتفاق لحل جميع المجموعات وتوحيدها تحت إشراف وزارة الدفاع (رويترز)

بعد مغادرة بشار الأسد لسوريا على متن طائرة روسية إلى موسكو في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ترك كومة من الألغام خلفه. كانت سوريا تعاني من بنية تحتية مدمرة، ونقص حاد في أساسيات الحياة مثل الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى تدهور الليرة السورية، ورواتب الموظفين التي لا تتجاوز 10 إلى 25 دولارًا في الشهر. كما أن النزاعات الاجتماعية وأعداد المفقودين التي تفوق 100,000 شخص كانت توضح حجم الكارثة. فوق ذلك، كانت سوريا تحت طائلة عقوبات قاسية تمنع الاستثمارات الأجنبية، مع تواجد قوى دولية مثل أمريكا وروسيا.

ومن بين الألغام الجديدة كانت هيمنة قوى قديمة على الوضع، حيث تصنف هيئة تحرير الشام على أنها منظمة إرهابية، مما خلق مخاوف من صعود أشخاص لمقاعد الحكم كانوا سابقًا ضمن تنظيمات جهادية. أعطى هذا القلق بعدًا جديدًا لأن الهوية المنتصرة في الحرب قد تُرافق بشكوك حول مدى قدرتها على الحفاظ على تنوع المجتمع السوري وتطلعاته.

لقاء جمع القائد أحمد الشرع مع الفصائل العسكرية نوقش فيه شكل المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة (مواقع التواصل)

تفكيك حقل الألغام خطابيا

واجهت الإدارة السورية الجديدة هذه الألغام مباشرة عقب سقوط الأسد، حيث اعتمدت على “خطابها” المحدد الذي يعكس وعيها بالعلاقات القوة السائدة. من أمثلة ذلك، خطاب المتحدث السابق لتنظيم الدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني، الذي اتسم بالعدائية، مما أدى إلى عزله. في مقابل ذلك، أظهر أحمد الشرع خطابًا سياسيًا يمزج بين التهدئة والتحالفات الداخلية والخارجية.

تميز الشرع بخطابه المتوازن الذي يعمل على تفكيك الألغام السياسية، ويحقق الاطمئنان للداخل والخارج بعدم وجود نية للانتقام أو التهديد. يرتكز على التنمية الاقتصادية والتعافي من آثار الحرب.

كما أشار الشرع إلى ضرورة مشاركة جميع المكونات السورية في صنع المستقبل، مؤكدًا أنه لا يعتبر نفسه محررًا، بل يثمن تضحيات الجميع. وقد قام بطمأنة الأقليات بأن دينهم يحفظ حقوقهم، مشددًا على أهمية وحدة سوريا وعقد اجتماعي يضمن العدالة.

لقاء أحمد الشرع مع الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط (الفرنسية)

على المستوى الإقليمي، بعث الشرع برسائل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، مؤكدًا أنه يسعى إلى خلق علاقات متوازنة في المنطقة، بما لا يتعارض مع مصالح الدول الجارة.

### السلوكيات السياسية السورية الجديدة

صرح أحمد الشرع نائب وزير الخارجية السوري بأن “سوريا لن تؤيد طرفًا على آخر في لبنان، وتؤكد احترامها لسيادة لبنان ووحدة أراضيه وأمنه”. يأتي هذا التصريح في ظل المخاوف المستمرة في بيروت من الهيمنة السورية التاريخية على السياسة اللبنانية، وقد تكررت تلك الرسائل فيما يتعلق بالعراق والأردن. كما أشار الشرع إلى دور سوريا في تقليص نفوذ الميليشيات المرتبطة بإيران، مما يسهم في حماية أمن المنطقة، وخاصة دول الخليج، لعقود قادمة.

### خطاب الشرع وتطلعاته الدولية

على الساحة الدولية، قدم الشرع خطابًا يركز على المصالح المشتركة بين الإدارة السورية الجديدة والغرب. وتحدث عن أهمية الاستقرار لعودة اللاجئين، ومكافحة تجارة الكبتاغون، وفتح الباب للاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، اقترح أيضًا ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ورفع “هيئة تحرير الشام” من قوائم التنظيمات الإرهابية، لدعم بناء الدولة الجديدة وتعزيز انفتاحها على العالم.

### التشكيك في نوايا الحكومة السورية

رغم هذه المحاولات، تم استقبال خطاب الشرع بشكوك. يبدو أن هناك مخاوف من أن يكون هذا الخطاب “مرحليًا”، يغطي ضرورة ذات طابع لحظي ريثما يثبت نفسه في السلطة. وقد أكدت الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن أنها ستربط مواقفها بأفعال الحكومة السورية، وليس مجرد أقوال. كما أضافت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على مدى وفاء القيادة الجديدة بتعهداتها.

### الموقف الإسرائيلي

على الجانب الآخر، تبنت الحكومة الإسرائيلية موقفًا أكثر تشددًا، حيث وصف وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر النظام الجديد في دمشق بأنه “عصابة وليس حكومة شرعية”، مشيرًا إلى أنه يدار من قبل جماعة متطرفة. وأشار مسؤولون إسرائيليون آخرون إلى أنهم لن ينخدعوا بالخطابات اللطيفة من قبل سوريا الجديدة، مؤكدين أنهم سيقيمون الأفعال بدلًا من الأقوال.

### الأفعال العملية والإصلاحات

بعد شهر من دخول دمشق، بدأ أحمد الشرع في اتخاذ خطوات عملية تواجه التحديات الحالية، مثل تشكيل وزارة الدفاع ودمج الفصائل المسلحة. عُين مرهف أبو قصرة، قائد سابق في “هيئة تحرير الشام”، وزيرًا للدفاع، وبدأت تحديثات على الرتب العسكرية لتشمل قادة شاركوا في عمليات مهمة.

كما عزز الشرع إدارته بضم شخصيات مقربة لديه في مناصب مهمة، وعين عمالقة من “هيئة تحرير الشام” في وزارات رئيسية مثل الخارجية والاستخبارات. وفي خطوة رمزية، عُينت ميساء صابرين على رأس البنك المركزي لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب.

### السيطرة على الفوضى

نجح الشرع في تقليص ظاهرة الثأر والانتقام، من خلال التنسيق مع وجهاء المجتمع، مما أدى إلى تنفيذ حملات مداهمة منظمة على الأحياء المتوترة. كما تم منح عناصر النظام السابق مهلة لتسليم الأسلحة واستقرار أوضاعهم.

### الإصلاحات الخدمية والاقتصادية

تسعى الإدارة الجديدة لتقديم إنجازات ملموسة تعزز شرعيتها، مثل زيادة ساعات توفير الكهرباء، والتعاون مع تركيا لربط شبكات الكهرباء، وتحرير سقف السحب البنكي. كما شملت الإصلاحات زيادة الرواتب بشكل كبير وتخفيف القيود على تداول العملات.

### الانفتاح على المجتمع الدولي

على صعيد العلاقات الدولية، حرص الشرع على تعزيز العلاقات مع الدول الغربية، وتواصل مع وزراء الخارجية في عدة دول ووفود أمريكية. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تحتاج سوريا لنحو 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو مبلغ يصعب تأمينه بوجود العقوبات.

المبعوث الخاص بالأمم المتحدة “غير بيدرسون” يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج فندق في دمشق في 18 ديسمبر 2024 (الفرنسية)

رابط المصدر

## جهود أحمد الشرع في تعزيز الوجود السوري

يُسعى أحمد الشرع، وزير الخارجية السوري، إلى تحقيق توازن بين الوجود الأميركي في سوريا، الذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والضغوط الأميركية والغربية على الإدارة الجديدة، وبين الوجود الروسي في البلاد. الشرع أبدى استعداده للتعاون مع موسكو، ولم يطلب منها إخلاء قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم. وقد أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن شكره للشرع، مشيراً إلى عدم تلقّي موسكو أي طلبات من سوريا بشأن مراجعة الاتفاقات المتعلقة بهذه القواعد، معبراً عن رغبة بلاده في التعاون مع السلطات السورية الجديدة في مجالات الاقتصاد والاستثمار.

## الرسالة الموجهة للغرب

تتجلى في كلمات الشرع رسالة واضحة، مفادها أن المطالب الغربية بإخراج الروس من سوريا بحاجة إلى مقابل مثل رفع العقوبات عن سوريا، الاعتراف بالإدارة الجديدة، ورفع أسماء أفرادها من قوائم الإرهاب. كما تشير الضوء إلى ضرورة التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية، التي خالفت اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. ويعلم الشرع جيداً أن ضغوط الغرب قد تؤثر على تحقيق مصالح سوريا، وفي المقابل يتيح وجود روسيا لسوريا استعادة التفوق العسكري.

## موقف الإقليم والعلاقات مع تركيا وقطر

على الصعيد الإقليمي، ثمن الشرع مواقف تركيا وقطر تجاه الإدارة الجديدة، وأشار إلى أن لهما الأولوية في مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار. كما أظهر حرصاً على الانفتاح على دول الخليج، وخاصة السعودية، حيث أرسل أول وفد رسمي للإدارة الجديدة إلى المملكة. وقد أبدى الشرع حرصه على طمأنة الرياض بأن التغييرات في سوريا تصب في مصلحتها، وقد تلا ذلك تحركات سعودية مثل تدشين جسر جوي وبري للمساعدات.

## تعزيز الشرعية داخلياً وخارجياً

من خلال جهوده، يركز الشرع على تعزيز شرعيته داخلياً وخارجياً، بما في ذلك تقديم خدمات للمواطنين وتذويب الكيانات المتعددة ضمن الدولة. في الوقت ذاته، يسعى إلى تطوير مصالح مشتركة مع الأطراف الخارجية، وتفكيك أي محاولات لتشكيل معارضة للسياسة السورية الجديدة، مع تأجيل التركيز على ملف الاعتداءات الإسرائيلية.

## تحديات إدارة التطورات السياسية

تواجه الإدارة الجديدة العديد من التحديات، حيث تمدها دول إقليمية بالsupport. بينما تتبنى الولايات المتحدة وأوروبا نهجاً حذراً في التفاعل معها، مما يضع الشرع في موقف يتطلب تحقيق توازن دقيق بين مختلف الاتجاهات. ومن المرجح أن تستمر الإدارة الجديدة في العمل على تعزيز العلاقات مع جميع الأطراف المتعاونة، مع الاحتفاظ بحقها في الدفاع عن سيادة سوريا.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version