تزايد أسعار الإيجارات وأزمة سكن تلاحق النازحين في سوريا
دمشق – تشهد الأسعار الفعلية لإيجارات الشقق السكنية ارتفاعًا مستمرًا، مما يضاعف من معاناة النازحين السوريين الذين لجأوا إلى المدن والمناطق بسبب الحرب. ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب على الشقق ونقص المعروض منها، مما أدى إلى أزمة سكنية تثقل كاهل النازحين والمقيمين على حد سواء، حسب خبراء.
تتجلى هذه الأزمة في مدن مثل حمص ودمشق ومناطق أخرى تحت السيطرة الحكومية، خصوصًا بعد تدفق آلاف الأسر السورية إلى هذه المناطق نتيجة النزوح من العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي بدأ قبل أسبوعين.
تمكنت هذه الزيادة في أسعار الإيجارات من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الحالية، مما أحال الأمور إلى المزيد من التعقيد.
معاناة مضافة
“فوق الموت.. عصّة (ضيق) القبر” هي العبارة التي استخدمها محمد (44 عامًا) لوصف الوضع المأسوي الذي يعيشه بسبب زيادة إيجار شقته في ضاحية قدسيا في محيط دمشق.
يقول محمد، الموظف في شركة لصناعة المنظفات، للجزيرة نت: “لم يكن يكفينا ما مررنا به من صعوبات، وطالتنا الزيادة الجديدة في الإيجار”. ويضيف أنه يعمل لمدة عشرة ساعات يوميًا، ولكن راتبه لا يغطي سوى نصف مصاريف الشهر، ومع الزيادة الجديدة لن يكفي لدفع الإيجار أكثر من أسبوع.
ويشير محمد إلى أنه ليس الوحيد الذي يواجه هذه المشكلة، بل أن معظم سكان العمارة التي يسكنها عانوا من ارتفاع الإيجارات، حيث قرر بعض السكان الانتقال إلى مناطق أرخص.
منذ ثماني سنوات، تعيش عائلة محمد المكونة من ستة أفراد بحدود ضيقة بعد نزوحهم من دير الزور، حيث يبلغ مجموع دخلهم الشهري من راتبه (900 ألف ليرة سورية) وراتب ابنيه (مليونا و200 ألف ليرة) حوالي 2.1 مليون ليرة، في حين ارتفع إيجار شقتهم إلى مليون و150 ألف ليرة بعد أن كان 800 ألف.
أحياء دمشق وضواحيها
رصدت الأحياء في دمشق وضواحيها زيادة كبيرة في أسعار الإيجارات، حيث ازدادت نسبة الارتفاع في أسعار الإيجار وفقًا للمكاتب العقارية بين 25% و100% في الأسابيع الأخيرة.
يتراوح متوسط إيجار الشقق المكونة من غرفتين وصالة بين مليون و500 ألف ليرة و3 ملايين ليرة (100-200 دولار) للشقق غير المفروشة، بينما تصل الإيجارات المفروشة إلى متوسط يترواح بين 3 ملايين و5 ملايين ليرة (200-340 دولار)، مع تجاوز الأسعار في بعض الأحياء الراقية هذه الحدود.
تتراوح أسعار إيجارات الشقق في مناطق ريف دمشق وحمص وطرطوس بين مليون ومليوني ليرة للشقق غير المفروشة، أي ما يعادل (65-135 دولارا)، بينما تتراوح إيجارات الشقق المفروشة بين مليوني و3 ملايين ليرة (135-200 دولار)، وفقًا لنوعية الأثاث والتجهيزات. وتعد هذه المناطق من بين الأكثر استقبالا للنازحين من لبنان منذ تصاعد العدوان الإسرائيلي قبل أسبوعين.
استغلال حالة النزوح
يتبع بعض سماسرة العقارات في دمشق وريفها استراتيجية استغلال حالات النزوح الراهنة حيث يرفعون الإيجارات بشكل كبير أو يضغطون على المستأجرين لإخلاء الشقق، لاستبدالهم بنازحين جدد من لبنان. هؤلاء السماسرة لا يحققون أرباحًا من زيادة قيمة الإيجار فقط، بل أيضًا من “العمولة” التي تعادل إيجار شهر كامل و”مبلغ التأمين” الذي يصل إلى نصف قيمة الإيجار الشهري للشقة.
بناءً على هذه الأوضاع، قد يضطر المستأجرون مثل من انتقل إلى شقة جديدة بمبلغ إيجاري قدره مليونا و500 ألف ليرة (100 دولار)، لدفع 3 ملايين و750 ألف ليرة (250 دولار) دفعة واحدة لأي رسوم مرتبطة بالشقة، بما في ذلك نقل الأثاث الذي زادت تكاليفه مؤخرًا بسبب نقص المحروقات.
ويستغل بعض المؤجرين نقص الشقق المعروضة للإيجار في بعض أحياء العاصمة، حيث يطلبون إيجارًا لمدة 3 أو 6 أشهر مقدما من النازحين الجدد، تاريخًا لـ”ضمان حقهم” في حال قرر المستأجر مغادرة الشقة خلال فترة قصيرة.
مأساة النازحين
تحدثت إنصاف (51 عامًا)، أم لثلاثة أطفال ونازحة لبنانية، عن تجربتها بعد انتقالها إلى دمشق. بعد أسبوع من الإقامة عند أحد أقاربها، وجدت شقة للإيجار في مدينة صحنايا، لكن المكتب العقاري اشترط عليها دفع 3 أشهر مقدمًا بالدولار، بالإضافة إلى العمولة والتأمين. وبالمجموع، دفعت 10 ملايين و350 ألف ليرة (700 دولار) لاستلام الشقة المفروشة.
وقد أصبح السؤال عن جنسية المستأجر شرطًا أساسيًا قبل الكشف عن أسعار الإيجارات، حيث يعتبر السماسرة وأصحاب المكاتب العقارية هذا الأمر معيارًا لتقدير قيمة الإيجار.
أزمة سكن متزايدة
أما إلياس (32 عامًا)، فما يعكس واقع السوق العقاري في دمشق من استغلال النازحين اللبنانيين، مما يُفَسِر نظرة السماسرة نحوهم باعتبارهم أصحاب مخزونات مالية يمكن استغلالها. ويتذكر إلياس كيف تكررت هذه الممارسات خلال أزمات سابقة، مثل النزوح العراقي عام 2003 أو نزوح اللبنانيين خلال حرب يوليو 2006، مشيرًا إلى أن ظاهرة استغلال المهاجرين في السوق العقاري تتكرر بنفس الأساليب.
وبحسب تقديرات وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية، عبر أكثر من 400 ألف شخص من لبنان إلى سوريا في غضون أسبوعين منذ تكثيف الغارات الإسرائيلية، وهو ما يؤشر إلى الحاجة الملحة للحصول على سكن. وقد سجل الأمن العام اللبناني عبور 300 ألف و774 مواطن سوري و102 ألف و283 مواطن لبناني إلى الأراضي السورية بين 23 سبتمبر و5 أكتوبر.