هل تعزز زيارة أمير قطر لتركيا دور أنقرة كوسيط محتمل؟
أنقرة- تتجه الأنظار نحو العاصمة التركية أنقرة يوم الخميس، حيث ستستضيف لقاء رفيع المستوى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس للغاية، إذ تتزامن مع إعلان الدوحة عن تعليق جهود الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل مؤقتا، مما يثير تساؤلات حول إمكانية أن تتبنى تركيا دور الوسيط، خاصة في ظل علاقاتها المتواصلة مع حماس.
كما تحمل زيارة أمير قطر أهمية خاصة في ضوء التطورات الأخيرة في غزة، حيث يُتوقع أن تتناول المحادثات بين الزعيمين أبعاد الأزمات الإقليمية.
اجتماعات مكثفة
وفي هذا السياق، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات -في تصريحات صحفية اليوم الأربعاء- أن الزيارة المقبلة ستشهد تنظيم اجتماعات مكثفة على مستوى المجلس الاستراتيجي بين البلدين، حيث تركز أجندة المحادثات على تعزيز التعاون الثنائي.
ويراقب المتابعون تنفيذ اتفاقية التجارة الشاملة بين تركيا وقطر قريبا، مما قد يُضفي دفعة جديدة على العلاقات الاقتصادية التي تطورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
إلى جانب ذلك، يُتوقع أن تناقش الزيارة أبعاد التعاون الاستراتيجي والدفاعي، الذي أصبح ركنًا أساسيًا في الشراكة التركية-القطرية، مع تطلع الطرفين لتعزيز مواقفهما المشتركة وتوسيع نطاق التعاون بما يخدم مصالحهما في ظل التحديات الإقليمية.
يشار إلى أن آخر زيارة لأمير قطر إلى تركيا كانت في أغسطس/آب الماضي، حيث التقى فيها الرئيس التركي أردوغان، وتم التأكيد حينها على أن الزيارة تأتي في إطار التنسيق بين البلدين حول التطورات السريعة في المنطقة وتحدياتها المتزايدة، خصوصا فيما يتعلق بالجهود الرامية للتهدئة والسعي لإيجاد حلول لوقف التصعيد في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
تبادل تجاري
شهد التبادل التجاري بين تركيا وقطر زيادة ملحوظة، حيث بلغ حجمه في عام 2022 حوالي 2.3 مليار دولار. وفي سياق التوسع المستمر في العلاقات الاقتصادية، تستهدف أنقرة والدوحة رفع حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار على المدى المتوسط، مما يعكس الطموح لتعميق الروابط التجارية والاستثمارية.
تعمل نحو 800 شركة تركية في قطر، بإجمالي استثمارات تبلغ 20 مليار دولار، في حين تساهم حوالي 180 شركة قطرية في السوق التركية، وفقاً لمصطفى توزجو نائب وزير التجارة التركي.
وفي حديث سابق مع الجزيرة نت، أكد نائب رئيس مكتب الاستثمار في الرئاسة التركية أن الاستثمارات القطرية في تركيا متنوعة، حيث تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 10 مليارات دولار، مُشيراً إلى تركيزها في مجالات العقارات والتجارة والسياحة، بالإضافة إلى الخدمات المالية والبنية التحتية، مما يعكس قوة الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
صرح رئيس مجلس إدارة غرفة قطر، خليفة بن جاسم آل ثاني، أن حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا بلغ حوالي 1.29 مليار دولار في عام 2023. حيث تُقدر صادرات قطر إلى تركيا بنحو 442.8 مليون دولار، بينما وصلت قيمة الواردات من تركيا إلى 840.1 مليون دولار.
شراكة متكاملة
يعتبر الكاتب والمحلل في الشؤون التركية محمود علوش أن تركيا وقطر تُشكلان شراكة استراتيجية، حيث تعكس الزيارات المتكررة على مستوى القيادات السياسية أهمية هذه العلاقة لكلا الطرفين.
أضاف علوش في تصريحه للجزيرة نت أن هذه الشراكة تُعد عنصرًا محوريًا في السياسة الإقليمية، رغم أن أنقرة والدوحة قد أعادت تشكيل علاقاتهما الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإن تأثير هذه الشراكة ما زال قائماً. وتعتبر العلاقة بين البلدين ليست مجرد تحالف عادي، بل هي شراكة متكاملة تهدف إلى تعزيز الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
في هذا السياق، أوضح الباحث في العلاقات الدولية مصطفى يتيم أن زيارة أمير قطر إلى تركيا تأتي في إطار اللجنة الإستراتيجية العليا، التي تُعتبر أساس التحالف بين قطر وتركيا منذ تأسيسها في عام 2014.
وأشار يتيم في حديثه للجزيرة نت إلى أن اللجنة، التي تُعقد اجتماعاتها سنويًا في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، تُعد من أكثر الآليات فاعلية في العلاقات الثنائية بين المملكتين، إذ تُساهم في استكمال الجوانب غير المُعالجة في هذا التحالف، وتمثل نموذجًا للشراكة التي تدعم الاستقرار والسلام والتنمية الإقليمية.
كما أشار إلى نجاح هذا التحالف في بناء محور إقليمي فاعل منذ فترة الربيع العربي، مما ساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
تحديات إقليمية
يعتقد الباحث علوش أن التحديات الإقليمية، مثل تداعيات الحرب المستمرة وآثار احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، تدفع أنقرة والدوحة نحو تعزيز التنسيق بين سياساتهما لمواجهة هذه التحديات.
بدوره، ينبه يتيم إلى أن عودة ترامب قد تفتح آفاقًا جديدة أمام التحولات الإقليمية والدولية، مما يزيد من أهمية الشراكة القطرية-التركية، مبرزًا أن هناك الآن انسجامًا أكبر بين سياسات أنقرة والدوحة الإقليمية وسياسات القوى الفاعلة الأخرى في المنطقة.
دور الوساطة
يوضح علوش أن تركيا تعطي أهمية كبيرة للدور الذي لعبته قطر في الوساطة، وأن هذا الدور سيظل مهمًا حتى بعد الإعلان تعليق قطر لجهودها بينها وبين إسرائيل. واعتبر أن تعليق الوساطة القطرية قد يعزز من أهمية تركيا كحلقة وصل مع حماس، مما يتيح لأنقرة فرصة لتعظيم دورها الدبلوماسي في إدارة الصراع.
مع ذلك، يشير علوش إلى أن التوتر القائم بين تركيا وإسرائيل لا يزال يمثل عقبة تؤثر على قدرة أنقرة في انجام دور أكثر فاعلية في الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع.
ومن جهة أخرى، ذكر يتيم أن قطر قامت بدور بارز في محادثات التهدئة بين حماس وإسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث بذلت جهودًا مكثفة لمواجهة “جرائم الحرب الإسرائيلية.” ومع ذلك، فإنه يتوقع ألا تتولى تركيا دور الوساطة المباشرة، بل ستعتمد على سياسة ردع إسرائيل من خلال دبلوماسية قوية ومواقف حازمة، مما يعكس التباين في الأدوات التي تستخدمها الدولتان رغم هدفهما المشترك.
التحالف القطري-التركي
يُعبر التحالف القطري-التركي عن علاقة متينة تسعى لتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي، رغم التحديات التي تواجهها المنطقة.
التحالف القطري-التركي: تعزيز للدور الإقليمي
يتفق كل من علوش ويتيم على أن التحالف بين قطر وتركيا أصبح عنصراً مهماً في السياسة الإقليمية، حيث يعمل البلدان بشكل منسق لمواجهة الأزمات التي تمر بها المنطقة.
الشراكة الإقليمية المتينة
يوضح علوش أنه رغم إعادة تشكيل علاقات البلدين في السنوات الأخيرة، فإن شراكتهما لا تزال قوية وفعالة. ويرى أن هناك توافقاً في السياسات الإقليمية لكلاً من تركيا وقطر، حيث تتجلى مصالحهما في تحقيق الاستقرار الإقليمي من خلال شراكة تعزز مكانتهما كلاعبين رئيسيين.
تأثير التحالف في القضايا الدولية
من جانبه، يؤكد يتيم أن هذا التحالف مكن أنقرة والدوحة من اتخاذ مواقف استراتيجية فعالة في أزمات مثل الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية. ويساهم كلا البلدين في تحقيق الاستقرار الإقليمي عبر مجموعة من الأدوات التي تتماشى مع مصالحهما المشتركة، مع انفتاحهما على قوى أخرى مثل السعودية وإيران وفاعلينا غربيين، ما يعزز من مرونة التحالف وقدرته على التأثير الإيجابي في المنطقة.
مستقبل التحالف القطري-التركي
ختاماً، يشير يتيم إلى أن “التحالف القطري-التركي أثبت نجاحه في تشكيل محور إقليمي متميز، ويبدو أنه سيستمر في تعزيز موقعه عبر سياسات متوازنة تسهم في استقرار المنطقة، خاصةً في مواجهة التحديات المستقبلية”.