“سعيد”.. بطل أولمبي انتحل شخصية غيره

By العربية الآن



“سعيد”.. بطل أولمبي انتحل شخصية غيره

%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af %d9%81%d8%b1%d8%ad %d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9 1712578466
عاد البطل الأولمبي “سعيد” قبل عامين إلى عناوين الصحف العالمية بقوة، لكن هذه المرة ليس لكونه فائزا في سباق ركض جديد، أو بعد حصوله على ميدالية ذهبية أخرى، بل لأنه صرح باعترافات مؤلمة أخفاها سنين عددا، خلال فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بأنه وصل إلى بريطانيا بهوية طفل آخر، وقد استُغل ليعمل خادما منزليا.

وقد حصلت الجزيرة الوثائقية على حقوق هذا الفيلم الذي حمل عنوان “حقيقة سعيد”، ومدته حوالي 58 دقيقة، ومع أنه يشبه سيرة ذاتية وثائقية، فإن ذلك لم يمنعه أن يكون مشوقا في تدرجه بالكشف عن حقيقة ما حدث لبطل العالم سعيد، أو حسين عبدي كاهين.

وللفيلم أبعاد كثيرة متداخلة، منها أزمة هوية المهاجرين في بريطانيا، وكواليس صور المشاهير البراقة والبطولية، فمع أن هذا البطل الأولمبي كان قد ألّف كتابا قال فيه إن والديه عاشا في بريطانيا، فإن الحقيقة مختلفة تماما، فهمالم يخطوا إليها من قبل.

صدق حقيقة.. سرع مغامرة بارعة حكاية إرهاق الإعلام

شهدت شبكة الجزيرة الوثائقية تقديم هذا الفيلم، وعلى الرغم من عدم تقديمه أي مفاجآت بعد كشف تلك الأسرار من قبل وسائل إعلام بريطانية. وفي زمن يقدم فيه منصات المشاهدة العديد من الأفلام التي تستعرض حياة الرياضيين ومسار نجاحهم وتحدياتهم، استقطب هذا الفيلم اهتماما واسعا يظل مستمرا، حتى بعد فترة من عرضه.

حسين عبدي كاهين الذي اشتهر باسم مو فرح

تميزت المغامرة بمحتواها، ويرجع السبب لاهتمام الفيلم بإظهار نواحي أخرى من حياة مو فرح، استقطبت فضول المشاهدين، حيث سردهم لكل تفاصيل الحكاية بدقتها، من مكان ميلاده في الصومال، إلى مكان قبر والده الذي قتل أثناء الحرب الأهلية وهو طفل صغير آنذاك، حيث تعرضت عائلته لتفكك بعد مقتل والده، وشارك أقاربه في جريمة الاتجار بالبشر، لأنه تم إرساله إلى بريطانيا من دون علم والدته، وهي جريمة كتم عنها حسين أو “مو فرح” لأكثر من عشرين عاما.

“صدق حقيقة مو فرح” فيلم وثائقي مشوق، لا تستطيع أن تستغني عن متابعته، وعن مو فرح نفسه المميز بملامحه وعينيه الواسعتين، فبالرغم من روحه الحيوية والحركة المستمرة التي ظهرت بوضوح في جميع مشاهد الفيلم، لم يستطع إخفاء الحزن العميق في عينيه.

“كينزي” الأم التي احتضنت محمد فرح بين عائلتها في بريطانيا

فُقدت روح هذا الرجل في طفولته بسبب خطفه من عائلته وأخيه التوأم ووالدته، ليلتزم فجأة برعاية طفلين رضيعين، هما ابنا امرأة من جيبوتي استوردته إلى بريطانيا وجعلته خادمًا في منزلها.

لم يساعده سوى الركض في المضمار ليتغلب على الألم، كان ذلك أسهل مخرج له للنسيان، لذلك

“كان الفوز سهلا أيضا” كما تشير زوجته في الفيلم. وقد حصل على ميداليتين ذهبيتين في سباقات 5 و10 آلاف متر في أولمبياد لندن 2012 وريو 2016، بالإضافة إلى ستة ألقاب عالمية في تلك المسافات.

افتراضات حسين.. نقاء بالحقيقة من أجل إرضاء الذات والصغار

يعترف مو فرح في البداية بالفيلم: صدق الأمر أنني لست الشخص الذي يعتقد الجميع، فكثير من الناس يعرفونني باسم مو فرح، لكن هذا ليس حقيقتي، هذا ليس اسمي، وليست الحقيقة. وُلدت في أرض الصومال، وعلى الرغم من أقوالي السابقة، والدي لم يقما أبدا في المملكة المتحدة.

ثم يستعرض خيط الحكاية الأول قائلا: عندما كنت طفلا يبلغ 4 سنوات، قتل والدي في الحرب الأهلية، وتفرقت العائلة، ثم انفصلت عن والدتي، وتم نقلي إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، تحت اسم طفل آخر اسمه محمد فرح.

“تانيا” زوجة محمد فرح

أصبح حسين أول لاعب بريطاني في سباقات العدو والمشي السريع يحقق أربع ميداليات ذهبية أولمبية، قرر الخروج للعلن ليتحدث عن هويته الحقيقية، بعد تشجيع أبنائه ليكون صادقًا في كشف ماضيه، وهو يعلق: هذه هي المبررات الرئيسية لسرد قصتي، لأنني أرغب في الشعور بالعادي، دون خفاء أي شيء.

تتحدث زوجته، خلال السنة التي سبقت زواجهم عام 2010: كانت هناك قطع مفقودة في حكايته، وعملت بجدقامت استجواباتي بإظهار الحقيقة بالنهاية.

وأثناء عرض الفيلم، أدلى فرح بشهادته حيث أفاد بأنه كان يفترض أن يذهب إلى أوروبا للعيش مع أسرته هناك، وكان متحمسا للرحيل عبر الطائرة، إلى أن تذكر تجربته عند عبور نقاط التفتيش في بريطانيا باسم “محمد” وهو طفل يبلغ تسع سنوات، بناءً على توجيهات المرأة التي اختطفته وأجبرته على تغيير هويته إلى محمد بدلاً من حسين.

ختم جواز سفر محمد فرح عند دخوله لبريطانيا للمرة الأولى

ويشير إلى أنه كان يحمل بيانات الاتصال بأقاربه على ورقة، لكن تمت سلبها وتمزيقها أمامه من قبل المرأة، ورميها في سلة المهملات، مما جعله يدرك في هذه اللحظة أنه وقع في مأزق.

وكان معلموه يظهرون القلق تجاهه، حيث كان صبيا صغيرا يجهل اللغة الإنجليزية، ودائمًا ما يتورط في صراعات ولم يهتم بالدراسة، ويصل إلى المدرسة بمظهر غير مهتم، مما شكّل شكوكا حول هوية المرأة التي ادعت أنها والدته، وفي النهاية، تم الكشف عن هويته الحقيقية لدى معلم التربية البدنية “آلان واتكينسون” الذي أبدى تعاطفه مع حالته.

“حصوله على الجنسية لتمثيل المملكة المتحدة العظمى”

تم التواصل من قبل “آلان واتكينسون” وبعض المدرسين الآخرين مع الجهات الحكومية، حيث تم نقله ليعيش مع والدة زميله بالمدرسة، وهي سيدة صومالية تدعى “كينزي” تلقبه بـ”خالتي”، وكشف الفيلم فيما بعد أنها كانت قريبة ليس فقط من فرح بل من مو فرح الحقيقي. وأشار فرح إلى أنه كان يشعر بالرعاية والسعادة معها، وقضى سبع سنوات معها وأطفالها.

وفي تلك الفترة السعيدة، تم اختيار الفرح، الذي كان في الرابعة عشرة من عمره، ليشارك باسم بريطانيا في إحدى المسابقات، ولكن واجه صعوبة حيث كان بحاجة لتثبيت وثائق تثبت جنسيته البريطانية، مما دفع المدرسة إلى التواصل مع وزارة الداخلية.

محمد فرح في الرابعة عشر من عمره تم اختياره للمشاركة في مسابقات الرياضة بطريقة رسمية

وأشارت رسالة منهم إلى أهمية منحه الجنسية البريطانية ليكون قادرًا على التنافس في بطولة العالم لألعاب القوى وتمثيل بريطانيا العظمى.

وبفضل هذه الجهود، أصبح مو فرح مواطنا بريطانيا في 25 يوليو/تموز 2000، على الرغم من أن مو فرح الحقيقي لم يكن قد دخل المملكة المتحدة في ذلك الوقت.

“تمكنه من النظر في عيون الآخرين” .. كشف السر الكبير

يفكر مو فرح كثيرا في الصبي الآخر، محمد فرح، الذي تعامل مع تجربته على الطائرة، ويتمنى أن يكون سالما أينما كان، كونه يحمل اسمه يمكن أن يتسبب في مشاكل له ولعائلته، لكن الأمر الأهم بالنسبة له هو القدرة على التعبير بصدق والانتباه إلى مشاعر الآخرين، خصوصا أطفاله.

يروي فرح كيف ساعدته رياضة العدو في الهروب من واقعه، مشيرًا إلى أنه كان يجد الطريقة الوحيدة المتاحة للافراج عن الضغوطات هي الجري في الهواء الطلق.

محمد فرح، نموذج النجاح في عالم الرياضة البريطانية

هذه هي القصة الكاملة التي كشفتها الوثائقية التي أنتجتها قناة “بي بي سي” وتم عرضها على “الجزيرة الوثائقية”، وقامت بإعدادها بشكل مؤثر وساحر في الواقع.في بعض الأحيان، نتمثل الرياضية البريطانية العظيمة كانت مهاجرا غير شرعي، وكان يتستر على الحقيقة في سيرته الذاتية المكتوبة وفي لقاءات الإعلام.

تم حتى إخفاء الأمر عن زوجته وأبنائه، لكنه تكرر في الفيلم – وكأنه يريد أن يوضح للجميع – أن والداه لم يعيشا أبدًا في المملكة المتحدة، وأن والده توفي في حرب أهلية عندما كان عمره 4 سنوات، مما أسفر عن تفكك عائلته. تم فصله عن والدته، وأُدخل إلى المملكة المتحدة بطريقة غير قانونية تحت اسم مستعار آخر.

هل كان الطفل محمد فرح الأصلي سيصبح بطل أولمبي يحقق الميداليات الذهبية باسم بريطانيا؟

عندما وصل إلى شقة في غرب لندن، تم تكليفه بالعمل مثل العديد من ضحايا الاتجار بالبشر قبله وبعده. يقول: منذ اليوم الأول، لم أكن أرى ما قامت به المرأة كصحيح، ولم يُعاملني على أنني جزء من العائلة، بل كنت دائمًا ذلك الطفل الذي يقوم بكل شيء، ينظف الشقة، ويغسل أطفالها، ويطبخ لهم. حتى قيل لي أنه لا يُسمح لي بالخروج من المنزل لحضور المدرسة، لكن لاحقًا سمحت لي بالذهاب إلى المدرسة.

يحكي فرح عن هذه الطفولة القاسية، لكن وضعه يصبح أقل صعوبة إذا ما قورن بوضع الكثير من المهاجرين، الذين عاشوا في المملكة المتحدة لسنوات بدون وثائق صحيحة، ثم تم إعادتهم إلى “بلدانهم” بناءً على قواعد صارمة من وزارة الداخلية مستوحاة من حزب المحافظين.

لقاء محمد الزائف بالحقيقي.. مفاجأة اللحظة الأخيرة

لذلك، كان هناك شخصان طوال الوقت، محمد فرح المزور الذي حقق إنجازات عالمية لصالح بريطانيا، وآخر حقيقي مُنسي في الصومال يراقب كل شيء من بعيد، ولم يعرف أي شخص خلال الفيلم لماذا حل هذا مكان ذلك، فهذا سر لم يستطع حسين كاهين كشفه، لكن بالتأكيد لم يكن بديلًا لضحية أو مفقود آخر كما كان يخشى، بل كان محمد الحقيقي وافق تمامًا على هذه النهاية الغريبة، وهو ما نراه في المشهد النهائي للفيلم، عندما يتحدثان عبر تطبيق “واتساب”، ويتفقان على لقاء مرة أخرى.

محمد فرح بالاسم المستعار يتحدث مع محمد فرح الحقيقي ويعتذر له

يتحدث معه عندما يزور المرأة الصومالية العطوفة “كينزي” التي ربته مع أبنائها، في لقاء مؤثر، وتظهر تفهمها وانفتاحها عندما تطالبه بالكشف عن حقيقته للعالم، وتقدم له الإجابات التي كان ينتظرها، بما في ذلك أن محمد فرح الحقيقي هو ابن أختها، لكن لا يعرف أحد لماذا تمكن حسين عبدي كاهين من الوصول بدلاً منه، ولم يصل الطفل الحقيقي إلى البلاد.

ولا يزال هناك لغز لم يكشف عنه في الفيلم، حيث لم يتم عرض صورة أو اسم المرأة التي خطفته واستغلته كخادم لها، وربما كان هذا هو الجانب الجريمي الذي افتقده الفيلم حقًا.

زيارة القرية.. عودة إلى الوطن للقاء العائلة

قبل المشهد الأخير في الفيلم، يزور محمد فرح قريته في أرض الصومال مع ابنه الصغير حسين الذي سماه نسبة إلى اسمه الحقيقي، ويلتقي بوالدته وأخيه التوأم، ويتحدثون عن السنوات التي غاب بها عنهم، ثم يزور قبر والده أيضًا.

قد يرى البعض أنه لولا وصوله إلى بريطانيا، لما حقق شهرته، فكانت موهبته المكبوتة لن تنطلق في رحلة الاحتراف، ولكن ما الفائدة من المجد أمام الحزن الذي طال طفولته، والذكريات الأليمة لاختطافه من ضمير والدته؟

يقرأ محمد فرح أو حسين عبدي كاهين الفاتحة عن روح والده في زيارة لقبره

ستبقى قصة فرح هذه بصدى لدى العديد من ضحايا الاتجار بالبشر، الذين يعيشون الآن في المملكة المتحدة وأوروبا، والذين تم استغلالهم بشكل فظيع، وقد تحفزهم قصة مثل هذه يومًا ما على الكشف، سواء كانوا بطلاً ونجمًا أو أشخاصًا عاديين.

وعلى صعيد آخر، قد تتغير تقاليد الهجرة القاسية حول العالم، بحيث لا يجب على المهاجر أن يفوز بأربع ميداليات ذهبية ليستحق الحصول على جنسية أخرى.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version