سقوط الأسد كشف سنوات من ماضي زوجي كنت أجهلها
في أوائل ديسمبر، اكتشفت دونا حاج أحمد، اللاجئة السورية، تفاصيل مروعة عن احتجاز زوجها في سجن الخطيب الشهير، المعروف بـ”جحيم على الأرض”.
كانت تشاهد على التلفاز سجناء مذهولين يفرون من الجهاز الأمني الوحشي في البلاد أثناء وجودها في منزلها في لندن، بعد أن أطاحت القوات الثورية ببشار الأسد من الرئاسة.
بينما كانت الدموع تملأ عينيه، جلس زوجها عبدالله النوفل، الذي تزوجته منذ ثماني سنوات، بجانبها، وقال: “هنا تم اعتقالي، هذا هو المكان”.
تقول دونا، التي اعتُقل أشقاؤها أيضًا خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا، إنها كانت لديها فكرة عما عاشه زوجها أثناء احتجازه – لكن هذه كانت المرة الأولى التي يشارك فيها بتفاصيل كاملة عما عاناه.
تقول دونا، 33 عامًا، لـ”بي بي سي”: “عبد الله لا يحب مشاركة مشاعره، يفضل أن يبدو دائمًا قويًا”.
“كان لحظة تحول. رأيته ضعيفًا، رأيته يبكي، ورأيته يقول: ‘هنا كنت. كان بإمكاني أن أكون واحدًا منهم. كان بإمكاني أن أكون واحدًا منهم الآن، أو ربما كنت سميت ميتًا'”.
وتضيف: “أشعر أنه عندما رأى ذلك، شعر أن هذا هو الإغلاق الذي يحتاجه. نحن نريد الآن أن يسمع الناس ما مر به السوريون”.
كان عبد الله، 36 عامًا، يعمل في دمشق كأمين مخزن مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في يوليو 2013 عندما تم إيقافه بشكل عشوائي مع زملائه عند نقطة تفتيش على أطراف العاصمة السورية.
يقول إنه شارك في الاحتجاجات المناهضة للنظام في عام 2011 في مدينة درعا الجنوبية، حيث بدأت الانتفاضة ضد الأسد، لكنه سرعان ما ابتعد عندما بدأت الجماعات الثورية باستخدام العنف والأسلحة ردًا على القمع الوحشي من قوات النظام.
تمت الإشارة إلى عبد الله عند نقطة التفتيش وتم وضعه في حافلة خضراء، حيث تم تقييده وعصبه، وتم نقله إلى منطقة عسكرية. ويقول إنه تم وضعه بعد ذلك في حبس انفرادي لمدة
### حكاية عبدالله: من الظلام والعزلة إلى الحرية
**أيام من المعاناة**
تحدث عبدالله عن محنته قائلاً: “كان الظلام يحيط بي لمدة ثلاثة أيام، لا أسمع أي صوت، كانت لوحدتي مروعة.” بعد ذلك، تم نقله إلى مركز احتجاز الكاتيب في دمشق، حيث وُضع في زنزانة تضم حوالي 130 شخصًا. يعتبر مركز الكاتيب أحد المرافق العديدة التي تديرها الأجهزة الاستخباراتية السورية.
وفقًا لمجموعة المراقبة السورية لحقوق الإنسان، قد تعرض ما يقارب 60,000 شخص للتعذيب والقتل في السجون التي تديرها حكومة الأسد خلال فترة الحرب الأهلية.
قبل عامين، أصدرت محكمة تاريخية في ألمانيا حكمًا بإدانة عقيد سوري يعمل في مركز الكاتيب بجرائم ضد الإنسانية. تم ربط أنور رسلان، البالغ من العمر 58 عامًا، بالتعذيب الذي تعرض له أكثر من 4,000 شخص في السجن. وشهد بعض الضحايا في المحكمة كيف تم اغتصاب المعتقلين وتعليقهم من السقف لعدة ساعات، بالإضافة إلى تعرضهم لصدمات كهربائية قبل أن يتم غمرهم في الماء. كانت الحكومة الاستبدادية للأسد قد نفت سابقًا جميع الاتهامات المتعلقة بالتعذيب.
### “كل دقيقة وكأنك تموت”
خلال احتجازه في عام 2013، وصف عبدالله كيف كان يسمع بانتظام صراخ ضحايا التعذيب. وتذكر كيف كانت الأمراض تنتشر بشكل كبير، حيث توفي حوالي 20 شخصًا بينما كان محجوزًا هناك. وأوضح في حديثه مع بي بي سي أن “هناك أشخاصاً كانوا يقفون شبه عراة، مغطين بالدماء وكأنهم تعرضوا للتعذيب.”
وأضاف: “إذا لم تتعرض للتعذيب بنفسك، في كل دقيقة يأخذون شخصًا ما للتحقيق. وعند عودتهم إلى الغرفة، سيكونون مغطين بالدماء… وكل مرة تلمس فيها شخصاً، سيصرخون بسبب جروحهم.”
بعد مرور 12 يومًا، تم استدعاؤه للتحقيق حيث تعرض للضرب المتكرر باستخدام أداة معدنية ووجهت إليه اتهامات بنقل السلاح. وبينما كان يقاوم نزع السلاح في اعترافاته، كان يدرك أن الإنكار سيؤدي إلى عقوبات طويلة الأمد.
### أهوال الاحتجاز
قال عبدالله: “طالما أنك تقول ‘لم أفعل ذلك’، سيستمرون في تعذيبك وسينتقلون بك إلى مرحلة جديدة من التعذيب.” ورغم المعاناة، كان عبدالله “محظوظًا” إذ أُطلق سراحه بعد شهر من الاحتجاز. بعد مرور عام، ترك سوريا وحصل على منح دراسية في جنيف والولايات المتحدة، وهو الآن يعيش في لندن مع زوجته.
لم يشعر عبدالله بالقدرة على مشاركة كل تفاصيل تجاربه المروعة إلا الآن، حيث بدأ خطر الماضي يخبو. وأوضح: “لقد انتهينا من النظام، يمكننا أن نقول إننا حقا أحرار الآن. يمكنكم استخدام اسمنا. يمكنكم استخدام وجهنا. يمكننا أن نروي القصة كاملة.”
### تأثر عميق
عبرت دينا، الناشطة في حقوق الإنسان، عن تأثرها بشدة عند سماع تجارب زوجها لأول مرة. وقالت: “كنت أستمع إليه وأبكي. كل مرة أشعر أن هذا النظام قد بلغ أقصى درجات الرعب، لكن يفاجئني أن هذا ليس الحد الأقصى. قد توجد أشياء أكثر قسوة.”
وأضافت: “نحن محظوظون لأننا نستطيع إخبار قصصنا. الكثير من الناس فقدوا حياتهم دون أن تُسمع أصواتهم.”