سيل الإعداد.. أهمية
وأن عدم تنفيذ التوجيه الإلهي للأمة بالإعداد كان كارثة على جميع المستويات، وأن تكرار المواجهة دون إعداد فعال وتهيئة حقيقية، مصيره الهزائم الضرورية والفشل المتواجد.
والمعقل يفهم أنه لا يمكن أن يحقق نتائج مختلفة طالما كان خوضه لكل تلك التجارب بالطريق نفسه والسطحية ذات الأثر، بعيدا عن التوجيه الإلهي الملزم ﴿وَأَعِدُّوا۟﴾.
لماكانت الأمة في مرحلة القوة، حيث كانت الشعوب الأخرى ترغب في احترامها وتحاول تجنب إثارة غضبها، نتيجة لفهمهم لحجم إعدادها وجاهزيتها.
وينصب الحديث عن الاستعداد في القرآن الكريم ضمن إستراتيجية الردع التي يجسدها الإسلام في العقيدة الحربية لأتباعه، إذ يعتبر معرفة العدو لقوتنا وتفوقنا في مختلف المجالات وسيلة لردعه والحدّ من تهوره وتقلصه.
وحين كانت الأمة في ذروة قوتها، كانت الشعوب الأخرى تبحث عن استقرار علاقاتها وتتجنب إثارة غضبها، نظرًا لفهمها لحجم إعدادها ومدى استعدادها. ولذلك، جعلت الآية الهدف الأساسي للإعداد هو غرس الرهبة في قلوب الأعداء، حتى يحترموا قوتكم ويتجنبوا ضررهم “وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُم”.
وهذا ينطبق على العدو سواء كان ظاهريًّا أو كان خفيًا، الذي يُراقب نقاط الضعف ويتسلّل لمراقبة استعداداتنا.
ويجب فهم أن الاستعداد التثبيطي لا يعني الكشف الكامل عن الخطط وكشف كل التحضيرات، بل يجب الاعتماد على القراءة السياسية الحكيمة وتقدير الأمور بعناية، لتحقيق توازن بين الإفصاح والكتمان، وبين الصراحة والتلميح، والذي يخدم الحرب بدون كشف حركاتها.لا تستسلم للكم الزائد الذي لا يعتمد عليه في الأوقات العصيبة، بل يجب التركيز على التركيبة الصلبة والاستثمار في الجودة الفعالة.
الاعداد ضروري لأنها توفر فرصة لتحفيز العزيمة وتعزيز الحماس والتخلص من الشعور باليأس والهزيمة الذهنية. إنها ضرورية لأنها تزيد من اهتمامات الشباب وتحولهم بعيدًا عن العقبات والمشاكل إلى التميز والمهمات العظيمة، وتركز جهودهم وتحصيلاتهم وأدائهم ضمن إطار خطة واضحة الأهداف والإرشادات.
وتعتبر هذه الاعداد ضرورية للحفاظ على حيوية الأمة وتنشيطها، أولًا لأنها ترفض الذل أمام المعتدين وتقف ضد الظلمة، وثانيًا لأن التضحية بالنفس تكشف عن قدراتهم في تثبيت الهوية وفعالية القيادة. إذاً، التضافر بين الناس هو وسيلة لحفظ الأرض من الفساد، وهو واجب جديد للمؤمنين للعمل على تحقيق ذلك ومنع تقدم الفساد، سواء من خلال تنفيذ المهام المكلفة بها كشاهدين على الناس، أو عن طريق منع تدخل الفساد، سواء عبر التقاعد عن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم كأمة مشهودة بالعدل، أو عن طريق فتح الباب أمام الفاسدين للحكم والاستبداد ببني الله.
ويعد الاعداد ضروريًا لتوجيه الصفوف واكتشاف المواهب قبل ازدياد الصراعات وتعقيد الأمور. وهو ضروري لا يجب الاستكانة إلى الكم الفاسد الذي لا يعتمد عليه في الأوقات العصيبة، وإنما يجب التركيز على التركيبة الصلبة والاستثمار في الجودة الفعالة.
الاعداد ضروري أيضًا لنشر الوعي بطبيعة الصراع والمسؤولية الملقاة على العمل ومخططات العدو. وهو ضروري لتحديد اتجاه العمل والتركيز على المنفعة والفائدة، وربما هذا هو ما يشير إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “القوة في الصبر”، فالصبر في الواقع يظهر تركيزًا داخليًا قويًا ودقة في الأداء وكفاءة في الإنفاق.
كل ما تم ذكره يشير إلى أن الاعداد لم يعد خيارًا اختياريًا للتحسين، أو حاجة مجردة تتطلبها ظروف القتال، بل أصبحت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة ولا يمكن تحقيق دور الأمة الحضاري بدونها. لذلك، فإنه يعد واجبًا دينيًا وضرورة حيوية.
لذا، يجب الاسراع في اتخاذ هذا الطريق الذي لا غنى عنه لأمتنا، بحكمة كافية، ورؤية واضحة، وإرادة قوية.