“شبكة الجزيرة” تلتقي مبدعاً عالميًا استطاع استرجاع وجه “الملك المصري القديم” وجعله حاصدًا للرقم القياسي في كتاب غينيس

By العربية الآن



“شبكة الجزيرة” تلتقي مبدعاً عالميًا استطاع استرجاع وجه “الملك المصري القديم” وجعله حاصدًا للرقم القياسي في كتاب غينيس

حادث سطو تعرض له البرازيلي سيسيرو مورايس في 2011 دفعه ليصبح أشهر مصمم ثلاثي الأبعاد (سيسيرو مورايس)
حادث سطو تعرض له البرازيلي سيسيرو مورايس في 2011 دفعه ليصبح أشهر مصمم ثلاثي الأبعاد (سيسيرو مورايس)
كيف يمكن لضباط الشرطة استعادة ملامح الضحايا التي أفسدتها الجريمة لمسح آثارها؟ كيف يقوم العلماء في البحوث العلمية بتصوير شكل الإنسان البدائي أو حتى الأشخاص الذين عاشوا في فترات تاريخية سابقة؟

كنت أعتقد أن البرامج الحاسوبية تسهل هذه العملية، وأنها لا تحتاج إلى موهبة بشرية عظيمة، إلى أن جذبتني الصدفة إلى دراسة علمية عن مومياء مصرية قديمة نجح الباحثون في استعادة ملامحها المفقودة. وعندما تواصلت مع الباحث الرئيسي للدراسة لطرح أسئلتي حول هذا المجهود، أحالني إلى الباحث الأول، وشريكهم في العمل “سيسيرو مورايس”، المصمم البرازيلي في مجال الثلاثي الأبعاد. وجدته يتحدث عن التفاصيل العلمية، فدركت حينها أن الأمر يتعدى بكثير البرامج التي يجيدها الإنسان لاستعادة الملامح المفقودة.

لا ترددت في طلب إجراء مقابلة صحفية معه لاقتراب أكثر من هذا المجال. وبينما كنت أعد لتلك المقابلة، اكتشفت أنه هو نفس الشخص الذي يقف وراء العديد من الإنجازات العلمية البارزة التي تم تداولها في وسائل الإعلام

العلوم العالمية تقدم تطوراً سريعاً في السنوات الأخيرة، ومن تلك الإنجازات استعادة ملامح الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، وتجسيد وجه امرأة قد تكون أقدم إنسان يمشي على سطح الأرض قبل حوالي 45 ألف سنة، بالإضافة إلى إنتاج أول غلاف صناعي مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لسلحفاة، وقد أدرج هذا الإنجاز في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.

خلال مقابلتنا مع “سيسيرو مورايس”، أجاب عن 13 سؤالاً يكشف عن تفاصيل مهنته التي تكشف أسرار الماضي وتزيل الغموض الدائر حول بعض الأحداث الحالية، كما تساهم في تخفيف آلام البشر والكائنات الحية من خلال التعاون في التخطيط لعمليات جراحية وطباعة الأعضاء والأطراف المفقودة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.. ودون أي تأخير، إليكم نص الحوار.

أشهر صورة لوجه الإنسان البدائي (إنسان نياندرتال) صممها سيسيرو مورايس في أحد الأبحاث (سيسيرو مورايس)
  • تعليمك وخلفيتك الأكاديمية في أي مجال أهّلتك للاندماج في هذا المجال؟

حازمت على شهادة في التسويق وأتقنت رسومات الحاسوب بنفسي، كما درست أساسيات التشريح. وحاليًّا، أنجز العديد من الأبحاث بالتعاون مع فرق دولية تابعة للجامعات.

  • ما جعلك تهتم بالتصميم ثلاثي الأبعاد وإعادة بناء الوجوه؟

في عام 2011 تعرضت أنا وعائلتي لعملية سرقة مسلحة، حينها واجهت شخصياً لصين مسلحين، ورغم أني لم أكن مسلحًا إلا أن إصابتنا برصاصة في رأسي كانت حقيقة صادمة. هذه التجربة الصادمة دفعتني نحو دراسة موضوع كنت أفكر فيه منذ الثمانينيات، وهو إعادة بناء الوجوه بتقنيات شرعية. الدراسة ساعدتني على التغلب على الصدمة والتعافي بالكامل.

  • كيف دخلت مجال إعادة بناء الوجوه القديمة والحفريات البيولوجية؟

منذ بداية مسيرتي العلمية، كنت مهتماً بتلميب الوجوه القديمة، خاصة تلك المتعلقة بتاريخ مصر القديم. إن تصميم هذه الوجوه يعتبر موضوعاً مثيرًا للاهتمام للغاية ومحل دراسة من قِبل خبراء الآثار. وتحافظ العديد من المتاحف على مجموعات خاصة تحتاج إلى تجسيد الوجوه لعرضها للجمهور.

وما ينطبق على الحفريات أيضًا، فإن تقديم وجوهها يزيد من اهتمام الزوار بالمتاحف ويجذب القراء لمواقع الإنترنت، مما يجعل الموضوع أكثر شهرة. وربما يؤدي ذلك إلى استقطاب علماء آثار جدد أو مؤرخين.

صورة لوجه الفرعون الذهبي توت عنخ آمون بتصميم المبدع البرازيلي سيسيرو مورايس (سيسيرو مورايس)
  • أيهما أسهل للعمل، الحفريات وتجسيد المومياوات أم إعادة بناء الوجوه في مجال الطب الشرعي؟

من المؤكد أن أكثر التحديات هو مسألة الطب الشرعي، إذ نعمل في قضايا تتطلب استعادة وجوه أفراد مقتولين، وفي النهاية، مثل هذه الأحداث غالبا ما تحدث حديثا، وهناك أسر وأصدقاء عانوا مع تلك الأشخاص، ويرغبون في التعرف عليهم بمجرد إعادة بناء وجوههم ليتمكنوا من تحديد هويتهم لاحقا.

  • هل هذا النشاط يتطلب مهارات طبية أو علمية خاصة؟

لا بالضرورة، إلا أنني أفضل أن يكون لدي خلفية علمية وطبية، حيث يجعل هذا العمل أكثر تميزًا، وبالصدفة، أنا أعمل على تطوير تقنية (مجانية ومفتوحة المصدر) للتخطيط الجراحي للبشر والحيوانات في مجال البيطرة، حيث نقوم بتطبيق هذه التقنية على جميع الفئات العمرية من الأطفال إلى البالغين، ولدي طلاب من عدة دول مختلفة يتعلمون هذه التقنية.

بالإضافة إلى ذلك، نعمل على تطوير الأطراف الاصطناعية للإنسان والحيوانات في مجال البيطرة، وفي عام 2022 تم تسجيل عملنا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأول غلاف سلحفاة يتم طباعته بتقنية ثلاثية الأبعاد في العالم، كما عملنا أيضا على العديد من الحالات الفريدة الأخرى في العالم ولكنها لم تُسجل بعد في موسوعة غينيس.

  • ما هي التحديات الرئيسية التي تواجهها عند إعادة بناء الوجوه من البقايا أو الحفريات القديمة؟

التحديات الرئيسية غالبا ما تكون هيكلية، سواء كانت هناك أجزاء مفقودة من الجمجمة، أو عندما تكون الجمجمة متكسرة تماما ونحتاج إلى إعادة تشكيلها، أو حتى عند التعامل مع كائنات مماثلة للأحياء منقرضة، فنحتاج إلى البيانات من كائن حي حديث أو مماثل، ونحن نواجه هذه التحديات من خلال دراسات علم التشريح، ونشارك النتائج عند الإمكان من خلال المنشورات ليتمكن الآخرون من تقليدها.

  • ما هي الخطوات العملية في إعادة بناء الوجه من جمع البيانات الأولية إلى النموذج النهائي ثلاثي الأبعاد؟

يتطلب المرحلة الأولية القيام بمسح للجمجمة، والذي يمكن أن يتم عن طريق الأشعة المقطعية أو تقنية المسح بالليزر، ثم نستخدم البيانات المأخوذة من أفراد أحياء، سواء عن طريق القياسات الخارجية أو الموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية، وباستخدام هذه البيانات نقوم بنمذجة الوجه، مما يجعلنا نعتبر عمليتنا كتقريب للوجه الشرعي بدلا من إعادة بنائه، وهذا المصطلح يعكس نهجنا بشكل أفضل.

  • كيف يمكنك ضمان الدقة في عمليات إعادة بناء الوجه، خاصة عندما تواجه بيانات محدودة أو مجزأة؟

الدقة تعتبر جوهرية خاصة عند العمل على جمجمة كاملة، ولكن في حالات فقدان أجزاء مهمة، نضطر للاعتماد على التوقعات بناء على المعطيات المتوفرة، ونصل عادة إلى نماذج قريبة من الدقة المطلوبة، لكن قد يكون من الصعب الحصول على دقة كاملة في حالة فقدان جزء من الهيكل.

  • ما هو الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في عملك، وهل هناك تقنيات جديدة متوقعة في مستقبل إعادة بناء الوجه؟

تكنولوجيا الحاسوب تلعب دورا هاما في عملي، ونتابع بانتباه المقالات العلمية المنشورة في المجلات لتحسين مهاراتنا وتطوير التكنولوجيا.المحتوى الخاص بي والذي استعملته في الأبحاث التي تم نشرها في العديد من الصحف العلمية، وفي ما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، يظهر لي حاليًا أن الذكاء الاصطناعي يعد واعدًا جدا في ميادين مثل تقريب الوجه وفي التخطيط الجراحي، حيث يستطيع تسهيل بعض المهام دون التأثير سلبًا على الدقة، ولكن يبقى المستقبل هو الذي سيكشف عما إذا كانت هذه التقنيات تعمل بكفاءة كافية أم لا، وأتوقع النجاح.

لصورة تقريبية الوجه لامرأة عاشت قبل آلاف السنين
  • ما هي أبرز المشاريع التي شاركت في تنفيذها خلال حياتك المهنية؟ 

بالنسبة لي، فإن جميعها كانت مميزة بطريقة ما، حيث كرست لها الكثير من الجهد والوقت، ولكن من بين المشاريع الأكثر شهرة يأتي تقريب وجه امرأة قد تكون أقدم إنسان عاش على سطح الأرض قبل أكثر من 45 ألف عام، وقد عثر الباحثون في جمهورية التشيك قبل 70 سنة على جمجمة متحجرة لهذه المرأة التي أطلق عليها اسم “زلاتي كون” أو “الحصان الذهبي”، ويُعتَقد أن حيوانًا افترس جثتها بعد وفاتها، حيث استخدمنا القياسات المسجلة والصور المرجعية لنجاح في هذا المشروع، وكذلك تم تقريب وجه الفراعنة “توت عنخ آمون” بنجاح.

صورة لتقريب وجه إنسان عاش في عصور مضت

وتعتبر أحد الإنجازات المهمة أيضًا النجاح في تصنيع أول غلاف صناعي مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد في العالم لسلحفاة، بعد أن تضرر غلافها الطبيعي في حريق غابة في البرازيل، وتم تسجيل هذا الإنجاز في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ولدينا أيضًا حالات ناجحة في التخطيط الجراحي، على الرغم من عدم شهرتها الإعلامية، إلا أنها ساعدت العديد من الأشخاص بشكل كبير، مما يمنحني شرفًا كبيرًا، وهذا يدفعني للاستمرار في دراسة التقنيات وتطويرها.

  • ما هو حجم تعاونك مع الباحثين وخبراء الآثار والطب الشرعي وغيرهم من الاختصاصيين؟ 

أنا أتعاون مع العديد من الخبراء من مختلف الدول، وتم نشر العديد من نتائج بحوثي سواء في ميدان تقريب الوجه أو التطبيقات الطبية، ولدي مدرسة إلكترونية تضم طلابًا من 29 دولة، يغلب على معظمهم الأطباء الجراحون الذين يستخدمون التكنولوجيا التي نطورها، حيث نواجه يوميًا تحديات تقنية متعلقة بالتخطيط الجراحي.

ويجب أيضًا الإشارة إلى أن نتائجتطبيق الأبحاث الطبية عمومًا، وبالتبادل المعرفي بين الخبراء، يُعزز دقتنا أكثر فأكثر في مهامنا، نعمل جاهدين من أجل هذا الهدف.

سيسيرو مورايس مصمم برازيلي ثلاثي الأبعاد: نتائج دراسات تقريب الوجه تُطبق بشكل عام في المجال الطبي (الجزيرة)
  • كيف تساهم إعادة بناء الوجه في فهمنا لتاريخ البشرية وثقافتها وتطورها؟

تعد عملية تقريب الوجه جوانبها الهامة في تعزيز الاهتمام بالتراث البشري، فضلاً عن فتح آفاق لدراسة خصائص فريدة وتفصيلية مثل التأثيرات الوراثية والطبية، ليتم مناقشتها بين الناس. مثال على ذلك هو امرأة شابة كانت تعاني من مرض الزهري في القرن السادس عشر، حيث قمنا بتطبيق تقنية تقريب الوجه لإبراز قصتها المنسية، واستخدامها كوسيلة توعية للمجتمع بأهمية الرعاية الصحية والوقاية.

  • هل لديك نصيحة للمهتمين بالعمل في تصميم الثري دي وإعادة بناء الوجه وعلم الآثار الرقمي؟

يتوفر اليوم كميات هائلة من الدروس والموارد عبر الإنترنت حول النمذجة ثلاثية الأبعاد وتقنيات تقريب الوجه، فبالإجتهاد والتفاني يمكن لأي شخص اكتساب المهارات الضرورية للعمل في هذا القطاع. فأنصح بالاستفادة من هذه الموارد لتعزيز معرفتك في هذا المجال، فإذا توفرت الإرادة والجهد والتفاني، فإن النجاح ليس بعيدًا.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version