صراع النفوذ في القرن الأفريقي: “حرب باردة” تهدد بصدام إقليمي

By العربية الآن

تتزايد التوترات في منطقة القرن الأفريقي نتيجة لأهميتها الاستراتيجية وثرائها بالموارد، فضلاً عن هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية فيها. هذا الوضع جعل المنطقة ساحة لصراع القوى الدولية والإقليمية، الذي قد يتحول إلى “حرب باردة” قد تؤدي إلى صدام مسلح في المستقبل.

تحتل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا الصدارة في المنافسة على الوجود في القرن الأفريقي، لكن ذلك لم يمنع دولاً إقليمية كتركيا وإيران والهند من محاولة تعزيز نفوذها هناك، مما يثير مخاوف من تطورات تصعيدية محتملة.

جغرافياً، يشمل القرن الأفريقي الجزء الغربي من البحر الأحمر وخليج عدن، ويضم أربع دول: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، ويوسع ليشمل دولاً قريبة مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا وجنوب السودان والسودان بالإضافة إلى اليمن.

تنافس على الموانئ

تمثل منطقة القرن الأفريقي نقطة انطلاق مهمة في حركة التجارة العالمية، حيث تمر عبرها نحو 12% من التجارة العالمية سنوياً، مما يجعلها هدفاً رئيسياً للاعبين الدوليين. تتحكم الموانئ الـ10 في المنطقة في حركة الشحن وقدرتها على ربط الأسواق العالمية.

يتزايد أهمية هذه الموانئ في الاستراتيجيات العالمية، حيث تعتمد عليهم القوى الكبرى لتأمين تجارتها. يتنافس كل من الولايات المتحدة والصين على هذه الموانئ، بينما تحلم دول إقليمية مثل تركيا وإثيوبيا للعب دور أكبر.

تسعى أمريكا لتعزيز وجودها من خلال تحالفات بحرية، بينما تركز الصين على الاستثمارات في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، حيث تدير ميناء جيبوتي. كما وقعت تركيا اتفاقيات مع الصومال لتعزيز وجودها المينائي.

أحد الموانئ في جيبوتي (أ.ف.ب)

استحواذ على الموارد

تمتلك منطقة القرن الأفريقي ثروات طبيعية كبيرة، مما يجعلها هدفاً مهماً للتنافس العالمي. ثروات مثل النفط والغاز والمعادن الأخرى تُحفز القوى الكبرى على توسيع نفوذها. كما تسعى تركيا والصومال للاستفادة من احتياطات النفط الضخمة في المنطقة.

وقعت أنقرة اتفاقيات مع مقديشيو لتطوير حقول النفط، واستكشاف الغاز، مما يفيد كلا الطرفين ولكن قد يساهم أيضاً في زيادة التعقيدات السياسية في المنطقة.

عسكرة المجال البحري

مع تزايد المخاوف من تهديد الملاحة البحرية، يتسارع الحشد العسكري في المنطقة. تحتضن جيبوتي، على الرغم من مساحتها الصغيرة، مجموعة من القواعد العسكرية للدول الكبرى، ما يدل على تصاعد المخاطر والمخططات العسكرية.

ينظر الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم إلى تكثيف الوجود العسكري الأجنبي كجزء من الاستعمار الحديث، حيث يعكس الصراع على السيطرة على البحر الأحمر طموحات الدول الكبرى وتأثيرها على السياسية الإقليمية.

### تصاعد الوجود العسكري الأجنبي في القرن الأفريقي

تواجه دول القرن الأفريقي تحديات كبيرة تتمثل في حالة الهشاشة ومستويات الفقر المرتفعة، مما دفع هذه الدول إلى تأجير أراضيها لإقامة قواعد عسكرية أجنبية. وقد أصبح هذا الأمر واقعاً ملموساً في دول مثل جيبوتي وإريتريا والصومال، وفقاً للخبير مكاوي.

### جيبوتي كمركز استراتيجي للقواعد العسكرية

تعتمد جيبوتي بشكل كبير على الإيرادات الناتجة عن تأجير أراضيها للقواعد العسكرية الأجنبية، حيث شكلت هذه الرسوم حوالي 18% من دخلها القومي في عام 2020، بإيرادات بلغت نحو 129 مليون دولار أميركي، بحسب معهد أبحاث «جايكا» الياباني.

### تفشي الوجود العسكري الدولي

أنشأت إريتريا قاعدة عسكرية لإسرائيل في جزر “دهلك” منذ التسعينات، كما تستضيف قاعدة بحرية إيرانية قرب ميناء “عصب”. في المقابل، افتتحت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال عام 2017، مما يبرز تزايد الاهتمام الدولي بخليج عدن والمحيط الهندي.

### هندسة التحالفات البحرية

دخلت الهند في سباق الوجود العسكري بنشرها 12 سفينة حربية في خليج عدن وبحر العرب لمكافحة القرصنة. تتنافس القوى الكبرى مثل روسيا أيضاً على مناطق نفوذها، إذ تسعى لإقامة قواعد على السواحل الإريترية والسودانية، لتظهر حاجة تلك الدول لفرض وصايتها الاستراتيجية على المنطقة.

### الولايات المتحدة ترد على التهديدات

تعتبر الولايات المتحدة، وفقاً للمستشار العسكري السابق عباس دهوك، الأكثر حضوراً عسكرياً، حيث تعمل على توسيع وجودها في مواجهة الحوثيين والقرصنة في البحر الأحمر. وقد أسست واشنطن تحالفات أمنية متعددة تضمنت تشكيل “قوة المهام المشتركة 153″ و”تحالف حارس الازدهار”.

### التوسع الصيني والقلق الغربي

تسعى الصين لتعزيز وجودها عبر قروض للدول في القرن الأفريقي، مما يثير القلق لدى القوى الغربية، حيث حذّر المحلل السياسي ماك شرقاوي من احتمال فرض وصاية صينية على دول المنطقة بسبب الديون المتراكمة.

### النزاعات والتحالفات الجديدة

من جهة أخرى، أسفر توقيع إثيوبيا مذكرة مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي عن تصعيد توترات جديدة. وقد عززت الصومال تعاونها مع مصر وتركيا في المجال العسكري، وسط تزايد المخاوف من التحركات الإثيوبية المزعومة لضم أراضي جديدة.

### الصراع المائي وأبعاده

ترتبط التحركات المصرية لدعم الصومال بمصالح مائية، لا سيما النزاع القائم حول “سد النهضة” بين مصر وإثيوبيا. بينما يرى اللواء فرج أن التعاون العسكري ليس موجهاً ضد أحد ولكنه يهدف إلى تأمين الملاحة.

### حالة السودان والتدخلات الخارجية

تتجه الأنظار أيضاً إلى الوضع في السودان، حيث تتعقد الصراعات الداخلية مع تزايد التقارب بين الحكومة السودانية والدول الكبرى مثل روسيا والصين. يسعى السودان بشتى الطرق للتخلص من التدخلات الخارجية للحفاظ على سيادته وأمنه.### تصاعد التوترات في القرن الأفريقي

في أكتوبر الماضي، اعتبر بعض المراقبين التدخلات الخارجية بأنها شكل جديد من الاستعمار لبلادهم.

![عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/11/1732478008_814_صراع-النفوذ-في-القرن-الأفريقي-حرب-باردة-تهدد-بصدام-إقليمي.jpeg)

### مخاطر تمدد التنظيمات الإرهابية

يشير الكاتب إبراهيم إلى أن الصراع من أجل النفوذ الدولي في القرن الأفريقي قد يسهل توسيع نطاق التنظيمات الإرهابية أو ظهور “حروب بالوكالة” تنفذها جماعات مسلحة لتحقيق مصالح قوى دولية. وقد أشار إلى وجود “تنسيق بين حركة الشباب الصومالية والحوثيين”، مما قد يؤدي إلى ظهور تنظيمات مسلحة أكثر تشدداً بدعم خارجي، الأمر الذي قد يحول منطقة القرن الأفريقي إلى “أفغانستان جديدة”.

### هشاشة الوضع الأمني في السودان

يرجح السماني الوسيلة أن تمثل هذه الظروف فرصة لاستغلال التنظيمات المسلحة والحركات الأصولية لحالة الضعف الأمني والسياسي في السودان. ويخشى من انتشار هذه الحركات على سواحل البحر الأحمر التي تمتد لنحو 750 كيلومتراً.

### القواعد العسكرية الأجنبية وتأثيرها

بينما يرى كل من فرج وشرقاوي أن وجود قواعد عسكرية أجنبية سيحد من انتشار التنظيمات الإرهابية، يعتبر المستشار السابق للخارجية الأميركية أن عدم استقرار منطقة البحر الأحمر قد يساهم في تمكين هذه التنظيمات. وشدد على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للتطرف وتعزيز جهود الاستقرار الإقليمي.

![ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/11/1732478008_515_صراع-النفوذ-في-القرن-الأفريقي-حرب-باردة-تهدد-بصدام-إقليمي.jpeg)

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version