منذ عدة أشهر، لم تعد جامعة الدول العربية تصدر بيانات الشجب والتنديد تجاه المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، فضلاً عن غاراتها على سوريا ولبنان وتدنيس المسجد الأقصى.
قد يرجع توقف إصدار هذه البيانات إلى الظروف الداخلية التي تعاني منها الجامعة العربية، في وقت لم تعد فيه القضية الفلسطينية تحظى بالأهمية الأولوية في بعض العواصم العربية الرئيسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
على الرغم من ذلك، فإن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي يتقاضى شهرياً 42 ألف دولار أميركي، غاب عن الساحة السياسية بعد مدة قصيرة من هجوم طوفان الأقصى، الذي نفذته المقاومة الفلسطينية على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، كرد على انتهاكات الاحتلال بحق الأقصى والمقدسات.
ومع أن الجامعة العربية لم تصدر الشجب، فإن الحكومات العربية لم تصمت أبداً تجاه الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المجتمعات والحدود والمقدسات.
الرد الغائب المنتظر
في عام 2007، وأثناء توليه وزارة الخارجية، أكد فيصل المقداد أن سوريا تحتفظ بحق الرد على الانتهاكات الإسرائيلية لأجوائها، مشيراً إلى أن دمشق هي التي “تختار زمان ومكان هذا الرد”.
وقد نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله “إن سوريا لم تتعود أن تسكت عن الرد على أي انتهاك لكن متى وأين تختار الرد”. ويسلط هذا الحديث الضوء على إصرار سوريا على مبدأ الاحتفاظ بحق الرد عند الضرورة.
لا يزال النزاع بين البلدين قائماً من الناحية القانونية والسياسية، إذ تستمر إسرائيل في احتلال هضبة الجولان التي تعتبر جزءاً من الأراضي السورية بحسب الوثائق الدولية.
خلال الفترة من 2016 إلى 2018، شنت إسرائيل أكثر من 200 غارة جوية على سوريا، مستهدفة مناطق حيوية مثل مطار دمشق الدولي ومنشآت عسكرية. وعلى الرغم من مضي الوقت، لم يكن هناك توقيت مناسب للرد، لكن سوريا لم تتخلى عن حقها في ذلك.
تغير الموازين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حينما تمكنت حركة حماس من كسر قوة إسرائيل، حيث عبر مقاتلو القسام الحدود ودمروا منشآت إسرائيلية وقتلوا أكثر من 1200 عسكري ومستوطن ومثلهم بيدهم إلى قواعدهم. وبهذا، أعاد المقداد التأكيد في 2024 على احتفاظ سوريا بحق الرد في الوقت المناسب.
وفي تصريحات صحفية لقناة “روسيا اليوم” في فبراير/شباط الماضي، قال المقداد إن “سوريا خاضت حروباً ضد إسرائيل، ومستعدة لخوض حروب جديدة بشروطها.” وبذلك، يستمر التأكيد على ضرورة حق الرد السوري.
مواعظ في زمن الحرب
بحسب أحدث تصنيف لجيوش العالم، تحتل مصر المرتبة الـ15 بينما تأتي إسرائيل في المرتبة الـ17. ومع ذلك، يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي قواته بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، في ظل الظروف الإقليمية المتقلبة.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، تحدث السيسي في تجمع عسكري مهيب مشدداً على أن “مصر عبر التاريخ لم تتجاوز حدودها وكان هدفها الدائم الحفاظ على أرضها وترابها سليماً.” وتعود طبيعة التوترات بين مصر وإسرائيل إلى معاهدة السلام الموقعة عام 1979، والتي انتهكتها إسرائيل بعد احتلال معبر رفح.
استجابةً لهذه التطورات، اتجهت مصر إلى ضبط النفس، متجنبةً أي تصعيد قد يؤثر سلباً على الأمن الإقليمي. كما أطلقت القاهرة نداءً لكافة الأطراف المعنية للتهدئة.
وفي 27 مايو/أيار، أدت حادثة إطلاق النار بين جنود إسرائيليين وعناصر مصرية إلى توترات جديدة، لكنها كانت محصورة ولم يكن لها تأثير سياسي كبير.
تعمل مصر على تجنب تصعيد الحوادث، وتحث جميع الأطراف على ضبط النفس وعدم استدراج المنطقة إلى فوضى جديدة. وقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني ومعاناة كبيرة للسكان.
في خضم هذه الأوضاع، تطالب الحكومة المصرية إسرائيل مرة أخرى بضبط النفس، محذرةً من العواقب الوخيمة التي قد ينجم عنها التصعيد. كما دعت الحكومة المصرية كلاً من حماس وحزب الله وإيران إلى نزع فتيل التوتر.
تجنب الانزلاق.. مهمة أردنية
في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، أشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى أن اتفاقية وادي عربة قد لا تصمد في وجه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
تواصل المملكة الأردنية في تقديم المطالب بعدم التصعيد، مشيرة إلى أن أي تصعيد قد يهدد أمنها واستقرارها. وفي هذا السياق، حذرت وزارة الخارجية الأردنية من التصعيد المتزايد في جنوب لبنان.
وفي تصريحات سابقة، أكد العاهل الأردني ضرورة خفض التصعيد لتجنب انزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية، مجدداً التأكيد على عدم السماح بتعرض حياة الشعب الأردني للخطر.
وعلى الرغم من التقارير الإسرائيلية عن اعتراض الأردن لصواريخ إيرانية متجهة إلى إسرائيل، فإن الحكومة الأردنية نفت ذلك، معلنة عن التزامها بعدم السماح لأي طرف باستخدام أراضيها لهجمات على الآخرين.
أما الحكومة اللبنانية، فلا تزال تُعول على الشرعية الدولية، حيث تواصل تذكير المجتمع الدولي بضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة لتحسين الأوضاع.
وفي اجتماع طارئ اليوم، دعا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى “وقف العدوان الإسرائيلي أولاً” مطالبًا بتطبيق القرار 1701 أثناء إجراء اتصالات مع الأصدقاء لوقف التصعيد.»