طاعة ولي الأمر بين الانضباط الشرعي والتسيب الاستبدادي (1)
26/10/2024
الشريعة الإسلامية، من أجل تعزيز العمران وضبط التجمعات الإنسانية، وضعت طاعة ولي الأمر كواجب على المسلمين، حيث يختارونه بحرية وبدون إكراه.
إن طبيعة الإنسان ميالة للهيمنة مما يؤدي إلى الفوضى. لذلك، تعزز الشريعة الإسلامية الطاعة لولي الأمر المنتَخب، الذي ينظم شؤونهم ويمنع القوي من ظلم الضعيف.
لكن هناك بعض الإشكالات في فهم أحاديث الطاعة، حيث يحمل بعضهم هذه الأحاديث بشكل مطلق، مما يؤدي إلى وضع الطاعة المطلقة على الحاكم حتى وإن كان ظالمًا. في المقابل، هناك من يتناول الأمر باستفاضة وينظر للحديث وفق سياقه، مما يعكس توازنًا في فهم الطاعة.
كما ذكر ابن خلدون أنه لا يمكن للعرب أن يحصلوا على الملك إلا بمظهر ديني مثل النبوة، وذلك بسبب طبيعتهم الفطرية.
أولًا: كيفية فهم أحاديث طاعة أولي الأمر
لفهم أحاديث طاعة ولي الأمر، يجب النظر إلى السياق الذي وردت فيه. قبل الإسلام، كان العرب يعيشون في بيئات قبلية ولا يخضعون لقوانين أو سلطات.
الإمام الشافعي أشار إلى أن العرب كانوا يأنفون من الطاعة، ولم يتقبلوا انقياد بعضهم لبعض. وعندما آمنوا برسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تم توجيههم لطاعة ولاة أمرهم بشروط معينة.
يتحدث ابن خلدون أيضًا عن العرب كأمة ميالة للوحشية، مما يجعلهم غير منقادين لبعضهم بسرعة. وقد أرجع ذلك إلى التركيبة الاجتماعية والسياسية التي نشأوا فيها.
غياب الوحدة الإدارية في المجتمعات العربية القديمة
تعد الوحدة الإدارية من المفاهيم التي افتقدتها المدينة في تاريخها، إذ لم تتواجد فيها أي سلطة إدارية تشير إلى وجود نظام سياسي مُلزم لأهلها. كما يوضح الدكتور محمد سليم العوا أن العرب في تلك الفترات كانوا بعيدين عن مفهوم الطاعة، ومن ثم كانت الفكرة الدينية هي الوحيدة القادرة على توجيههم.
العرب والطاعة الدينية
ابن خلدون يشير إلى أن العرب لا ينضبطون إلا بالأديان، مثل النبوة أو الولاية، لما في ذلك من تأثير على سلوكهم النفسي والاجتماعي. وقد ذكر أيضاً أن الزعامات القبلية لم تكن لها سلطة سياسية بل كانت تعتمد على العادات التقاليد.
مكة والمدينة: التنظيمات القبلية
بالرغم من أن مكة المكرمة امتلكت بعض الأنظمة مثل السدانة والحجابة، إلا أن ذلك لم يعطها طابعاً سياسياً حقيقياً كما يُظهره المؤرخون. وفي المدينة، كان الوضع قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مشابهاً، حيث لم يتوفر بها أي نظام إداري يفرض طاعة على الناس.
مفهوم طاعة ولي الأمر في الإسلام
يمكن القول إن مفهوم طاعة ولي الأمر هو أحد المفاهيم الجديدة التي جاء بها الإسلام لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. حيث أكد الإسلام ضرورة الطاعة، وهذا ما تجسد في الأحاديث النبوية التي تنص على وجوب طاعة ولاة الأمور.
أهمية الأحاديث النبوية في تأكيد الطاعة
تتعدد صيغ الأحاديث التي تتناول طاعة ولاة الأمور، حيث تأتي أحيانًا بصيغ الأمر للجماعة أو للفرد، وتؤكد على أهمية السمع والطاعة في جميع الظروف. وهذا يشير إلى أن الطاعة في المعروف هي ما يُراد منها، بينما تعطل الطاعة إذا كانت في المعصية.
فكر الطاعة العمياء مقابل الطاعة الواعية
يبرز الفكر المدخلي اليوم الطاعة العمياء للحكام، مما يتعارض مع التعليمات الإسلامية التي لا تجيز الطاعة في المعصية. لذا، ينبغي أن تكون الطاعة مقيدة ومرتبطة بالخير والعدالة، مما يضمن مساراً سليماً للأمة في التفكير والعمل السياسي.### المعصية وطاعة ولاة الأمور
تشير النقاشات حول طاعة ولي الأمر إلى أن الصمت عن فساد بعضهم وخياناتهم، وتماهيهم مع أعداء الأمة، يعتمد على تصورهم الخاطئ بأن القادة هم المخول لهم تقدير المصلحة. من المهم أن تكون مظلة تقدير المصلحة مترابطة مع ما يعود بالنفع العام على الأمة، وليس مجرد أوهام. لذا، فإن ما يروج له المداخلة يتعارض مع ما جاء به الشرع في مسألة الحكم وطاعة ولاة الأمور.
فهم نصوص الشريعة
تعد الآيات والأحاديث النبوية قيد الفهم من خلال سياقها التاريخي، مما يعين على إزالة أي غموض قد يكتنف معانيها. إننا بحاجة إلى تحليل الواقع لفهم طاعة ولي الأمر بشكل أعمق، مستندين على عادات العرب وأعرافهم، وذلك للخروج باستنتاجات مهمة.
منهجية في التعامل مع النصوص
إن جمع الآيات والأحاديث المتعارضة يعد خطوة منهجية مهمة في فهم النصوص المختلفة، حيث لا يمكن تفسير كل نص بمعزل عن الآخر. من المهم تناول النصوص في سياقها مع مراعاة الواقع الذي نزلت فيه.
أهمية القواعد المنهجية
تسهم القواعد المنهجية، مثل قاعدة الإمام الشاطبي، في حل التناقضات في النصوص من خلال ارتباطها بالواقع. ستتناول مقالة قادمة هذه القاعدة الذهبية بشيء من التفصيل.
