عطر الحياة الفلسطينية في زجاجة
قام زوجان فلسطينيان شابان في القدس بإنتاج مجموعة من العطور لتجسيد تراث شعبيتهما. ورغم الفظائع التي يشهدها قطاع غزة، يأملان أن تُنبه عطورهم الذكريات لأوقات أجمل، كما أفاد سيباستيان أشر من القدس.
استحضار الذكريات من خلال العطور
في حقول وادي الأردن، لا تزال النساء الفلسطينيات يغنين أغانٍ شعبية قديمة أثناء حصادهن لزيتون. واحدة منهن تروي قصة سفينة أسطورية تحمل طعاماً منقذاً تتجه إلى الميناء خلال مجاعة رهيبة اجتاحت بلاد الشام في آخر أيام الحكم العثماني. وفي البلدة القديمة بالقدس، تتداخل روائح الجلود والتوابل والحيوانات لتشكل عطوراً تحاكي آلاف السنين من التاريخ.
يقول قاسم أبو خلف: “نحاول إرسال رسالة للناس من خلال عطورنا، تكشف تراثنا ورائحة أرضنا”، بينما يوضح الدوافع وراء خط عطور مِجَانَة الذي أنشأه مع زوجته، مالك حجازي.
الزوجان من الفلسطينيين في منطقة بيت حنينا في القدس الشرقية المحتلة. هو مهندس مواد متقدمة وهي معلمة لغة إنجليزية وذوي احتياجات خاصة. تطورت فكرة خط العطور من شغف قاسم بإنتاج أفضل جودة من العطور.
وفي مطعم في شرق القدس، وسط الحرب المستمرة في غزة، يقول قاسم إن العطور الخمسة التي أنتجها حتى الآن تهدف إلى تمكين الناس من حمل قطعة من التاريخ الفلسطيني في أيديهم. كما يأمل أن توفر للناس وسيلة لإعادة الاتصال بجذورهم عبر ذكريات مثارة من خلال روائح عطرية.
اختار هو ومالِك اسم “مِجَانَة”، وهو مصطلح يصف الأغاني القديمة التي تغنيها الفلسطينيات أثناء العمل.
تقول مالك: “لـمِجَانَة إيقاع خاص عند الغناء”. وتضيف: “يعني الفرح والسعادة. اخترنا هذا الاسم لأنك عندما تشم عطرًا مميزًا، تشعر بالراحة والسعادة بنفس الطريقة.”
قدرة العطور على استحضار الذاكرة الشعبية
كما تأثرت ذاكرتهم الشعبية بتسمية أول عطرين لهم. عطر “زارف أطل” هو عطر داكن وثقيل، كما يتوقع الناس من الأسلوب الشرقي، وتهدف رائحته إلى استحضار شعور الأزقة المتعرجة القديمة في البلدة القديمة بالقدس.
أما العطر الآخر فيسمى “روزانا”، وهو مستوحى من سفينة انتظارها الناس بشغف في فلسطين ولبنان وسوريا بعد فشل محاصيل القمح قبل 100 عام. كانت السفينة تأمل في تقديم النجاة، لكنها لم تجلب سوى خيبة أمل وفقدان، حيث كانت شحنتها تحتوي على القليل جدا من الطعام. وهناك أغنية شهيرة مستوحاة من هذه القصة غنتها العديد من الفنانات العربيات مثل فيروز وصباح.
تقول مالك: “أحب هويتنا وتراثنا وفولكلورنا، وأنا فخورة بذلك”.
إذا كان الماضي يمثل إلهامهم، فإن الحاضر قد صعّب جهودهم لإنشاء علامة تجارية تحتفل بالهوية الفلسطينية.
تقول مالك: “أطلقنا علامتنا التجارية في 27 سبتمبر من العام الماضي. ذهبنا إلى سوقين في القدس لكن الحرب اندلعت وأوقفت كل شيء لعدة أشهر”.
تفتقر الأسواق والمتاجر في البلدة القديمة وفي أماكن أخرى في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة إلى السياح، بينما يحاول التجار البقاء في السوق المحلي الذي لا زال نشطًا.
### تجارة العطور في ظل الأزمات
#### نجاح في تصدير الروائح
يواصل قاسم وملك تحقيق نجاحات في بيع عطورهم للشتات الفلسطيني، وخصوصًا في أستراليا. ولم تثنهم الأوضاع الصعبة عن التقدم، حيث أطلقوا مجموعة ثانية من ثلاثة عطور، تم تقديمها بشكل جميل داخل علبة مرسومة بيد فنان فلسطيني تتضمن زهورًا وحيوانات محلية.
#### تصميم مميز يحمل ذكريات
تحتوي العطور على كبسولات خشبية، تحمل مفتاحًا منقوشًا على أحد الجانبين، والذي يفتح موزع العطر الذهبي عند تدويره. المفتاح الكبير يعتبر رمزًا لكل المنازل الفلسطينية التي فقدت عندما تم تهجير مئات الآلاف خلال حرب 1948، والتي أُسست فيها دولة إسرائيل.
##### كلمات ملك: “عند اختيارنا للمفتاح، كانت الذكريات هي المحور.”
تقول ملك: “تم تصميمه بشكل مختلف قليلاً عن المفتاح الفلسطيني التقليدي، لكنه مرتبط به. فعندما تشم رائحة معينة، تسترجع ذكريات جميلة. لذا، فهو مفتاح أسلافنا وذكريات طفولتنا.”
#### مشاريع جديدة وحياة جديدة
لا يقتصر إنتاج الثنائي على مجموعة العطور الجديدة، التي تتضمن مزيجات مثل التبغ والتوت، وجوز الهند والأخشاب العطرية، بل قد استقبلوا أيضًا ابنتهم الأولى، ساديل.
#### أمل في السلام رغم التوترات
يدرك قاسم وملك أن هذه الفترة ليست سهلة لجلب حياة جديدة إلى عالم مليء بالصراعات. وتعبّر ملك عن شعورها بالذنب لإحضار طفل إلى هذه الظروف، مشيرةً إلى أنها توقفت عن متابعة الأخبار حول غزة أثناء حملها، حيث كانت تسبب لها توترًا شديدًا وكانت تخشى أن يؤثر سلبًا على طفلها.
يقول قاسم: “ليس الأمر سهلًا، ولكننا نأمل أن تنتهي كل الأشياء ونحصل على السلام. قليل من السلام النفسي أيضًا.”