غضبٌ هائجٌ في صفوف مُحامي تونس بعد تعرّض زميلهم للاعتداء
تونس- نفّذ المئات من القضاة، اليوم الخميس، تظاهرة تصاعدية وغير مسبوقة أمام المحكمة الابتدائية في تونس، عقب دخولهم في إضراب ثانٍ خلال أسبوع واحد، خاصّة بعد تعرّض زميل لهم للاعتداء من قبل الشرطة، بعد اقتحامهم مكتب المحاماة.
وهتف القضاة في هذه التظاهرة -الأكبر من نوعها منذ سقوط النظام السابق عام 2011- بشعارات لم تختلف عن تلك التي رُفعت في فترة سابقة، وكان من ضمنها “حرّيات.. حرّيات.. دولة الشرط وانتَهت”، رسالة صارمة موجّهة لقوات الأمن.
كما هتف القضاة المتظاهرون “يا زُقْرُوبَة لا تُبالي، المحاماة تُشترى بالدماء”، وأيضاً “يا مهدي يا زُقْرُوبَة، بُن علي وقعَ بالزّوبعة”، أي أن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي سقط بفضل التظاهرات التصاعدية التي شنّها قطاع المحاماة ضده آنذاك.
ويُخوض القضاة للمرّة الثانية على التوالي إضراباً عامًا، متصاعدين من تظاهراتهم بعد تعرُض زميلهم مهدي زُقْرُوبَة للاعتداء، وذلك بعد نقله إلى السجن مع وجوده في حالة غيبوبة، بحسب ما زعموا. يُذكر أن الإضراب العام الأول للقضاة كان في استنكار
بدأ الإثنين الماضي بعد اقتحام مكتب المحاماة.
تعذيب قاسٍ
أفادت الوكيلة القانونية سعاد بوكر، التي حضرت جلسة التحقيق مع زميلها مهدي زقروبة، بأن القاضي عاين بنفسه آثار الضربات والكدمات على جسده، والكسور التي في إحدى ضلوعه، وآثار العنف على رأسه، وأعمال إعتداء أخرى “لم تُصدق” وفق تعبيرها.
وذكرت بوكر أن زقروبة عرض جملة الهجمات والأضرار التي تعرض لها من قبل رجال الأمن على القاضي، وبالإضافة إلى تعرضه للإهانة على كافة الأصعدة، وصرّحت بأن “هناك أفعال بغيضة تم ممارستها ضده وستُفصح عنها في الشكوى التي ستُقدم للقضاء”.
من جانبه، ذكر المحامي تومي بن فرحات، بأن الإعتداءات التي شهدتها أمام القاضي ضد المحامي زقروبة تتنوع بين الإعتداءات الجسدية على جميع أنحاء جسده مع تحديد كسور، ومحاولة إعتداء جنسي من قِبل عناصر الأمن على زقروبة، وذلك بحسب تصريحه.
وبعد فحص القاضي للاعتداءات على جسد المحامي زقروبة واستماعه لروايته، وافق القاضي على طلب عرضه على التحقيق الطبي في مستشفى قريب من المحكمة الإبتدائية في تونس، إلا أنه تم إخطاره بعدم إمكانية حضور طبيب شرعي لموقعه.
وكان محامون قد حضروا جلسة الإستجواب مندهشين من عدم نقل زميلهم للفحص في أحد المستشفيات المجاورة للمحكمة الإبتدائية في العاصمة تونس، ومن ثم صُدموا بقرار القاضي بإصدار أمر بسجن زميلهم على الرغم من دخوله في حالة إغماء، وفق محاميين.
وتبادل محامون وناشطون على شبكات التواصل الإجتماعي سخرية من قرار القاضي بسجن زقروبة، حيث ذكروا “وعلمناه بإصدار بطاقة الإيداع بالسجن وهو في حالة إغماء”، وهو ما يُظهر حسبهم حال الفوضى التي تمر بها البلاد نتيجة للاعتقالات.
ولقد تم أيضًا إصدار بطاقة الإيداع بالسجن للإعلاميين مراد الزغيدي وبرهان بسيس، بسبب تصريحات تم اعتبارها مُهينة لرئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي يؤكد في خطاباته ضمانة حرية التعبير، ولكن الواقع يُظهر بحسب نقابة الصحفيين التونسيين عكس ذلك.
أزمة مُقلقة
اعتقل المحامي مهدي زقروبة الإثنين الماضي بنفس النهج الأمني الذي تم اعتقال به المحامية سنية الدهماني السبت الماضي، والشيء المشترك بين هذين الاعتقالين وفق ما تم نشره في مقاطع الفيديو هو دخول الشرطة إلى مكتب المحاماة بتونس واعتقالهما بالقوة.
ولو كانت المحامية الدهماني تم نقلها إلى سجن نساء بمنوبة من دون تقديم أي معلومات عن تعرضها للتعذيب أو سوء المعاملة داخل مقار الأمن، فإن الوضع كان مُختلفاً وصعباً بالنسبة للمحامي زقروبة الذي تعرض لأكبر عملية تعذيب منذ أكثر من 30 سنة، وفق لفظ المحامين.
تم اعتقال زقروبة مساء الإثنين الماضي من قبل أفراد أمن ملثمين اقتحموا مكتبه بتونس، وألقوا به في أحد أقسام الأمن، بناءً على اشتباه ارتكابه “جريمة الإعتداء اللفظي” على عنصرين أمن خلال إضراب المحامين الإثنين الماضي.
وعجلت وزارة الداخلية بإصدار بيان توضيحي أكدت فيه أن اعتقال زقروبة كان نتيجة لافتتاح تحقيق ضده من قبل النيابة العامة، لا بسبب مشاركته في احتجاجات المحامين الإثنين الماضي، بل بسبب اعتدائه على رجلي أمن أثناء قيامهما بمهامهما.
ضائقة
على الرغم من أن زعيم المحامين حاتم مزيو، يعتبر -حسب بعض المراقبين- من المحسوبين على مسار الرئيس قيس سعيد، إلا أنه لم يكتف بكبت لسانه عند انتقاد نظام قيس سعيد، معبراً عن استيائه من ما اعتبروه هجومًا عنيفًا على المحامين التونسيين، الذين يعتبرون أنفسهم حماة للحرية والمدافعين عن الحقوق.
وشارك مزيو في إضرابين عامين خلال أسبوع واحد فقط، وسط دعوات لتصعيد الحركات ضد السلطة في سبيل الدفاع عن “كرامة المحامين المهانة” وفقًا للمراقبين، خصوصًا بعد رؤية آثار الضرب والتعذيب على جسد مهدي زقروبة.
والآن يجد زعيم المحامين نفسه في ضائقة مزدوجة، حيث فشلت جهوده في دعوة الرئيس الحالي قيس سعيد إلى تهدئة الأوضاع وتقريب وجهات النظر، إذ أصبح المحامون اليوم على قناعة بأن النظام لن يستبعدهم من إجراءاته القمعية والتعذيب والتخويف، على حد قولهم.
بدء تحقيق
طالبت نقابة المحامين، في بيان أصدرته يوم الأربعاء، بفتح تحقيق فوري ضد مرتكبي الاعتداءات على المحامي زقروبة وإحالتهم للعدالة، نظرًا لتأكيد أعضاء هيئة الدفاع على أن زميلهم قادر على التعرف على المعتدين بالاسم واللقب.
ويبدو أن الوضع لا يتجه نحو التهدئة أو الحل، فالاضطراب السائد حاليًا بين المحامين والمعارضة والصحفيين والنقابيين يشير إلى أن الأزمة في البلاد تتجه نحو الانسداد والتوتر، وقد تؤدي الاحتجاجات المستمرة ضد النظام إلى تصعيد أمني ضد جميع المحتجين.
على الرغم من أن من المقرر أن تجري تونس انتخابات رئاسية في الخريف المقبل بعد انتهاء ولاية الرئيس قيس سعيد، التي امتدت لمدة 5 سنوات وستنتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا أن موعد الانتخابات لم يحدد بعد، مما زاد من الشكوك بإمكانية تأجيلها إلى حين تأكد سعيد من فوزه.
وقد ترشح حتى الآن 7 سياسيين، بعضهم محتجز في السجون كما هو الحال مع الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، اللذان يعدان من بين الشخصيات المعارضة للرئيس، ووجهت لهما اتهامات خطيرة تتعلق بـ”التآمر على الدولة”.
يعيش الصحفيون في تونس، والمعارضون، والنقابيون، والمدونون، والمحامون، والقضاة، وغيرهم حالة من الرعب بسبب ما يرونه استبدادًا في استخدام المرسوم (54) لملاحقة كل من ينتقد أداء الرئيس أو سياسة الحكومة وتصرفاتها.
حديثًا، قضت محكمة تونسية بالحكم بالسجن لمدة 6 أشهر ضد الصحفي بوغلاب الذي اشتهر بانتقاد سياسات الرئيس قيس سعيد، بعد إدانته بتهمة التشهير بموظفة عمومية، كما تم اعتقال المحامية والمعلقة في إحدى الإذاعات سنية الدهماني بسبب تصريحاتها.
وتعتبر أحزاب المعارضة أن الرئيس سعيد أعاد الدولة إلى ساحة الاستبداد، باستخدام الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية بعد إعلانه في 25 يوليو/تموز 2021 “الانقلاب” على دستور الثورة لعام 2014، ووضع دستورًا “حسب قياسه” يمنحه صلاحيات واسعة لنفسه، وفقًا لتقديراتهم.
على الجانب الآخر، يدعم أنصار الرئيس سعيد الاعتقالات والتدابير الاستثنائية التي فرضها، معتبرين إياه رمزًا للمرحلة وقائدًا يسعى لتصويب مسار الثورة، مبررين إجراءاته تجاه معارضيه بالتدمير الناتج عن الأحزاب الحاكمة خلال العقد الماضي.