فضيحة الحضارة: لماذا يتجاهل الغرب مجازر إسرائيل؟

By العربية الآن

# فضيحة الحضارة.. لماذا يسكت الغرب عن مجازر إسرائيل؟

**التوتر المتصاعد في الأوضاع الفلسطينية**

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حدث تحول جذري في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تمكن المقاومون الفلسطينيون من إحباط جنود الاحتلال الإسرائيلي وإسقاطهم من دباباتهم، ما أحدث صدمة في الغرب. هذا اليوم لا يُعتبر مجرد حدث عابر، بل يشكل نقطة تحول للبشرية، إذ يبرز تاريخ الضحية وتاريخ القاتل. فهل سيقبل الغرب بانتقاص كرامته العسكرية التي استثمر فيها عقودًا طويلة؟ وهل سيكون هناك قبول من ورثة الشهداء للعودة لأقل من حلمهم في التحرير؟

**تضامن الغرب مع إسرائيل**

في لحظة مفاجئة، انخرط قادة العالم الغربي في دعم حلفائهم في الكيان الصهيوني، حيث تعالت الأصوات بالتعازي، وفي الوقت نفسه كانت الطائرات العسكرية تصل محملة بأسلحة الدمار. تعكس هذه الأفعال تناقضًا صارخًا بين فلسفة حقوق الإنسان التي يتمتع بها الغرب وأفعاله الحقيقة على الأرض.

**صورة مصغرة للغرب المتوحش**

يستدعي الأمر التساؤل عما إذا كانت إسرائيل، في جوانب عدة، تجسد الوجه الآخر للغرب المتوحد الذي يرفع شعارات الحرية والإنسانية بينما ينتهج سياسات القمع. هل تمثل ممارسات إسرائيل استمرارًا لما اعتادت عليه القوى الاستعمارية الغربية ضد الشعوب الأصلية، في محاولة لإخفاء الوحشية خلف واجهة حقوق الإنسان؟

![الرئيس الأميركي (يمين) كان من أوائل القادة الغربيين الواصلين إلى إسرائيل عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول (أسوشيتد برس)](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/10/1728962195_357_فضيحة-الحضارة-لماذا-يتجاهل-الغرب-مجازر-إسرائيل؟.jpg)

**تاريخ العنف في حروب الغرب**

يمتد سجل العنف الغربي عبر الأعصار، بدءًا من الحروب الصليبية التي شملت تدمير مدننا وقرانا في العالم العربي، مرورًا بفترات الاستعمار التي طالت شعوبًا بأكملها. إذ شهدت الحروب الصليبية، على سبيل المثال، مجازر عديدة في القدس عام 1099، حيث قُتل فيها نحو 70 ألف عربي ومسلم.

**الاستعمار وما تبعه من تدمير**

عبر الزمن، تحملت عدة قارات العواقب الوخيمة للاستعمار، مثل دمار حضارات الأزتك في أميركا والتنافس الاستعماري في أفريقيا. ممارسات الإبادة وقتل السكان الأصليين تحت مسميات الهوية الأجنبية والهيمنة الاستعمارية كانت واضحة المعالم، وتستمر في التأثير على السياسات الغربية اليوم.

**الجهل بالتعقيدات التاريخية**

لفهم موقف الغرب من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من الضروري إدراك التعقيدات التاريخية والدينية والسياسية التي تؤثر على صنع القرار الغربي. تعتبر السرديات الدينية والتحالفات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية عناصر حاسمة في تبرير دعم إسرائيل، بالرغم من التدمير الذي تسببه. إن ما حدث في التاريخ من إبادة جماعية تحت مظلة الاستعمار يمثل تجسيدًا لقدرة القوى الكبرى على تجاهل الإنسانية في مساعيهم العسكرية.**الإبادة الثقافية والتغير الديمغرافي في الأمريكتين**

على مر القرون، تحولت قارة أفريقيا إلى مصدر رئيسي للعبيد الذين تم نقلهم إلى مزارع ومناجم في أميركا اللاتينية. وكانت نتيجة الاستعمار الغربي في الأميركتين تدميرًا كارثيًا للسكان الأصليين، حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 80% و90% من هؤلاء السكان لقوا حتفهم في القرنين الأولين من الاستعمار، سواء من خلال القتل أو الأمراض المستوردة.

الدمار الذي أوقعه الاستعمار الغربي شمل جميع جوانب الحياة الثقافية (الأوروبية- أرشيف)

كان هذا الاستيطان سببًا في فقدان الهوية الثقافية للشعوب الأصلية، حيث تفككت حضارات بأكملها وفقدت لغاتها وثقافاتها ودياناتها. وتم استبدال هذه الثقافات بحضارة أوروبية مسيحية، مع إجبار من تبقى من السكان الأصليين على اعتناق المسيحية والتخلي عن تقاليدهم. وأدى ذلك إلى تشكيل مجتمعات جديدة في أميركا اللاتينية تتكون من مزيج من المستوطنين الأوروبيين والعبيد الأفارقة، مع تهميش كبير للسكان الأصليين.

**تدخلات أميركية في الفلبين وفيتنام**

وفي الجانب الآخر من العالم، في الشرق، كانت الأمور لا تقل بؤسًا. فقد تركت التدخلات العسكرية الأمريكية في الفلبين وفيتنام آثارًا مدمرة على كلا البلدين، من خلال المعاناة الإنسانية والدمار الشديد. خلال حرب فيتنام، قامت الولايات المتحدة بإلقاء نحو 7.5 ملايين طن من القنابل، وهو ما يتجاوز ما تم استخدامه في الحرب العالمية الثانية بأكملها.

كان للجيش الأمريكي دور في استخدام أسلحة كيميائية مثل النابالم والعامل البرتقالي، وهو ما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية والأراضي الزراعية بالإضافة إلى التأثيرات الصحية السلبية الطويلة المدى على المدنيين.

قامت القوات الأميركية أيضًا بمجازر ضد المدنيين، مثل مذبحة ماي لاي في عام 1968 حيث تم قتل أكثر من 500 مدني، معظمهم من النساء والأطفال. يُقدر عدد ضحايا حرب فيتنام بحوالي 3 ملايين فيتنامي بالإضافة إلى 58 ألف جندي أميركي.

**الإبادات أثناء الاحتلال البريطاني والفرنسي**

ارتكب الاحتلالان البريطاني والفرنسي خلال فترات الاستعمار العديد من الإبادات والمجازر بحق الشعوب في مختلف القارات. لقد كانت هذه الإبادات مرتبطة بالطموحات الاستعمارية والتوسع. تكبدت الملايين من الأرواح بسبب السياسات القمعية، والتهميش، والاستغلال الاقتصادي، مما أدى إلى تدمير الحضارات المحلية.

القصف الأمريكي في فيتنام أثر بشكل كارثي على المدنيين (غيتي)

إن هذه الفصول المؤلمة من التاريخ تشير إلى ضرورة فهم آثار الاستعمار التي لا تزال تؤثر في المجتمعات حتى يومنا هذا.

يظهر العالم الغربي، وهو يشاهد إسرائيل تدمر غزة وجنوب لبنان، عدم اهتمام واضح، بل يبدو أن هناك دعماً لهذه الأفعال واستمراراً في تزويدها بالأسلحة. كيف يمكن تفسير هذا الموقف من منظور الفكر والفلسفة والثقافة الغربية؟

1- التأثير الاستعماري والعنصرية الهيكلية

  • الإرث الاستعماري: يظل تأثير الاستعمار الأوروبي مستمراً، حيث يعزز نظرة هيمنة على “الآخر” غير الأوروبي، وخصوصاً العالم العربي والإسلامي. من خلال هذا الفهم، تُعتبر معاناة الشعوب المستعمَرة أقل أهمية، مما يفسر تقليل الموقف الغربي من معاناة الفلسطينيين واللبنانيين.
  • العنصرية الهيكلية: تُسهم النظرة العنصرية البنيوية في تصوير الشعوب غير الأوروبية، وبالأخص من الشرق الأوسط، كأدنى منزلة. مما يجعل المعاناة التي تواجهها هذه الشعوب تقلل من إدانتهم، لتظهر وكأنها جزء من صراع يعتبره الغرب جزءًا من الجهود لمكافحة الإرهاب.

2- السرديات الدينية والتاريخية

  • القيم الغربية: المجتمعات الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة، تقام على قيم ليبرالية تدعو للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن هذه القيم تُطبيق selectively، حيث تُعتبر إسرائيل مثالاً للديمقراطية في الشرق الأوسط، بينما يتم تجاهل أو تبرير أفعالها.

تعكس صورة الشرق الأوسط التي يحملها الغرب تفسيرات استشراقية، تُظهر المنطقة كمتخلفة ومتطلبة للإشراف الغربي، مما يحد من التعاطف مع العرب والفلسطينيين، كما تتأثر التغطية الإعلامية الغربية بالتحيز، حيث تنتشر سرديات تحابي إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين إلي جانب وجود تأثير قوي للدين، مثل دعم المسيحيين الإنجيليين لإسرائيل على أساس تفسيرات روحية.

3- العلاقات الاستراتيجية والمصالح الجيوسياسية

  • التحالفات الاستراتيجية: تُعتبر إسرائيل شريكًا استراتيجيًا بارزًا للغرب، خاصة للولايات المتحدة، حيث تُستخدم لمواجهة التهديدات مثل النفوذ الإيراني. وهكذا، يصبح دعم إسرائيل أمراً ضرورياً لحماية المصالح الغربية.
  • التجارة والأسلحة: تمثل إسرائيل سوقاً مهمة للتكنولوجيا العسكرية الغربية، وهذه الديناميات التجارية تسهم في تجاهل الأفعال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بينما تجعل من منطقة الشرق الأوسط نقطة حيوية لأمن الطاقة.
اللوبي الإسرائيلي يحكم العقل السياسي في الولايات المتحدة، حيث يتجذر في الحزبين الجمهوري والديمقراطي (رويترز)

4- إعادة صياغة سردية الصراع

بناءً على ما سبق، تتشكل سردية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الغرب بنمط يتجاهل أو يقلل من معاناة الفلسطينيين، مما يؤثر سلبًا على قدرة الغرب على فهم التعقيدات الحقيقية لهذه الأزمة.

تحليل الخطاب الغربي حول “الحرب على الإرهاب”

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، اتخذ الغرب من خطاب “الحرب على الإرهاب” إطارًا لتبرير العديد من التدخلات العسكرية والإجراءات القمعية. وقد استغلّت إسرائيل هذا الخطاب لتبرير هجماتها العسكرية في غزة ولبنان، حيث يتم تصوير المقاومة الفلسطينية واللبنانية كجزء من الإرهاب الدولي. وهذا السرد يجعل الجمهور الغربي أكثر تقبلًا للأعمال الإسرائيلية، حيث يبدو أن هذه الأعمال دفاع عن النفس في مواجهتهم لما يُعتبر تهديدًا إرهابيًا.

التحيز الإعلامي وشيطنة المقاومة

تساعد وسائل الإعلام الغربية، بشكل كبير، في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية، حيث تُصوّر كمجموعات عنف غير مشروعة، في حين يُعتبر العنف الإسرائيلي دفاعًا مشروعًا. هذا التحيز الإعلامي يساهم في تكوين إدراك شعبي بأن تصرفات إسرائيل تأتي في إطار الدفاع عن النفس، على الرغم من الأثر المدمر الذي تخلفه على المدنيين.

فكرة العلمانية وترويج الديمقراطية: إسرائيل نموذجًا

في الثقافة السياسية الغربية، تُعتبر إسرائيل “الدولة الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، مما يعزز الدعم الغربي لها، باعتبارها “واحة من الديمقراطية” في منطقة تملؤها النزاعات والديكتاتوريات. هذه الصورة تجعل هناك تناقضًا بين المبادئ الغربية التي تدعو إلى حقوق الإنسان والديمقراطية وسياستها الداعمة لإسرائيل، التي تتسم بالعنف، والذي يُبرر عادة في إطار “الحفاظ على الديمقراطية”، حتى لو كان ذلك يجري على حساب القيم الإنسانية.

البراغماتية في القوة والسلطة

يتبنى الفكر الغربي، المستلهم من فلاسفة أمثال نيكولا مكيافيلي وتوماس هوبز، نظرة براغماتية للعلاقات الدولية، حيث تُعتبر القوة والمصلحة المحركات الأساسية للعلاقات الدولية. في هذا الإطار، يُعتبر الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الحيوية هدفًا رئيسيًا، مما يجعل الدعم الإسرائيلي، رغم الانتهاكات، ينطوي على تفضيل التحالفات الإستراتيجية فوق الاعتبارات الأخلاقية.

ازدواجية المعايير في العلاقات الغربية الإسرائيلية

يمكن القول إن العلاقة بين الغرب وإسرائيل نموذج معقد يعكس تناقضًا بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية. تعكس سياسات إسرائيل، ككيان استيطاني، استمرار نمط الاستعمار الذي شهدته العديد من المناطق عبر التاريخ، مما يبرز تباينًا صارخًا مع ادعاءات الغرب بالقيم الإنسانية.

إن الدعم العسكري والاقتصادي الذي تقدمه القوى الغربية لإسرائيل يُعتبر بمثابة تواطؤ في استدامة الحالة الراهنة. إن الأيديولوجيات الاستعمارية القديمة تظهر مجددًا في سياقات جديدة، مما يستدعي إعادة التفكير في الخطابات بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. العلاقة بين الغرب وإسرائيل تجسد إرث الاستعمار الذي يتجاوز الحدود الجغرافية ويؤثر على حياة الملايين في مناطق متعددة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version