فطور لبناني تقليدي للنازحين في رسالة صمود وتضامن
صيدا- في ظل الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد أكثر من عام من النزوح، اجتمعت مجموعة من النساء اللبنانيات من البلدات الحدودية، ضمن باحة مركز إيواء “ثانوية الدكتور نزيه البرزي الرسمية” في مدينة صيدا، لتحضير خبز الصاج، والذي يعتبر جزءًا من تراثهن.
على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون، قررت هؤلاء النساء الحفاظ على هذا التقليد القروي. يعتبر خبز الصاج أو “المرقوق” طعامًا ذا رمزية كبيرة؛ إذ يُعدّ باستخدام صاج معدني كبير فوق نار الحطب أو الغاز، وقد أصبح يحمل ذكرى الجماعة ويعكس ارتباطهن بجذورهم، وتحول إلى تذكار يعيد إلى الأذهان أيام السلم.
رمز الذاكرة
تقول أم حسين، النازحة من بلدة يارين: “عندما كنا نجتمع حول الصاج في قريتنا، كانت رائحة الخبز الساخن تملأ الأجواء، وتجعلنا نشعر بالألفة والسعادة، لم ننسَ عاداتنا ولا ذكرياتنا. واليوم، ورغم الصعوبات، نحاول استعادة تلك اللحظات في مركز الإيواء، وهذا التقليد يجعلنا نشعر بأننا نعيش شيئًا من روح أرضنا هنا”.
وتتذكر أم علي، النازحة من بلدة مارون الراس أيام ما قبل الحرب، قائلة: “نصنع الخبز من الطحين والماء والملح والخميرة، وكان هذا أفطارنا الصباحي الذي نجتمع حوله كأسرة واحدة، أما اليوم، فقد أصبحنا عائلة كبيرة تضم جميع النازحين”.
بينما كانت أم علاء، إحدى النازحات، تعجن الخبز، دخلها الحنين، وقالت متأثرة: “كلما تخيلت قريتنا، أريد أن أقوم بتقبيل الأرض وشم ترابها؛ أتمنى أن نعود قريبًا”.
رغم قلقها على مصير منزلها وأرضها، تؤمن أم علاء بأن العودة -حتى إلى الأطلال- ستكون مليئة بالسلام الداخلي. توضح: “حتى لو عدنا إلى بقايا منزلنا، سنعيش بسعادة لأن هذه أرض الجنوب الغالية”.
إفطار جماعي
### مائدة إفطار جماعية للنازحين في صيدا
في خطوة لتعزيز التضامن، انتقلت مجموعة من السيدات إلى ملعب مدرسة في صيدا، حيث استقبل النازحون ومسؤولو المدرسة والمتطوعون. تم تنظيم مائدة إفطار تحتوي على أطباق لبنانية تقليدية، مثل اللبنة والفول والحمص والخضار، في مبادرة نظمتها جمعية الكشاف المسلم بالتعاون مع جمعية التعاون الإنساني. تهدف هذه المبادرة، التي تعد الأولى من نوعها في أحد مراكز الإيواء في المدينة، إلى تعزيز روح الصمود والوحدة بين الشعب اللبناني.
### رسالة تضامن وصمود
وفي تصريح لموقع الجزيرة نت، أوضح مفوض الكشاف المسلم في الجنوب، رامي بشاشة، قائلاً: “من خلال هذه المبادرة، نريد أن نبعث برسالة أُلفة وصمود، نؤكد فيها أننا عائلة واحدة، والشعب اللبناني يقف موحدًا اليوم”. وأضاف بشاشة أن هذه المبادرة تعبر عن تضامننا مع إخواننا النازحين وتخفف من معاناتهم في ظل هذه الظروف القاسية.
### جهود المتطوعين
وفي سياق المبادرة، أوضح أحد النازحين من بلدة يارين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الفكرة بدأت من خلالهم، وقد وجدوا دعمًا كبيرًا من إدارة المركز. وأشار إلى أن المتطوعين عملوا بكد وتعب، حتى إن بعضهم أمضى الليل في المدرسة لإتمام التحضيرات. وأكد أن مثل هذه المبادرات تعزز الألفة والمحبة بين الجميع.
### كرم أهل الجنوب
ومن جانبه، أشار أحد النازحين في المركز إلى أن أهل الجنوب يتصفون بالكرم والأخلاق، وعبّر عن تقديره للجهود المبذولة من قبل الشباب المتطوعين، وعدّهم إخوة في المحنة.
### مشاعر النازحين
تحدثت أم حسن، واحدة من النازحات، بصوت يمزج بين الحزن والارتياح، قائلة: “غادرنا بيوتنا تحت وابل الصواريخ، وعندما وصلنا إلى هذا المركز، شعرنا كأننا بين أهلنا”. وأكد النازح أبو إبراهيم أن المعاملة الطيبة جعلتهم يشعرون كما لو كانوا في بيوتهم.
### تحسين ظروف المعيشة
“ثانوية البزري الرسمية” في صيدا تعد واحدة من أكبر مراكز الإيواء، حيث تأوي حوالي 162 عائلة نازحة. وفي إطار الجهود لتحسين الحياة اليومية للنازحين، تم تجهيز مطبخ جماعي داخل المركز، مما يمنح العائلات الفرصة لطهي وجباتهم الذاتية ويساعد على تخفيف معاناتهم وزيادة شعورهم بالاستقرار.